اراء و مقالات

الأردن وصيغة «الخيرة في التأخير»: قانون الانتخاب الجديد… أين الحوار؟

لا يمكن فهم أسباب ومسوغات الصمت الذي تغرق فيه المؤسسات الأردنية عندما يتعلق الأمر بمخاوف مبكرة من «هندسة أو سلق» قانون انتخاب جديد تطلبته المرحلة وصعد الدخان الأبيض الذي أمر بخصوصه القصر الملكي وفي أكثر من مناسبة مؤخراً. ما يصدر عن رموز اللجنة السياسية الوزارية في مجلس الوزراء الأردني، وقبل التداعيات الأخيرة في ملف الفيروس كورونا، يشير إلى أن الحكومة لم تنضج، بعد تصور من أي نوع، لقانون انتخاب جديد.

مراجعة

اللافت في السياق أنه لا أحد يعلم بعد ما هي البصمة التي يمكن أن يضيفها على عناوين مراجعة تشريعات الإصلاح السياسي وزير الداخلية الجديد ذو الخلفية العسكرية مازن الفراية، فالرجل ليس سياسياً، وقانون الانتخاب مسألة في صلب العمل السياسي، لا بل الأهم أن لجان وزارة الداخلية بالعادة هي التي تساهم في مجمل هندسة العملية الانتخابية بالتعاون مع الهيئة المستقلة للانتخابات التي يترأسها الوزير والمعارض اليساري سابقاً الدكتور خالد الكلالدة.
لا تقول الهيئة شيئاً بخصوص تصورها عندما يتعلق الأمر بقانون انتخاب جديد، والصمت ملحوظ عند الدكتور الكلالدة، الذي ساهم مباشرة في اختبار عدة قوانين. لكن الانطباع الذي تولد لـ«القدس العربي» مباشرة عندما زارت وزير التنمية السياسية المخضرم والنشط والمختص والمعني بالملف تقريباً موسى المعايطة، لم يقف عند حدود الإشارات الواضحة بأن الحكومة لا يوجد تصور محدد في ذهنها الآن.
بل يتجاوز الاستنتاج باتجاه تأطير دور الحكومة ووزارة التنمية السياسية برعاية واستضافة حوارات وطنية معمقة مع القوى والأحزاب تحت لافتة قانون الانتخاب الجديد ومراجعة تشريعات الإصلاح السياسي وفقاً لتوصيفات توجيهات ملكية في هذا السياق. في النقاش فهمت «القدس العربي» بأن لدى المعايطة بصفة شخصية شبه قناعة بأن قانون الانتخاب الحالي جرب مرتين ولم يحقق الأغراض المطلوبة منه على صعيد التنمية السياسية.
يعني ذلك، بعيداً عن صخب الفيروس والحراك الشعبي ومن باب التحليل والتكهن السياسي، أن عقل الحكومة الانتخابي على الأقل بات قريباً من القناعة بأن القانون الذي جرت بموجبه الانتخابات الأخيرة المثيرة للجدل والتي سبقتها فقدت فرصته في البقاء أكثر تحت وطأة جرعات الإصلاح السياسي التي وجه القصر الملكي السلطات نحوها مؤخراً لأسباب متنوعة بطبيعة الحال. ويفترض بأن يساهم الوزير المعايطة في تنشيط وتفعيل مبادرات الحوار حول هوية وملامح قانون الانتخاب الجديد المناسب للأردنيين فيما يوضع الآن وسط هتافات الحراك والشارع المحتقن مجلس النواب الطازج جداً والحديث إلى جانب الحكومة في دعوات التغيير والإسقاط وحتى المطالب بتغيير النهج في إشارة تدل على بصمات مؤثرة للهندسة والتدخل قد تقلص من شرعية مجلس نواب منتخب للتو، وقد لا يحظى بسبب ضغط وإلحاح أجندة الإصلاح السياسي بفرصة البقاء طويلاً.
يرفض رئيس مجلس النواب عبد المنعم العودات مثل هذه الاستنتاجات ويتحفظ فيما تناقشه «القدس العربي» على الانطباعات البائسة كما يلمح، والتي تعتقد بأن عمر المجلس الحالي قصير.
لكن عندما يتعلق الأمر بقانون انتخاب جديد وعصري، يتمسك العودات بأن يكون المجلس صاحب المبادرة الرئيسية، ويعد عبر «القدس العربي» بأن تتحرك مؤسسة البرلمان من موقعها الدستوري وقريباً جداً بعد الانتهاء من جلسات الثقة والميزانية باتجاه استضافة ورعاية وتفعيل وتنشيط حوار وطني عميق مع كل الأطراف، هدفه المعلن والرئيسي الوصول إلى صيغة توافقية لنظام انتخاب جديد.
تلك مسؤولية ممثلي الشعب – يشرح العودات، والنواب سيقومون بدورهم؛ فهم بيت الخبرة ومصدر التشريع الأساسي. وملف مثل قانون الانتخاب يفترض أن يحظى بتوافقات تمثل الجميع مع القناعة – حسب العودات – بنسبة أكبر من التوافقات، حيث لا يوجد وصفة تشريعية انتخابية في العالم يمـكن أن تصـل إلى مسـتوى الإجماع.

استعادة الثقة

حتى التوافق على تشريع انتخابي جديد، في رأي السياسي مروان الفاعوري، مسألة شائكة لكنها لا تكفي لإقناع الأردنيين باستعادة الثقة بنزاهة الانتخابات، فالأصل توقف التدخلات والعبث، وليس فقط تحديث وعصرنة النص القانوني. وقد عانى الأردنيون جميعاً من تدخلات عبثية لا مبرر لها كانت تخدش مصداقية ونزاهة الانتخابات وكل مضمون التنمية والإصلاح السياسي.
لكن رأي الفاعوري طبعاً موجود بقوة في الخريطة، وكل الضجيج سواء في البرلمان أو في مجلس الوزراء بعنوان الامتثال لتوجيهات مرجعية تراجع تشريعات الإصلاح السياسي، وأهمها طبعاً قانون الانتخاب، لم تنتهِ بعد لا بوضع تصورات مكتوبة ولا بمبادرات حوار وطني من أي نوع. قد تكون الخيرة في التأخير. لكن قد تكون المسألة برفقة الصمت الرسمي والبرلماني معنية بجملة تكتيـكية مرة أخرى تستحضـر معلبات الحـوار الوطـني السـابق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى