اراء و مقالاتمقالات وآراء

رسالة «بين الأسطر» في «قدر الأردن السياسي»: نقد المرحلة «الإبراهيمية» ممكن لكن التحدث عن الزعماء «ممنوع»

 

يقول قرار السلطة الأردنية صباح أمس الأحد، بتوقيف قطب بارز في العمل النقابي يمثل الإخوان المسلمين، الكثير عندما يتعلق الأمر بمحاولة إعادة رسم حالة التموقع الأردنية ضمن خطة ومسلسل وسلسلة اتفاقيات السلام الخليجية تحت عنوان المنطقة الإبراهيمية في السياسة والمبادرة والحراك.
الانطباع قوي في عمان هذه الأيام، وأقوى من أي وقت مضى بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيقفز مجدداً إلى سدة الرئاسة في البيت الأبيض. والانطباع أقوى بأن هوامش المبادرة والمناورة الأردنية داخل وفي عمق المحور المصري الإماراتي أقرب إلى قدر سياسي وإقليمي لا بد من البقاء في حضنه مع محاولة التأثير والتغيير من الداخل هذه المرة بعيداً عن أي قفزات غير محسوبة في الفضاء الإقليمي بالتوازي مع المجازفة بتقليص الدور الأردني إقليمياً وسياسياً.
قالها بوضوح أمام «القدس العربي» أحد كبار اللاعبين في إدارة الملف السياسي الأردني: .. سورية خارج الجغرافيا، والعراق اليوم خارج التاريخ، ولا نستطيع تدبير أي هامش لنا مع تركيا الطموحة، واليمين الإسرائيلي خطف عواصم الخليج، والمسار الفلسطيني منقسم، والمشروع الإيراني لا يمكنه أن يشبهنا بأي صيغة. وبالتالي، فالنتائج واضحة وضوح الشمس.. يضيف السياسي نفسه، والخيار الاستراتيجي العميق اليتيم هو البقاء ضمن المعادلة المصرية والسعودية والإماراتية.. يكفي هذا التنميط السياسي لإعادة قراءة الواقع في خارطة الإقليم اليوم، ويكفي طبعاً لمحاولة فهم أسباب الاستجابة الأردنية للضغط المصري فجأة بتوقيف ومحاكمة المهندس بادي الرفايعة، بسبب مشاركته تغريدته الإلكترونية التي اعتبرت مسيئة للرئيس عبد الفتاح السياسي وتنطوي على إطالة لسان.

كلفة البقاء في المحور أقل من مغادرته أو معارضته

الأهم في مسألة رفايعة، وهو أحد ألمع وأنشط قادة الحركة الإسلامية في الواقع النقابي والسياسي والشعبي الأردني، أن إحالته بتهمة إطالة اللسان على السيسي هي رسالة تنطوي بدروها على تنميط سياسي من نوع جديد، فالرئيس المصري ينضم إلى ملك البحرين وولي عهد أبو ظبي وإلى الأمير محمد بن سلمان على الأرجح، وغيرهم من قادة الدول الشقيقة، باعتبارهم جميعاً من الخطوط الحمراء.
المستوى الأعمق في القرار السياسي الأردني يقول، بإحالة الرفايعة إلى المحكمة، بأن قواعد اللعبة القديمة لن تتغير، وبأن على النشطاء في الداخل الحذر من بوصلة الدولة ومصالحها التي لا تزال تعتبر الإساءة للزعماء من خطوط الأردن الحمراء، فهي غير مقبولة ولن يتم التسامح معها.
بالنسبة للأمين العام لحزب جبهة العمل المعارض، الشيخ مراد العضايلة، وكما فهمت «القدس العربي» منه مباشرة، فتوجيه تلك التهمة بهذا التوقيت لقيادي من حجم الرفايعة مسؤول عن البعد التمثيلي للانتخابات المقبلة هو خطوة لا تحتاج إلى قراءة في فهم مضمونها.
لكن بالنسبة للدولة العميقة التي قررت توجيه رسالة عبر إحالة الرفايعة إلى المحكمة من العبث قراءة الخطوة بدون سياق سياسي أو في سياق التنميط الانتخابي الكلاسيكي، لأن الرفايعة -بطبيعة الحال- خصم بارز للنظام المصري في نخبة المعارضة الأردنية، ولأن الدولة تريد أن تقول في الحملة الانتخابية بأن التحدث عن الزعماء ليس وقته، ولن يحظى بتسهيلات أو تسامح أو تغافل تحت يافطة الشعار الانتخابي.
ذلك تحذير شديد اللهجة ليس فقط للإخوان المسلمين في الأردن، ولكن لكل اللاعبين عشية الانتخابات الطازجة في البلاد، والتي سيكون الهجوم على قادة دول خليجية -على الأرجح- من موادها الأساسية بالنسبة للعبة وحملات الترشيح.
الأهم في تلك الرسالة أن عمان الرسمية تحاول ترسيم حدود المناكفة والمعارضة للإسلاميين ولغيرهم قبل الانتخابات. وعلى أساس أن النقد والمعارضة شيء، وتوريط مصالح المملكة عبر الإساءة إلى زعماء حصرياً شيء آخر. وبالتالي، الفرصة متاحة لمراقبة كل صغيرة وكبيرة على الشبكة، وللقول بأن الزعماء العرب وعلى رأسهم رموز التطبيع وتوقيع الاتفاقيات الإبراهيمية ليسوا ولن يكونوا مجالاً للنقد الصريح أو الإساءة في الحالة الإلكترونية الأردنية. ذلك كثير ويمس بالحريات العامة وحريات التعبير، برأي الشيخ العضايلة. وذلك كثير لأنه يعكس حجم الاسترسال في الأزمة القومية التي تعيشها الأمة اليوم وهي في أسوأ أيامها وعقودها، على حد تعبير وزير الإعلام الأسبق والمسيس راكان المجالي.
المنطوق الضمني في حسابات التعاطي مع الداخل الأردني يقول اليوم أن الفارق واضح بالنسبة لبوصلة السلطة ومصالحها العليا بين التعبير ضد سلسلة الاتفاقيات الإبراهيمية إياها وبين الإساءة لرموز تلك الدول التي تتطلب مصلحة الأردن البقاء معها في أقرب نقطة ممكنة، تجنباً للإحراج، وأيضاً لأن الأجهزة الأمنية في دول المحور السعودي المصري الإماراتي لا يزعجها تعبير مواطن أو هتاف بسيط هنا أو هناك بقدر ما تقلقها تعبيرات نخبوية ومعارضات لأقطاب في لعبة الداخل.
قراءة مسألة محاكمة الرفايعة لأنه أطال اللسان في الماضي على الرئيس السيسي خارج هذا السياق، لا تبدو حكيمة. والأردن وإن كان لا يتحمس لاتفاقيات السلام البحرينية والإماراتية، فهو ليس في صدد معاكستها أو معارضاتها، خصوصاً أن الاقتراب من تركيا صعب ومكلف ومعقد، كما أن أي مغازلة مع إيران مستحيلة
وبالتالي، تسود في عمان اليوم حالة تماهٍ مع الواقع باسم البقاء في المحور الإبراهيمي دبلوماسياً على الأقل أقل كلفة من العداء معه أو مواجهته، على أمل أن تتغير المعطيات والأحوال.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى