اراء و مقالات

بانوراما المقاعد الحزبية في الأردن: يقظة «التيار الإسلامي» وضعف «اليساري» وحيرة «الوسطي»

عمان- «القدس العربي»: مرة أخرى يمكن للأضواء السياسية بامتياز أن تتجه نحو الحالة التي يمثلها حزب جبهة العمل الإسلامي المعارض في الأردن وهو يجري تجهيزاته، سواء النظامية والتنظيمية أو اللوجستية والسياسية، بخطوات بطيئة لكن عميقة استعداداً للاستحقاق الانتخابي العام المقبل، الأمر الذي يظهر هذا الحزب المعارض ضمن ديناميكية مرنة للغاية تجعله أكثر تميزاً من غيره من الأحزاب الموجودة في التعاطي والاشتباك مع كل الاعتبارات والظروف.
وهذا ما يقر به عملياً نخبة من كبار المسؤولين، فقد سمعت “القدس العربي” عن هذه الجاهزية والقدرة على الالتزام عند التيار الإسلامي بالقوانين والتعاطي معها من خلال مفوضين في الهيئة المستقلة للانتخابات، فيما كان رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة ومن وقت مبكر، أول من حاول تخفيف التشنج الرسمي مع الإسلاميين، مشيراً إلى أنه مكون موجود في الخريطة السياسية الحزبية الأردنية.
في التفاصيل ثمة مفاجآت دوماً ما يظهر عليه المشهد الحزبي اليوم في الأردن بعد ترتيبات مشروع وثيقة تحديث المنظومة السياسية في البلاد، أن حزب جبهة العمل الإسلامي يحافظ على جملته التكتيكية بثبات وعمق، وإن كان ببطء دون الحديث أو التطرق للحديث عن فرصه سواء في الانتخابات المقبلة أو ضمن خريطة الأحزاب، لكن بالتأكيد حتى خصوم التيار الإسلامي وبعدما خف التشنج الرسمي تجاه الحزب وتجربته، يقرون بأن حزب جبهة العمل الإسلامي واحد من الأحزاب الخمسة الكبرى التي ستحظى بنصيب الأسد من قائمة المقاعد الحزبية التي أقرت بموجب تحديث المنظومة السياسية في البلاد.

قانون الأحزاب الجديد

قانون الأحزاب الجديد يشير إلى 40 مقعداً مضمونة إلى حد كبير بالنسبة للأحزاب السياسية، وعدد الأحزاب التي ستتنافس على هذه المقاعد هي 27 حزباً.
لكن تلك الأحزاب الـ 27 تمكنت من تصويب أوضاعها القانونية لدى سجل الأحزاب في الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات دون أن يعني ذلك، حتى في رأي الحزبي واليساري عضو مجلس الأعيان النشط جميل النمري، أن تلك الأحزاب لديها فرصة في الحصول على تلك المقاعد الأربعين والتي تشكل في تجربة أولى أو في البروفة الأولى ثلث مقاعد البرلمان الحالي.
تحدث النمري لـ”القدس العربي” مؤخراً عن صعوبة فهم ما يجري مع حزب الشراكة والإنقاذ، وأصر رئيس المستقلة للانتخابات موسى معايطة على أن انتخابات 2024 محطة في غاية الأهمية والحساسية أيضاً في مسار التحديث.
في المقابل، المفهوم أن أي حزب لا يتمكن من تصويب أوضاعه وفقاً للقانون الجديد لا يعني أنه سينافس على مقاعد البرلمان، فتلك مسائل مرتبطة بعدة اعتبارات قد يكون من أهمها القدرات التنظيمية والحصة الجماهيرية من الأصوات في الشارع، وقد يكون على رأسها أيضاً وجود تجربة سابقة في التعاطي والاشتباك الانتخابي، وهي تجربة من المرجح أن الإسلاميين يملكونها حتى أكثر من الأحزاب الوسطية الجديدة التي تعرض بعضها طوال الوقت لعملية تسمين قد تلحق الأضرار فيها إذا لم تُدَر البوصلة الانتخابية بمعايير متقدمة من النزاهة والشفافية ما دامت الانتخابات المقبلة هي أول محطة في برنامج تحديث المنظومة السياسية في البلاد.
الحصول على مقاعد شبه مضمونة أو حتى مجانية هو تعبير عن فرصة نادرة ضمن مسار تحديث المنظومة، لكن الحصول عليها من جهة الأحزاب يتطلب قدرة على المنافسة والاستقطاب بوجود طاقة تنظيمية وسط جماهير تصوت أو حتى تذهب لصناديق الاقتراع. والأهم من ذلك يدخل بالاعتبار العنصر المالي.

5 أحزاب يسارية

وهنا لم يعد سراً على الإطلاق أن الانطباع الأولى يشير إلى أن 5 أحزاب يسارية الطابع أو فيها عناصر قومية من الأحزاب التي تمكنت من تصويب أوضاعها، قد لا تملك فرصة حقيقية جماهيرياً للحصول على أكثر من مقعد واحد حتى إذا تحالفت فيما بينها.
وبين تلك الأحزاب حزب الشعب الديمقراطي والحزب الشيوعي الأردني وحزب الوحدة الشعبية وحزب البعث الاشتراكي العربي، وهي أحزاب يرى الخبراء أن عليها التحالف والعمل معاً وبقسوة حتى تحصل على مقعد أو مقعدين. ويبقى في المنافسة هنا على الحصة الأكبر من الأربعين مقعدًا 5 أحزاب يعتقد أن لها فرصة حقيقية، لكن يتفاوت عدد المقاعد في سياق اعتبارين:
الأول، القدرة على إقناع المواطنين بالذهاب إلى صناديق الاقتراع والتصويت لحزب دون غيره. والثاني، وقد يكون الأهم، هو مقدار الشفافية والنزاهة في إدارة العملية الانتخابية، لأن التزييف أو محاولة دعم مرشحين لحزب دون آخر في الانتخابات المقبلة عام 2024 يلحق ضرراً كبيراً بمشروع تحديث المنظومة السياسية الذي يحظى بالإرادة المرجعية.
عناصر التمويل والقدرة على الاستقطاب والحضور الجماهيري وإمكانية طرح برامج قابلة للتنفيذ هي من العناصر المؤثرة، والجاهزية حتى الآن لصالح حزب التيار الإسلامي. لكن أحزاباً وسطية كبيرة، من بينها إرادة والميثاق، قد يكون لها دور في التأثير بالمجريات الانتخابية، وكذلك حزبا الائتلاف الوطني والديمقراطي الاجتماعي باعتبارها أيضاً من الأحزاب الوسطية الكلاسيكية القريبة إلى حد ما من البوصلة الرسمية وتنضم إلى مستويات الحيرة.
وعليه، يمكن القول في الخلاصة، إن حجم ومستوى المنافسة قد يختلف عن بقية الاعتبارات، خصوصاً إذا ما دخلت الأحزاب الصغيرة في تحالفات ضمن قوائم مع أحزاب كبيرة، وأغلب التقدير أن أكثر من 14 حزباً من الأحزاب التي صوبت أوضاعها ليست في موقع تنظيمي أو جماهيري يؤهلها للمنافسة منفردة ولو على مقعد واحد. تلك بانوراما أولية، وسياسياً تعني نتائجها الكثير من المعطيات لاحقاً.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى