اراء و مقالات

«حياكة» المشهد الداخلي الأردني بعد «الضجر» وثلاثية قرارات مهمة… فوضى «مراكز القوى» كيف تنتهي؟

التعمق في مشكلات الملقي والرزاز والطراونة

قد لا يكون الإصرار على إجراء الانتخابات الأردنية البرلمانية في موعدها المقرر وسط ضجيج فيروس كورونا وتوابعه مرده الرئيسي الحرص فقط على الاستحقاق الدستوري والرغبة بوجود مجلس نواب بقدر ما له علاقة بالحرص أيضاً وأكثر على إنهاء تجربة مجلس النواب الأسبق المثيرة للجدل في بعض حيثياتها.
في موسم واحد وخلال أقل من شهر وبعد طول انتظار، اتخذت في مركز القرار المرجعي في عمان ثلاثة قرارات كبيرة دفعة واحدة. بالتزامن والتتابع، حل البرلمان ثم حسم موعد الانتخابات النيابية، وأخيراً ترحيل حكومة الدكتور عمر الرزاز المثيرة للجدل. أي خيط يحاول الربط بين هذه القرارات المتزامنة لحياكة مشهد منطقي سياسياً سيصل إلى نتيجة حتمية قوامها ضجر في مستويات الدولة العميقة من الوقائع الموضوعية التي تفرضها مراكز القوى، وفي وصف آخر يميل إلى استعماله بين الحين والآخر وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر «مراكز الأمر الواقع».
ما هي مراكز قوى الأمر الواقع في المشهد السياسي الأردني؟
سؤال محرج وفيه قدر من الحساسية، لكن الإجابة عليه لا تبدو متاحة ببساطة، وقد تمر قسراً في محطة تتبع ذلك الخيط الناظم بين مجازفة معادلة القرارات الثلاثية التي تجاهلت، برأي مراقبين مخضرمين، الوضع الفيروسي في فترة متأخرة، وتحملت كلفة الوضع الاقتصادي المعقد، وأظهرت قدراً من المرونة طوال الوقت، بالتزامن، تجاه مراكز القوى المشار إليها.

التعمق في مشكلات الملقي والرزاز والطراونة

وسط حشد من المثقفين والسياسيين، وتعليقاً على مداخلة بعنوان كلفة الإصلاح وعكسه لـ «القدس العربي» حاول المعشر التأشير على قوى الأمر الواقع، فتحدث عن نخب ومستويات تجعل التواصل بين الأردني وقياداته أصعب وتحتكر التخويف من الإصلاح.
قالها المعشر بوضوح وصراحة وبساطة: في كثير من المواقع والمسارات والأحداث، لا يستطيع دعاة الإصلاح إيصال رأيهم لمركز القرار. قد يقول قائل بأن ما يطرحه المعشر أقرب إلى فرضية أو ينطوي على مبالغة، لكن المبالغات بالجملة في الحياة السياسية الأردنية وحالة الضجر من مجلس النواب السابق تحديداً تجلت في إشارتها الأولى عندما غادر رئيسه المهندس عاطف الطراونة، في وقت مبكر، عن حفل الاستقلال الرسمي للدولة.
يعلم الجميع أن الطراونة بشخصه تحول إلى مركز قرار، ويعلم الجميع بأن مجلس النواب في عهده غرد خارج السرب والمألوف في أكثر من موقع وعلى المستوى الفردي، وبالرغم من قناعة الجميع بالانطباع القائل بأن المجلس خاضع وفي حضن الحكومة.
حكومتان في ظل ضائقة اقتصادية شكلتا أيضاً مراكز قوى بعيداً عن الرؤية تثير من الإحباط أكثر بكثير من أي إنتاجية محتملة. ورئيسان للوزراء على الأقل هما الدكتور هاني الملقي والدكتور عمر الرزاز، بالغا في التحول إلى مراكز قوى بيروقراطية ارتمت أحياناً في أحضان اعتبارات الشراكة مع النواب، وأعاقت في أحيان أخرى مشاريع واتجاهات كان يفترض أنها تقررت مرجعياً. وكلفة هذه الفوضى في مراكز القوى المتعددة في المشهد كانت كبيرة على المواطن والدولة ومركز القرار السيادي أيضاً، ونتج عنها مظاهر فوضى وانفلات وتشبيك مع الحراك الشعبي، كما نتج عنها رؤية جنرالات وزراء سابقين في الشارع يهتفون بسقف مرتفع ويحرجون الدولة.
كل تلك تراكمات تخللتها دوماً تحت قبة البرلمان المزعج وخارجها مناكفات وتحرشات جارحة أو خارج المألوف لا تتسق مع تقاليد الأعراف الأردنية، حيث المعارضة والهجوم والنقد، وحتى احتضان التجريح في بعض المفاصل، هي وظيفة الحكومة وليس الدولة، وحيث الاحتواء والتفريغ وتقييم شحنات الانفعال في الشارع وظيفة مؤسسات البرلمان وليست وظيفة مرجعيات الدولة. كما تشكلت شخصيات منحت فرصة الظهور والحضور والقرار، لكنها حاولت التموقع والتوسع خارج رحم الدولة التي تعاني أصلاً من زحام في المرجعيات أحياناً ومن تداعيات التعاكس في الاتجاهات بين مراكز القوى التقليدية القديمة حيث مركز ثقل القبيلة على حد تعبير عضو البرلمان السابق خالد رمضان، ومركز الثقل الأمني.
ضغط الفيروس خلال الأشهر الثمانية الماضية بقسوة على الحبل العصبي المشدود لجميع مراكز القرار في الأردن، ونجحت الدولة عندما بدأت معركة الفيروس بحماية الصحة العامة والتضحية بالكلفة الاقتصادية قبل أن تخفق حكومة الرزاز في أزمة تسلل المعابر لكي تولد القرارات التي تلت ذلك.
حل البرلمان، أولاً.
رحلت حكومة الرزاز، ثانياً
حدد موعد الانتخابات وتشكلت حكومة برئاسة المستشار الذي كان قريباً طوال العامين الأخيرين للملك شخصياً، وهو الدكتور بشر الخصاونة، على أمل تحقيق اندفاعة جديدة نحو المستقبل والتخفيف من التشنجات العضلية الناتجة، داخل الدولة وفي أعماق مؤسساتها، عن فوضى الأجندات ومراكز القوى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى