اراء و مقالات

احتجاز إسرائيل للنائب الأردني عماد العدوان: محاولات «احتواء» بأقل الخسائر وسط «بحر تعقيدات»

عمان – «القدس العربي»: مشهدان سياسيان يتكرران بامتياز في الأزمة الجديدة التي تترسم وببطء مع عمق في الجدار المتهاوي أصلاً للعلاقات الأردنية – الإسرائيلية. الأول يمثله تلك الصعوبة البالغة في “بناء رواية رسمية” أردنية صلبة مقنعة بعد أكثر من 48 ساعة على وقوع عملية الاحتجاز الإسرائيلية لأحد أعضاء البرلمان من ممثلي قبيلة كبيرة جداً في المملكة مقابل رواية إسرائيلية مفككة وتقفز بالقطعة بين المعلومات وفيها بوضوح غموض وتفاصيل مبهمة.
والمشهد الثاني تعبر عنه الصورة التي زحفت وتستقر عملياً الآن بعنوان موقف الشارع الأردني من أي عملية تتضمن “تهريب السلاح” إلى فلسطين المحتلة. مشهدان يثيران الكثير من النقاشات في المسار السياسي للأزمة المستجدة والتي تحمل اليوم اسم عضو البرلمان عماد العدوان، أحد الأعضاء الشباب والمتحركين في مجلس النواب والذي تم إلقاء القبض عليه من جهة الإسرائيليين أمس الأول في ظروف لا تزال غامضة وخالية من أي رواية رسمية لا أردنية ولا إسرائيلية متكاملة وصلبة ومقنعة. وسرعان ما تحولت قضية النائب عماد العدوان إلى قضية رأي عام تتدحرج في عمق الشارع الأردني ويتابعها ملايين الأردنيين والفلسطينيين وبشغف تجذب اهتمام تقنيات ووسائل الإعلام ومنصات التواصل.
والسبب في ذلك في الخلاصة والاختصار هو أن فكرة تهريب السلاح إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبصرف النظر عن خلفياتها ودوافعها وآلياتها، تحظى بحاضنة اجتماعية عريضة وسط الأردنيين، وينظر لها في سياق من البطولة بالنسبة للوجدان العام للشارع. وبالتالي، كل من يحاول تهريب قطعة سلاح إلى الأراضي المحتلة يحسب ضمناً على الخط المقاوم أو الخط المعاكس للسلام وللعلاقات الأردنية الإسرائيلية وعلى الخط المعاكس للتطبيع.

تدحرج الرواية الشعبية

وبالتالي، تدحرجت الرواية الشعبية باعتبار النائب الشاب عماد العدوان مثالاً للأردنيين الوطنيين الشرفاء الذين حتى وإن كان السبب في تهريب السلاح بدوافع تجارية بالنسبة لهم فهم في مستوى ومنظومة البطل المتخيل بالنسبة للوجدان الشعبي مع أن واقعة النائب العدوان قد تكشف عن مسارات وأبعاد أخرى. وسط مثل هذه الألغام في الذهنية العامة تحاول الإدارة الأردنية بدبلوماسية شديدة وبحذر أشد وواضح وملموس تجنب الرد على الادعاءات الإسرائيلية أو حتى على ما يقال من تسريبات ونظريات في الشارع الأردني على أمل التمكن من استعادة عضو في مجلس النواب ليس من السهل على الحكومة الأردنية أن تحتفظ به السلطات الإسرائيلية موقوفاً أو سجيناً. وليس من السهل على السلطات الأردنية التغاضي والسكوت عن إجراءات إسرائيلية بصرف النظر عن الخلفيات يخضع فيها عضو برلمان يتمتع بالحصانة الدستورية الأردنية، كما أكد للقدس العربي النائب البارز خليل عطية للتحقيق من قبل أجهزة أمن إسرائيلية وفي ظرف حساس تمر به المنطقة ويمر به الإقليم، لا بل تمر به أصلاً العلاقات الأردنية الإسرائيلية المأزومة تماماً.
لاحظ الجميع كيف تأخرت كالعادة الرواية الرسمية الأردنية، فنبأ توقيف واعتقال النائب العدوان وحجز سيارته كان نشطاً إعلامياً بامتياز طوال أكثر من 24 ساعة. لكن الرواية في الجانب الحكومي بقيت بدون سردية واضحة وبدون تعليق على مسار الأحداث، الأمر الذي يعكس في الواقع تعقيدات حول تلك الحادثة الغامضة التي قدمها الإعلام الرسمي الإسرائيلي بعنوان اكتشاف تهريب أسلحة وكميات من الذهب في سيارة برلماني أردني.
في كل حال، خلافاً للمعتاد في شفافية الصحافة الإسرائيلية قررت السلطات، فجأة، مساء الأحد وبعد الإعلان من جهة الجمارك في كيان الاحتلال حظر النشر المتعلق بتفاصيل ما حصل مع النائب العدوان فيما كانت قناة الجزيرة تعيد عرض بيان إسرائيلي متأخر يخالف في بعض السرديات والتفاصيل البيان الأول الذي أعلن مع كل مقتضيات ومتطلبات تسليط الضوء إعلامياً بما في ذلك صور فيديو عن تهريب أسلحة وكميات من الذهب في الوقت الذي قالت أو نقلت فيه الجزيرة عن السلطات الإسرائيلية في البيان الثاني الإشارة إلى مكان مجهول تم احتجاز سيارة النائب العدوان فيه. وإن العدوان كان مع شخصين آخرين في السيارة نفسها وإنهم جميعاً في عهدة التحقيق المختصة في جهاز الشاباك. وهي حيثيات لم ترد في الرواية الأولى حول نفس الحادثة.

أعاقة رواية رسمية أردنية

والمهم جداً أنه ثمة ما أعاق رواية رسمية أردنية مفصلة طوال يومي خلفيات التعاطي الإعلامي والشعبوي وأيضاً النخبوي الأردني مع هذه الحادثة وتداعياتها المتوقعة على أكثر من صعيد. وبدا لافتاً للنظر أن التعقيدات المفترضة نفسها منعت أيضاً رئيس مجلس النواب والناطق باسمه أحمد الصفدي من التعليق على مسار الأحداث في الوقت الذي تسارعت فيه التصريحات الحادة من قبل أعضاء في البرلمان الأردني ضد إسرائيل.
ومنها تصريحات تطالب الحكومة بالتحرك وفوراً للإفراج عن عضو البرلمان دون تحقيق وتصريحات في زوايا أخرى تحاول التذكير بموافقة الأردن على تسليم موظف في السفارة الإسرائيلية في الماضي في العاصمة عمان قتل مواطنين بدم بارد قبل تسليمه للجانب الإسرائيلي. هذه الحيثيات تثبت بأن المشهد معقد فعلاً، بل يغرق على حد تعبير سياسي أردني بارز في “بحر من التعقيدات”.
الظروف التي تم إلقاء القبض فيها على النائب الأردني ليست مفهومة وغامضة في الكثير من تفاصيلها، ومع غياب رواية أردنية مباشرة ثمة روايتان للجانب الإسرائيلي فيهما تفاصيل إلى حد ما مختلفة وأنباء ذات طابع استخباري توقعت بأن الحديث عن وجود كمية من الذهب إلى جانب كمية الأسلحة محاولة إسرائيلية مكشوفة لخداع الجميع وتضليلهم، لا بل الإساءة إلى محاولة النائب العدوان إسناد الشعب الفلسطيني.
وهو رأي تبناه بصورة علنية عضو البرلمان الأسبق طارق خوري عندما صرح بأن إسرائيل تكذب في موضوع الذهب وبأن القصد من الزج بالذهب هو تشويه سمعة الشعب الأردني وأعضاء البرلمان بمعنى الإيحاء بأن المسألة عبارة عن تهريب جنائي فقط لأغراض الكسب المالي. وهنا برز بوضوح أن الجانب الإسرائيلي لم يعرض ما قال إنه كمية ذهب وصلت إلى نحو 100 كيلوغرام تم ضبطها في سيارة النائب العدوان كما فعل مع أسلحة غامضة المصدر عرضها في شريط فيديو. وبالتالي، سأل الأردنيون بكثافة: حسناً، أين الذهب المشار إليه في البيان الإسرائيلي الأول؟

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى