اراء و مقالاتمقالات وآراء

رواية العودات لقصة ترشيحه رئيساً… نواب الأردن و«سردية» مضادة لـ«الامتثال» بعد مقايضة المعارضة بـ«المناكفة»

بدت وكأنها محاولة لقول شيء ما في مسألة الامتثال والخضوع لأي أجندات معلبة أو جاهزة. اعتراضان من عيار ثقيل تمكنا في النهاية من تسجيل موقف دون حسم نتيجة في أول جلسة مثيرة لبرلمان الأردن الجديد.
الاعتراض الأول أصر بواسطته النائب محمد عناد الفايز، على ترشيح نفسه لانتخابات رئاسة النواب، وعلناً قال الفايز إنه يريد إسقاط سيناريو التزكية لصالح صديقه وزميله عبد المنعم العودات. فعلها الفايز وترشح فعلاً، ولم يكن جدياً، ولا يسعى للفوز، لكنه حصل في النهاية على 26 صوتاً، فيما حصل رئيس البرلمان الجديد على 84 صوتاً.
ببساطة، يعني ذلك أن 46 نائباً في المجلس الجديد على الأقل خارج علبة التصويت للتزكية وللعودات أيضاً دون أن يقلص ذلك من فرصته، فهو أكثر رئيس فاز برئاسة النواب ومحسوب على الجيل الشاب والديناميكي في برنامج مسبق عملياً أعلن عنه العودات، ولأول مرة وعبر «القدس العربي» قبل أسبوعين من تلك المواجهة، عندما تحدث عن مأسسة العمل البرلماني وضبط سلوك الفرد النائب بما يحفظ هيبة المجلس.

«نشاغب هنا ونناور هناك»… رسالة 100 وجه جديد في أول «نصف ساعة»

كما تحدث عن وجوه جديدة ومحترمة في المجلس يمكن فعلاً أن يبدأ معها الاستثمار بالتغيير والإصلاح، معتبراً أن مركز القرار السيادي يلوح لذلك الإصلاح، كما لوح له الشارع في الانتخابات؟
تلك رواية العودات لأسباب ترشيحه. لكن رواية الـ 26 نائباً الذين صوتوا لخصمه الفايز تقدم سردية مختلفة لمسار الأحداث؛ فقاعة المجلس ليست مطلقة، وأي ترتيبات خارج القبة ليست مضمونة في المطلق، وثمة من يستطيع أن يناكف ويرفع الفيتو في وجه أي محاولة للمساس بهيبة النواب الجدد الذين يريدون وبكل اللهجات إعلان شعار «لسنا في جيب السلطة والحكومة».
الإشارة ليست ضد العودات شخصياً، لكن قد تكون وقد تظهر لاحقاً ضد محاولات امتداد الهندسة إلى ما بعد الانتخابات، وبطبيعة الحال حجم التفاضل العددي الذي صوت للفايز وأسقط خيار التزكية موجود، لكنه لا يشكل الأغلبية.
تقدم القطب المخضرم صالح العرموطي برسالة موازية عندما تعلق الأمر بانتخاب النائب الأول لرئيس المجلس، فقد ترشح في مواجهة أحمد الصفدي النائب الإسلامي موسى هنطش، وعندما حاول العودات وبقية النواب الضغط على الأخير، وضع مسألة ترشيحه بين يدي العرموطي، رئيس كتلته، فبرزت تلك الصيحة من العرموطي والتي تصر على ترشح هنطش في مواجهة الصفدي. ليست مفارقة أن تيار المناكفة هنا كان متقارباً عددياً، فقد حصل الصفدي على 86 صوتاً، وبالتالي حظي بالموقع، فيما حصل هنطش على 29 صوتاً.
ما تقوله هذه المناورات واضح، فغياب المعارضة بمنطقها الحزبي عن مجلس النواب الجديد قد لا يعني غياب تيارات المناكفة والاعتراض، والتي أظهرت فوراً «موجودية» لفتت نظر الإعلام والناس من أول نصف ساعة في الجلسة الشرعية الأولى للبرلمان الجديد.
ثمة في زاوية المشهد من يراهن على تيار المولاة والثقل العشائري لصالح اتجاهات ومشاريع وتشريعات الحكومة دوماً، لكن ثمة من يراهن في المقابل على استعراضات جناح المناكفة من النواب الجدد والقدامى، على الأقل، مما يمنح التجربة برمتها طعماً مختلفاً ونكهة أقرب إلى صيغة بعبارات سياسية ديمقراطية قد لا تعيق أي ترتيبات مستقبلية بين الحكومة والعودات، لكنها قد تشاغب هنا وتناور هناك تحت عنوان يقول بوضوح بأن البرلمان المنتخب ليس شرطاً أن يكون أو يبقى في جيب السلطة، ويمكنه معارضتها أحياناً.
لا أحد إزاء هذا التراسل والتفاعل يستطيع التكهن بهوية ومسار عملية استبدال هندسية غريبة جرت للمعارضة بالمناكفة، والسؤال المطروح بقوة مقدماً: بين المناكفة والمعارضة التقليدية.. ما كلفة هذه أو تلك؟ يبدو سؤالاً طرحته أمام الحكومة، باعتبارها تمثل السلطة في مواجهة برلماني منتخب، مناورات بعض النواب الجدد في النصف الأول من جلسة دستورية.
ويمكن توقع المزيد من الإثارة بالنتيجة مع مرور الأيام، والمزيد من التفاعل؛ فالملفات المطروحة عن البرلمان الجديد كبيرة وصاخبة، وبعضها مهم وحساس، حيث على المحك استعداد حكومة الرئيس الدكتور بشر الخصاونة لمعركة الثقة البرلمانية بحكومته، ثم استعداده لاحقاً لتمرير الموازنة المالية الجديدة.
معركتان بالطعم الاستعراضي المايكروفوني والخطابات الرنانة التي تخاطب الغرائز بتوقيت وظرف حساس ومعقد فيروسياً واقتصادياً. وأغلب التقدير أن الخصاونة سيعبر بالثقة وسيمرر الموازنة، لكنه لن يحصل على ذلك ببساطة؛ فخلافاً للمعارضة الحزبية المنهجية تتقلب أمزجة أسلحة المناكفة ما بين الابتزاز السياسي بأدواته الشرعية طبعاً، وما بين تصعيد أو تخفيض أي موقف.. هنا حصراً يمكن لحكومة الخصاونة أن تتوقع مسبقاً تدريباً حياً على «تعليب» الإرهاق استعداداً لموسم مزاودة من كل الأصناف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى