اراء و مقالات

تحذيرات أردنية من اجتثاث «حماس»… «مقايضة» بلينكن: ابتزاز المقاومة والعرب مقابل «تغيير اللهجة فقط»

عمان ـ «القدس العربي»: المقايضة التي يعرضها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على دول عدة في المنطقة أبرزها الأردن هذه الأيام، أصبحت حادة وواضحة ومباشرة، وفقاً لتصريحات صباح أمس الثلاثاء، التي أدلى بها الوزير بلينكن بعد مباحثات في تل أبيب.
ما هو غير واضح بعد، الإجابة عن السؤال الآتي: كيف يمكن وعلى أي أساس تجميع دول عربية متباينة في موقفها من مسار الحدث الفلسطيني مع تركيا تحت عنوان موحد سمّاه الوزير بلينكن «رسم مسار غزة بعد الحرب»؟
سأل مراقبون في عمان فوراً: ما الرابط في المسألة الفلسطينية بين موقف دول مثل قطر والإمارات ثم السعودية وتركيا، وفقاً لفرضية الوزير بلينكن؟
طبعاً، الرابط الوحيد الذي يمكن استنتاجه مباشرة بعد جولة بلينكن الأخيرة هو رسم ملامح المقايضة الأمريكية التي تمارس أقسى أنواع الابتزاز للمقاومة الفلسطينية وفصائلها. وهي مقايضة فكرتها – برأي السياسي الأردني مروان الفاعوري – خروج المقاومة الفلسطينية من معادلة مستقبل غزة مقابل حتى الآن ليس وقف إطلاق النار والعدوان، بل تغيير اللهجة الأمريكية فقط، التي بدأت عبر التسريب وليس التصريح، تشير إلى أن إدارة الرئيس جو بايدن يمكنها ملامسة مشروع محتمل لوقف إطلاق النار.

استجابة «توريطية»

طبعاً تلك استجابة جزئية ومتأخرة جداً لمواقف الدول العربية وعلى رأسها الأردن، التي تكشفها تفاصيل اتصالات لبلينكن من أنقرة إلى الدوحة والرياض وعمان وتل أبيب، لكنها في الوقت ذاته استجابة توريطية، بمعنى جمع صنفين من دول الجوار: الأول يمول إعادة إعمار غزة، والثاني يشرف على ضمانات بعنوان خلو مستقبل الإدارة في قطاع غزة من حركة حماس تحديداً.
وعلى هذا الأساس، وعلى الأقل في فهم الأردنيين، يمكن القول إن تلك المقايضة لا تبدو منصفة، لكنها أيضاً وبوضعها الحالي وبدون ترتيبات تدعم استراتيجية إعادة بناء المرجعية الفلسطينية على أسس سليمة، قد لا تكون مؤهلة للنجاح في تقدير تحفظي سمعته «القدس العربي» من السياسي الأردني المخضرم طاهر المصري.
الزاوية الأردنية في مقابل مقايضة بلينكن المعروضة قد تكون الأكثر حرجاً؛ فالشريك والصديق المصري بعيد بمسافة مرصودة من هذا الحراك الدبلوماسي، وعمان تريد لأول مرة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى الانخراط في تفاصيل ما يسمى في أروقة القرار فيها بالتصور الأمريكي لقطاع غزة، لكنها تنخرط وتناور وتحاور في الوقت نفسه.
الانخراط الأردني هنا في التفاصيل نادر وغير مسبوق، لكن الخشية كبيرة من أن ينتهي بأخطاء ترتد على نسبة نجاح أي سيناريو، ومن ثم على مصالح وثوابت الأردن، بدلالة أن وزير الخارجية الأردني نفسه أيمن الصفدي، أشار في جلسة مغلقة حضرتها «القدس العربي» في وقت مبكر من معركة الطوفان، إلى ان إعادة إعمار غزة مشروع ينبغي أن يأخذ بالاعتبار ما سمّاه الصفدي بيروقراط حركة حماس.
رئيس الوزراء الأردني الأسبق علي أبو الراغب، وقف على هذه المسألة المعقدة ناصحاً انطلاقاً من خبرته، على هامش نقاش أيضاً مؤخراً مع «القدس العربي» متمنياً على جميع الأطراف التي تزاحم وتخطط وتلعب هذه الأيام أن تأخذ باعتبارها ما سمّاه بالسيناريو العراقي العبثي، حيث اختبر الجميع ما الذي يعنيه برنامج اجتثاث حزب البعث في العراق وما الذي قاد إليه.
ومقاربة أبو الراغب واضحة في مسألة الإدارة والتنفيذ لضمان أكبر سقف استقرار ممكن لعملية إعادة الاعتبار لإعمار غزة، وبصيغة تحترم حقاً تضحيات الشعب الفلسطيني وأهل القطاع، كما تحترم بالقدر نفسه الفارق بين من قاتل وقدم تضحيات وساهم في الحد من الاندفاع البلطجي لليمين الإسرائيلي، ومن لم يقاتل أو يفعل شيئاً. في المقابل، لا يخفي الوزير الصفدي على هامش نقاش مباشر مع «القدس العربي» قناعة بلاده بأن «الفاعلين» دولياً في ملف الصراع يحتاجون لشروحات إضافية تحاول تذكيرهم بأن حركة مثل حماس تمثل تياراً سياسياً وشعبياً، وليس بنية عسكرية فقط. تلك مسألة قالها وشرحها الأردن علناً قبل أسابيع، ويتولى مسؤولون في عمان الآن شرحها للقيادات الدولية.
تكنوقراطياً وتقنياً، يسعى أبو الراغب للفت النظر إلى أن الخبرات الإدارية عند إعادة الإعمار في قطاع غزة، أو ما يسمى رسم مسار غزة بعد الحرب، لا يمكن تنفيذها إجرائياً بالشكل الصحيح الذي ينعكس بصيغة سلام أطول واستقرار أفضل بدون تلك الخبرات الإدارية من أبناء القطاع، وحصراً من هؤلاء الذين أداروا الشؤون العامة والإدارية ويعرفون الأزقة والزوايا ويجيدون التعامل مع مجتمعهم، حتى وإن كانوا من أبناء حركة حماس.

خطأ استراتيجي كبير

يطرح أبو الراغب هنا ملاحظة تقنية ومهنية في غاية الأهمية لا يبدو أن استعجال بعض الدول العربية على الوصول إلى لهجة أمريكية تتبنى وقف العدوان تأخذها بالاعتبار، فيما كانت «القدس العربي» قد سمعت مباشرة من بعض قادة حماس السياسيين في الدوحة ما يمكن اعتباره بسؤال العتب الرقيق للأشقاء في الأردن وفي الدول العربية الأخرى، مع تحذير من الظلم في القراءة والتشخيص تحت عنوان السعي الأمريكي والإسرائيلي لإقصاء المكون الحماسي في مجتمع قطاع غزة مستقبلاً، خصوصاً بعد تضحيات فصائل المقاومة، مع التحذير طبعاً من أخطاء يمكن أن لا تدفع نحو الاستقرار الدائم والواسع إذا ما تم تركيبها على أساس جموح إسرائيل نحو إقصاء المقاومة.
مقايضة بلينكن تفرد عضلاتها وسط بعض العواصم العربية، ولا أحد يعلق على التفاصيل، لكن من زاوية وطنية أردنية يمكن القول إن ترك منطقة التحفظ أردنياً في التدخل بشأن ملف غزة هو جزء من برنامج سياسي أبعد لإعادة تشكيل المرجعية الفلسطينية.
مشكلة الجناح الذي يقود أو قد يقود الاشتباك الأردني هنا هو ظهور بعض ملامح الليونة الخطرة على مصالح الأردن وعلى المعادلة الفلسطينية تجاه فكرة إخراج المقاومة وحركة حماس من مولد مسار مستقبل غزة بعد الحرب وإعادة الإعمار بلا حمص. ذلك خطأ استراتيجي كبير في الحسابات إذا ما تورطت فيه عمان.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى