اراء و مقالات

«نبوءة الكباريتي» تتعزز… إيران في «كل الجوار»: هل يغادر الأردن «تحفظاته الأمنية» ببطء؟

عمان – «القدس العربي»: ينقل المتغير الإقليمي طاقم السفارة الإيرانية في عمان العاصمة من حالة “عزلة دبلوماسية” طالما اشتكى لسنوات، إلى حالة تفاعل إيجابي هذه المرة وبتطور ملحوظ جداً بعد الاتفاق الاستراتيجي بين السعودية وإيران، الذي ألقى بظلاله فوق كل الاعتبارات حتى في الساحة الأردنية، في انتظار الخطوة التالية في جعبة وزارة الخارجية التي رحبت بالمصالحة السعودية الإيرانية بصيغة عامة، لكنها لم تجب بعد الآن على تساؤلات الشارع الأردني بخصوص التالي في نمو أو تطبيع العلاقات مع الإيرانيين.
بعد عزلة حتى بين السفراء العرب، نشرت صورة قبل أسبوعين تقريباً للقائم بأعمال السفير الإيراني يصافح السفير السعودي نايف بن بندر السديري في العاصمة الأردنية عمان، وفي ضيافة السفير القطري في أول سهرة رمضانية في الشهر الفضيل دبلوماسية الطابع.
تلك الصورة اعتبرت كإشارة إلى أن سفراء إيران في الجوار العربي ودوله خفت القيود على حراكهم ونشاطاتهم وبشكل ملحوظ بعد فترة من العزلة مع دول الخليج تحديداً، وفي الأردن.

فك العزلة الإيرانية؟

وكان أركان السفارة الإيرانية التي حرصت سلطات طهران على استمرار عملها في الأردن رغم سحب السفير الأردني عام 2016 يكثرون من الشكوى والتذمر جراء العزلة التي يواجهونها في العاصمة عمان حصراً، حيث لا يستقبلهم مسؤولون بارزون، وكانت اتصالاتهم تقتصر على عدد محدود جداً من السياسيين الكبار المتقاعدين. بكل حال، تغيرت المعطيات؛ فالقيود أخف أمام القائم بالأعمال والسفير الإيراني.
ومن ذلك الخطوة الجديدة في دعوة نخبة من الفعاليات الأردنية إلى مناسبة خاصة الأسبوع الحالي، قوامها نسخة مصغرة عن مهرجان خطابي بمناسبة يوم القدس مع دعوة إفطار. تلك خطوة نادرة علناً وتعكس الإحساس العام بأن طاقم السفارة الإيرانية في عمان يتحرك ويناور في مساحة أفضل الآن، وبأن السلطات الأردنية ضمناً لا تعترض، في إشارة سياسية أيضاً.
لا بل العديد من الفعاليات تحت انطباع بأن الجانب الرسمي الأردني يترك بالتدريج تحفظه المعتاد والمألوف على نشاطات أو فعاليات يمكن أن تقيمها سفارة الجمهورية الإيرانية على الرغم من عدم وجود سفير أردني في طهران ومن الخلافات السياسية، وأيضاً على الرغم من التحفظات الأمنية التي يرددها أمنيون سابقون وهم يتحدثون في جلسات نقاش منظمة ومغلقة عن أسباب التحفظ الأمني على إطلاق العلاقات مع إيران وضرورات الاحتراز على الأقل كما كانت في الماضي.
بين هؤلاء جنرال أمني بارز لكن متقاعد في ندوة خاصة نظمها معهد السياسة والمجتمع بمشاركة نخبة أكاديميين وبحضور “القدس العربي”، موضحاً بعض الأسباب التي كانت تدفع للارتياب الأمني في الماضي، لكنه اعتبر –مرجحاً- أن المقاربة اختلفت الآن، وأنه لم يعد من الحكمة أردنياً البقاء في حالة التحفظ الأمني السياسية.
وهو ما سبق أن أعلنه في تصريح صحافي شهير رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، عندما صرح بأن إيران لم تستهدف زعزعة الأمن الأردني، شارحاً بأن للأردن ملاحظات لكن إيران تبقى دولة كبيرة وجارة مهمة إقليمياً.
في معطى الاحتراز الأمني أيضاً، تحدث الجنرال المتقاعد والمحلل السياسي الأمني عمر الرداد، في ندوة أخرى مستعرضاً بعض الملاحظات مثل الانطباع بوجود دور للحرس الثوري الإيراني في مسألة تهريب المخدرات، ومثل ضبط أسلحة في بعض المرات وبعض النقاط الميتة، معتبراً أن المؤسسة الأمنية لها تحفظاتها وهي الأقدر على إقرار الاستراتيجية المناسبة بما يضمن مصالح الأردن.
بكل حال، واضح تماماً أن لهجة ما لكن بشكل محدود جداً تتبدل تجاه الإيرانيين في مسألة العلاقات والاتصالات.
والأوضح أن الأردن بعد الاتفاق الإيراني السعودي يبحث عن مقاربة تبعده عن مجازفات أمنية على أساس اليقين الثابت اليوم بأن إيران موجودة واستعادت علاقاتها بتلك الدول العربية الشقيقة التي قطع الأردن علاقاته الدبلوماسية مع إيران من أجلها.
يغادر الأردن تحفظاته ببطء شديد، وفي الذهن المطرقة التي يضرب فيها اليمين الإسرائيلي كل نوافذ وأبواب الوصاية الأردنية في القدس. والملموس أن السفارة الإيرانية في عمان تستطيع توجيه دعوات وإقامة مهرجان خطابي بمناسبة يوم القدس دون الغرق في الحساسيات القديمة، وهي خطوة توحي بتقدم ما. لكن المطلوب -برأي السياسي الدكتور ممدوح العبادي- أن تتقدم المقاربة الأردنية بخطوات ثابتة أكثر وأجرأ لحماية وتحصيل مصالحها.
صحيح أن المؤسسات الرسمية الأردنية تمتنع عن التعليق والتعبير وتحتفظ بتحفظها تجاه الإيرانيين، وإن كانت تقبل بعض الوقائع الجديدة المفروضة حتى ببعض الصعوبة أحياناً، لكن صحيح بالمقابل أن إيران المعادلة مستحكمة -كما قال يوماً المخضرم عبد الكريم الكباريتي- في أهم بلدين محددين للجغرافيا الأردنية، هما العراق وسوريا.

الشقيقة الكبرى

وصحيح أيضاً أن الاتفاق الإيراني الأخير يجعل طهران قريبة جداً وفي معادلة الجارة والشقيقة الكبرى في السعودية فيما الحدود الأردنية مع فلسطين المحتلة تهددها بما لا يدع مجالاً للشك خارطة الوزير الإسرائيلي بتسليئيل سموتريتش، الأمر الذي يعني متغيراً ضخماً ومربكاً في الجيوسياسي، يجمع المراقبون على أن دوائر صناعة القرار الأردنية وإن أحبت تجاهله اليوم، فإنها لن تستطيع الاستمرار في هذا التجاهل غداً.
إيران وخصوصاً في ظل المبادرة المرجعية الأردنية لإعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية والنمو الاستراتيجي في الاتصالات الأردنية مع أركان البيت الشيعي، أصبحت أقرب إلى نبض المصالح الإقليمية والجغرافية والأساسية الأردنية.
ويقابل هذا المشهد عدو جديد كان شريكاً لـ 29 عاماً يثبت اليوم وعلى حد تعبير السياسي الكبير طاهر المصري، أن لديه أطماعاً تلمودية بالمملكة الأردنية الهاشمية كانت مؤجلة، مع اقتراح أضافه المصري علناً بتوقيعه يعتبر فيه الخطر الحقيقي كامناً في الانخراط الأردني وفي الترتيبات الأمريكية الإسرائيلية، بل الأهم في إنكار مخاطر تلك الأطماع.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى