اراء و مقالات

الأردن ويمين إسرائيل: «المايكروفون» مع الصفدي فقط

عمان – «القدس العربي»: متى بصورة محددة ومفصلة يمكن للقوات العسكرية الأمريكية الموجودة في الأراضي الأردنية التصدي لأي مغامرة ضد البللاد يقترحها أو يقترفها اليمين الإسرائيلي المتطرف؟
هذا سؤال مطروح، لكن الحكومة الأردنية تتجنب الإجابة عنه وإن كان بعض القادة السياسيين يطرحونه في حنايا وزوايا المجالس والمهامسات، علماً بأن الصيغة الجديدة استنسخت في هذا المجال وتشكل تحدياً في الإجابة الرسمية مع تطورات وتدحرجات المشهد الفلسطيني ضمن ما سمّته ورشة عمل في البحر الميت، شاركت فيها “القدس العربي”، ولا تزال توصياتها في الأدراج بسيناريو الانهيار في فلسطين المحتلة.
الصيغة المستجدة تتجاهل “متى” ثم تستفسر: هل القوات الأمريكية وقواعدها الدائمة في الأردن، التي كلفت مليارات الدولارات، سوف تتصدى فعلاً لحماية الأردن إذا ما قرر اليمين الإسرائيلي ضم الأغوار مثلاً أو التأسيس مجدداً لهواجس الترانسفير؟

لا إجابة واضحة

وتلك هي المشكلة في رأي السياسي الأردني العريق طاهر المصري، الذي أعاد مؤخراً بمعية “القدس العربي” بعد مقال نشره متحدثاً عن السيولة الاستراتيجية في المنطقة، التحذير من إنكار المخاطر التي لم يعد من الممكن إنكارها اليوم، الأمر الذي يمكنه أن يجمع الشعبين الأردني والفلسطيني معاً فوق أعلى شجرة ما. والمصري من الأصوات المصرة على أن مشروعات اليمين الإسرائيلي العلنية والعملية خطرة جداً على مصالح الأردن، ومن الأصوات التي تكرر التحذير من إنكار هذه المخاطر.
لكن الإشارات هنا وهناك إلى واحدة من المكاسب الاستراتيجية الناتجة عن وجود القوات الأمريكية في الأراضي الأردنية تزيد جرعتها، خصوصاً وسط المسؤولين والبيروقراطيين الأردنيين الذين يتعاملون مع تحديات المشهد الفلسطيني والإسرائيلي وكأنه “عرس عند الجيران”.
أحد الساسة المحنكين استغرب، أمام “القدس العربي” في جلسة مغلقة، حالة الاسترخاء التي دخلت فيها نخب المؤسسات الرسمية الأردنية أثناء الاشتباك والتعاطي مع مستجدات المشهد الفلسطيني وعدائيات اليمين الإسرائيلية التي لا تتوقف، ولم يكن آخرها مجدداً ترويج تلك الخارطة وسط المستوطنين التي تعتبر الأردن جزءاً من إسرائيل الكبرى الموهومة.
يسأل السياسي المشار إليه: استرخاء عجيب… بسبب الثقة أم رهان على المساندة الأمريكية الخلفية، أم تعبير عن العجز في المواجهة؟
تلك احتمالات قد تنطوي على مبالغات؛ لأن صمت وهدوء الدولة الأردنية قد يكون ناتجاً عن قدرتها على الصبر وخبرتها في إسرائيل، وتلك الإشارات التي تؤكد أن عبث حكومة اليمين الإسرائيلي مع دولة مثل الأردن مكلف جداً للإسرائيليين.
وهي قناعة عبر عنها وزير الإعلام الأسبق الدكتور محمد المومني، ثلاث مرات على الأقل في مناولات مع “القدس العربي” وغيرها تحاول تتبع وتفهم تحرشات اليمين الإسرائيلي. وفي حين قدر مبكراً خبير اقتصادي ومتابع مثل الدكتور أنور الخفش، بأن الجرعة الاستراتيجية في العلاقة الأردنية الأمريكية ذهبت مؤخراً لاتجاهات صلبة وقوية تردع بهلوانيات اليمين الإسرائيلي، يرى آخرون بأن الضرورة تلح للتذكير بأن القوات الأمريكية في الشرق الأوسط ومنذ نصف قرن لم تردع الذراع العسكرية الإسرائيلية وحكومات اليمين يوماً ما عن ارتكاب أي حماقة.
في نقاش مباشر، حاول السياسي الخبير ممدوح العبادي التذكير بأن كل اعتداءات إسرائيل على الشعوب العربية وأنظمتها كانت برعاية ومظلة وزارة الدفاع الأمريكية، وبأن الرهان على قوات عسكرية أمريكية تجازف بمصالح إسرائيل من أجل الأردن إنما هي فكرة عبثية لا معنى لها؛ لأن التاريخ والوقائع تبلغ الجميع بمسار ملموس من الانحياز لإسرائيل في عمق كيانات المؤسسات العميقة الأمريكية. ويعتبر العبادي أن الرهان هنا وهم خطر، وأن وجود قوات عسكرية في الأردن له أهداف سياسية متعددة إقليمياً، من بينها حماية إسرائيل في الواقع وليس حماية الأردن، من مشاريع اليمين الإسرائيلي. ويبرز كل هذا النقاش في محاولة لابتلاع تدحرجات تحديات اليمين الإسرائيلي وفهمها ثم هضمها بأي كلفة بعدما تحولت مخاطر ما يفعله الإسرائيليون اليوم في الضفة الغربية المحتلة إلى هواجس تعيد العزف على وتر كل المخاطر الأردنية الكبرى، ابتداء من تقويض الوصاية في القدس، مروراً بضم الأغوار ولعبة الحدود، وانتهاء بفيزياء الترانسفير التي ورد القلق منها بعد أحداث مخيم جنين مؤخراً، في رسالة علنية وقعها عدد لا يستهان به من “ذوات” المؤسسات الأردنية الرسمية، وخصوصاً مجلسي الأعيان والنواب. بالتزامن اللافت، لا ترصد أي رواية حكومية علنية أم غير علنية في مسألة مخاطر اليمين الإسرائيلي والرد عليه، ولا أحد يفهم التجليات التنفيذية والحكومية في مواجهة اللاءات المرجعية المعروفة في ملف الصراع.

ملاحظة لا يقتنصها إلا الخبراء

وفي الأثناء، ثمة ملاحظة لا يقتنصها إلا الخبراء الذين يحتفظون بقدر من الخبث؛ فماكينة التصريحات الأردنية والحراكات في ملفي إسرائيل وفلسطين المحتلة لا تشتغل، ومسؤول واحد فقط وحصراً يتحدث ويتجول بين العواصم للتعبير عن الأخطار باللسان الأردني، وهو وزير الخارجية أيمن الصفدي، فيما الجميع يركب موجة الجلوس باستمتاع وترقب فوق شجرة اليمين الإسرائيلي.
الصفدي وحده دون غيره يتحدث باسم الدولة الفلسطينية في ملف عميق وأساسي وجوهري يفترض أن يشمل جميع النخب والأدوات في كل الدوائر الرسمية، وهي صيغة قد تعني الكثير من الإشارات في حال الاسترسال في تحليلها، فرئاسة الوزراء لا تتحدث مع الأردنيين في القضية الأساسية التي تشغلهم، والأطقم الاستشارية في المؤسسات السيادية خارج التغطية في نفس المساحة، ومجلس النواب عملياً لا يحاور ولا يناور ولا يبادر، ومعه مجلس الأعيان على الرغم من مبادرات فردية هنا وهناك.
ووجود الوزير الصفدي في مساحة الحراك المختصة هنا قد تكون إشارة إلى أن الأردن في الهاجس الإسرائيلي تحديداً ينتظر ويترقب شيئاً ما. لكنها قد تكون إشارة ما إلى أن عمان في الاختصاص إن كانت بالغرفة أصلاً فهي لا تجلس على الطاولة بانتظار تدحرج الأمور باتجاهات غير معلومة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى