اراء و مقالات

كرة مجنونة: بين «النشمي» و«الفدائي»

فريق النشامى يمثل كل مكونات الشعب الأردني من الهداف حتى الفتى الذي يلم الكرات، إنها كرة قدم صحيح لكنها ليست مجرد لعبة رياضية

مجرد سؤال افتراضي للذباب الإلكتروني والطائفي والحاقد وأحيانا الموتور: ماهي ردة فعل الشارع الأردني المهووس أكثر الآن بكرة القدم لو صعد لنهائي كأس آسيا منتخب «الفدائي الفلسطيني» ثم هبطت طائرة الفريق في عمان بطريقها نحو جسر الملك حسين؟
أجزم بأن جماهير الأردن ستحيط بساحات وجنبات الطريق الدولي، وقد تحمل حافلة منتخب فلسطين على الأكتاف حتى تعبر إلى الأغوار، وتودعها بكل بهجة وسرور وإعجاب، فيما ستقرر مديرية الأمن العام كل ترتيبات أمنية ممكنة لحماية الفريق الشقيق أثناء العبور وحماية الجمهور الأردني أيضا.
لا يوجد ما يبرر الخوض في رهان وتحد لإثبات موجة التحشيد الشعبي التي ستبرز تلقائيا في عمق الجماهير الأردنية بكل مكوناتها الاجتماعية والعشائرية لو عبر «الفدائي الفلسطيني» بعد المباراة النهائية بين «النشامى» مع فارق بسيط فكل الهتافات على الأرصفة ستكون لفلسطين ولغزة وللمقاومة في الأثناء.
نقول ذلك ونحن نستغرب البحث الهوسي عن أي صيغة لانتقاد جماهير أردنية لأنها «احتفلت عفويا» بفريق منتخبها الذي حقق إنجازا رياضيا مشهودا حيث يليق الاحتفال بل يتوجب وبدون تلبيس الأمور ما لا يحتمل وتسييسها بطريقة فيها الكثير من المبالغات الجارحة.
أعلم مسبقا أن هذا السؤال سيجلب على رأس من يطرحه أطنانا من الاتهامات المعلبة وأجزم أن الهبة الشعبية التي ستبرز لاستقبال منتخب فلسطين مثلا ستتجاوز الاحتفال الشعبي بمنتخب النشامى مع أن الأخير يستحق.
في هذه الحالة سترفع أعلام فلسطين وستوجه تحايا للمقاومة ولأهل غزة وستتحول هذه المشاهد من استقبال منتخب شقيق على خاصرة وجدان الأردنيين في الجغرافيا وفي المشاعر وفي الوطنية إلى فعالية سياسية بامتياز.
عندها لن يتفلسف المتفلسفون ولن نشهد كل تلك «الدراما» التي تحاول بحجة «العدوان الإسرائيلي الهمجي» المزاودة على من وقف في الشوارع لتحية منتخب بلاده العائد بإنجاز.

فريق النشامى يمثل كل مكونات الشعب الأردني من الهداف حتى الفتى الذي يلم الكرات، إنها كرة قدم صحيح لكنها ليست مجرد لعبة رياضية

الاحتفال بمنتخب النشامى طبيعي وتلقائي وعفوي وإيجابي ولا علاقة له إطلاقا بتجاهل معاناة أهل فلسطين التي يمكن القول بدون مزاودات أنها تلامس فيزيائيا وليس عاطفيا أو سياسيا بيت كل أردني.
الشعب الأردني تصدر بقية الشعوب الصامتة في التضامن مع غزة والمزاودة عليه في مسألة جزئية تخص كرة القدم التي أصبحت بمثابة هوس كوني تعكس فعلا وحقا نوايا شريرة لا مبرر لها أو يمكن الاستغناء عنها.
وبالتالي لابد من نقاش تلك التحرشات والمناكفات والإساءات المبالغ فيها التي حاولت تحميل حالة بهجة شعبية أردنية أكثر مما تحتمل.
الأردنيون تحشدوا باستقبال فريقهم بعدما أشادت به كبريات وسائل الإعلام ومنابر الرياضة المتخصصة إعلاميا، وبعدما هنأ الجميع منتخب قطر الفائز الشقيق رغم كل الملاحظات على حكم المباراة.
أهلنا في الضفة الغربية رقصوا في الشوارع عندما تم تحرير الأشبال الأسرى من أولادنا وأولادهم، فيما كانت حمم القصف الإجرامي تحرق مستشفيات غزة… حتى المقاومة استفادت من تلك البهجة الوطنية ولم تعارضها.
الأردنيون في ملاعب قطر رقصوا مع الجالية الفلسطينية عندما سجل منتخب الفدائي هدفا وبعشرات الآلاف تحشدوا في الشارع استقبالا للنشامى وفي الأثناء كان آلاف غيرهم في ساحات موازية يواصلون التضامن مع المقاومة، وفي نفس التوقيت تماما كان الملك شخصيا يلتقي بايدن ويزور واشنطن ويطلق فيها مواقف يعرفها الجميع ضد العدوان وضرورة وقفه وفورا، فيما كان شعبه وأفراد عائلته يحتفلون في شوارع عمان.
لا مبرر لتسييس حالة تفاعل جماهيرية لها علاقة بالكرة البيضاء المجنونة التي خطفت قلوب وأفئدة شعوب كل العالم والشعب الأردني ليس استثناء ولا مبرر لاستنكار ممارسة طبيعية يحق لشعب أن يهتم بها.
نعم ومن الآخر وبوضوح يحق للأردني الاحتفال بالنشامى الذين حققوا إنجازا ولديهم أسباب ليسوا مضطرين لشرحها لجميع الأطراف.
تلك المقايضة المسعورة ليست نزيهة ولا تعكس الوقائع، والشعب لا يحتاج لتقديم براهين وأدلة على موقفه أو مشاعره تجاه العدوان بصرف النظر عن تكتيكات وحسابات الحكومة السياسية والتعبير عن الابتهاج الكروي ليس فكرة «مستوردة» أو «خاصية اجتماعية» أو حتى «مؤامرة» على المقاومة لأن «النشمي» يهتف ويغني لنهر الأردن بضفتيه بكل الأحوال.
لا نختلف على الدولة الأردنية بل معها ونعيد التأكيد بأن الأردن ينبغي أن يطور موقفه التشابكي مع العدو الإسرائيلي ونذكر بأن الهجوم على رفح يستهدف «السلط» وما حصل في مخيم جباليا يمكن أن يحصل لاحقا ـ إذا لم ننتبه ـ في جبال عمان لا سمح الله.
كنا وسنبقى بعد 7 أكتوبر نطالب الأردن الرسمي بالمزيد ونركز على أن المطلوب ليس التضامن مع الفلسطينيين فقط بل صحوة وطنية نظامية منهجية أردنية تعيد تعريف العدو من الصديق والشريك والحليف.
بالمناسبة فريق النشامى يمثل كل مكونات الشعب الأردني من الهداف حتى الفتى الذي يلم الكرات.
إنها كرة قدم صحيح، لكنها ليست مجرد لعبة رياضية والكرة الأرضية تعرف ذلك.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى