اراء و مقالات

«يد بايدن وكتف الأمير»… صورة بدلالات «أردنية» أعمق والسؤال: أين أدوات «جمع المكاسب»؟

عمان -«القدس العربي»: بدت أكثر من صورة ملتقطة بعفوية في نطاق “التلغيز” السياسي عند رصد أي محاولة لتفكيك الدلالات الرمزية بعد زيارة مثيرة ومهمة قام بها إلى الولايات المتحدة الملك عبد الله الثاني، وانتهت السبت الماضي.
يمشي الملك في أروقة البيت الأبيض إلى جانب الرئيس جو بايدن، والصورة توضح أن الرئيس الأمريكي يضع يديه ببهجة على كتف ولي العهد الشاب الأمير حسين بن عبد الله. وتلك صورة تعني الكثير سياسياً، والتقطها وبثها الطاقم الإعلامي المعاون للرئيس الأمريكي على هامش زيارة كانت مغرقة في الإشارات والانطباعات، وهي زيارة مهمة ومفصلية، برأي الخبير السياسي والاقتصادي الدكتور أنور الخفش، ليس على الصعيد الأمريكي فقط، ولكن على الصعيد الأردني أيضاً.
يضم الدكتور الخفش، وهو يقلب أوراق الزيارة وتفصيلاتها مع “القدس العربي”، صوته للقائلين بأن ما بعد هذه الزيارة أردنياً ليس كما كان قبلها، وأن الجيوسياسي الأردني يعود بكفاءة إلى واجهة المشهد، معتبراً أن التحدي الرئيسي بعد الاختراقات الملكية المؤثرة والعميقة له علاقة بكيفية تصرف المؤسسات والنخب الأردني لاحقاً في عدة ملفات مهمة وعلى أساس قطف الثمار والمكاسب وبصورة تليق بما أنجزته المؤسسة الملكية في واشنطن.
عودة إلى يد بايدن اليمنى، التي وضعت على كتف الأمير الشاب الحسين بن عبد الله بأبوية، يمكن القول إن مؤسسة ولاية العهد الأردنية خارج أي نطاق للتجاذب الآن، فقد تحدث بايدن حصرياً مع الأمير الشاب في عدة قضايا خلال اللقاء الرسمي، وأبلغه بذكريات يحتفظ بها مع والده وكذلك مع جده الملك حسين بن طلال.
يبدو أن بايدن تقصد توجيه رسائل عميقة من خلال إظهار الاهتمام باستقرار الأردن وأمنه، وحسم تجاذبات كانت قد اشتغلت بها قليلاً بعض تقارير الصحافة الأمريكية، وحتى المشاورات الملكية على هامش الزيارة تضمنت إشارات لتلك المقاصد التي احتفظ بها بايدن وعبر عنها عندما استقبل وجامل وتقصد التحدث مع الأمير الشاب، في إشارة يفهم منها بأن الحليف الأمريكي مهتم باستقرار الأردن ومستقبله أيضاً، وبثبات المعادلة ضمن نطاق الشرعية الدستورية الأردنية. برأي الباحث والناشط الأمريكي الفلسطيني الدكتور سنان شقديح، تلك فرصة كبيرة تؤسس حقاً للتحدي الأردني التكنوقراطي والسياسي، فالأردن في موقع متقدم مع الإدارة الأمريكية الحالية، وعلى عمان أن تنتبه جدياً لتحسين مكاسبها؛ لأن الرئيس بايدن مهتم فعلاً بالأردن ودعمه، ويعمل معه فريق مؤمن باستقرار الأردن وتعزيز مصالحه لا بل وبحمايته.
بالتالي، يمكن القول بأن إشارات البيت الأبيض، وهو يستقبل ولي العهد، لها معانيها خصوصاً بعد صدمات محلية داخلية أقلقت الجميع في الأردن.
أمريكياً، لا يقف الأمر عند حدود الأضواء الأمريكية التي أحاطت بولي العهد ولاحقته، فملك الأردن سجل بصمات كبيرة لا يستهان بها في العمق الأمريكي المؤسساتي.
هنا يلفت الخفش وشقديح وغيرهما النظر إلى أن المسألة لا تتعلق اليوم فقط بأن ملك الأردن هو أول زعيم عربي وإسلامي يستقبله بايدن، إنما تتعلق أيضاً -وقد يكون هذا الأهم- بمستوى وعمق وحجم التسهيلات الأمريكية السياسية والأمنية التي دفعت باتجاه لقاءات صريحة وحيوية ومهمة جداً بعد بايدن بين الوفد الملكي الأردني ونخبة عريضة من أهم رموز المؤسسات الأمريكية.
أراد البيت الأبيض بوضوح هنا أن يقول بأن الحماسة لإطلاق علاقات استراتيجية مع الأردن لا تقتصر فقط على المكتب الرئاسي، بل أصبحت مهمة وواجباً عند جميع مؤسسات وأفراد طاقم الرئيس الأمريكي. يفسر ذلك أن الملك الأردني قد يكون الوحيد، ومنذ سنوات طويلة، من الزعماء الذين أتيحت لهم اجتماعات عميقة وسريعة مع أهم مؤسسات العمق الأمريكي، وليس فقط استقبالات تحالفية أمام الكاميرات.
عقد عاهل الأردن اجتماعات مع نائبة الرئيس الأمريكي ومع وزير الخارجية ومع أهم خمس لجان في الكونغرس ومع طاقم حكومة الظل في البيت الأبيض، والأهم عقد اجتماعات مع جنرالات البنتاغون ومع رئيس الأركان الأمريكي وكبار اللاعبين، سواء في الخارجية أو في الكونغرس أو حتى في الوكالة الأمريكية للإنماء.
تلك مساحات لم تُتح في الماضي حتى للأردن في أوقات سابقة، وبالتالي لها دلالات العميقة سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً، وقد تؤسس لحالة اشتباك وتعاطٍ مع عناصر الاستقرار الدستوري الأردني بعد الآن، وتسهم في توفير حماية للدولة الأردنية، ليس فقط في نطاق الأمن العملياتي والعسكري، ولكن أيضاً في مواجهة مشاريع وطموحات وتحرشات اليمين الإسرائيلي، وفقاً للخبير الخفش وغيره.
تلك الاجتماعات من حيث حجمها وكثافتها، أظهرت تفوقاً كبيراً في حضن الأردنيين، وترافق ذلك بوضوح مع البؤس الشديد الذي ظهرت فيه مجموعة تمثل المعارضة الخارجية وتدعو إلى إسقاط النظام في الأردن عندما أخفقت في جمع أكثر من سبعة أشخاص يقيمون في الولايات المتحدة في ساحات البيت الأبيض، رغم الانشغال بخطاب البث التحريضي طوال أربعة أسابيع. الأردن، استراتيجياً، أمام مرحلة مهمة وكبيرة ومعقدة، ستضح وتنكشف بعض تفاصيلها لاحقاً. وحجم المكاسب رهن بالتأكيد بمهارة الأدوات والمفاوض الأردني إن وجد أصلاً.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى