اراء و مقالاتمقالات وآراء

شاورما الأردن “المسمومة”: المخيم يحتوي المصاب ومنظومة “رقابة” تحتاج مراجعة شاملة

 

 يؤسس أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في العاصمة الأردنية عمان لمفارقة سياسية يحاول ركوب موجتها بعض البسطاء في التحليل والتشخيص وهو يحتوي بكفاءة الموجة الأولى من تأثيرات حادثة التسمم الجماعي الشهيرة التي دفعت الأردن لمراجعة شاملة تخص منظومة الرقابة على الغذاء تحديدا.

 تلك المراجعة الشاملة تشكلت خلايا وزارية وخبيرة لمتابعتها، خصوصا بعد ما تبين بأن الطاقم الحكومي الذي يشرف الآن على الصحة العامة للغذاء والدواء غابت عنه العديد من الخبرات البيروقراطية وتورط فنيا في الارتجال والعشوائية في بعض التفاصيل.

 تدفع شحنة الدجاج الفاسد والتي قالت السلطات إنها ملوثة مستويات الجدل والتجاذب إلى أقصاها بعد غرق جميع المسؤولين طوال الأسبوع الماضي بمستويات غير مسبوقة من التلاوم وظهور تدرج بالارتباك عندما يتعلق الأمر بتتبع فعالية منظومة الرقابة على الغذاء تحديدا. وهي منظومة تبدأ من عند المورد والمستورد والصانع وتنتقل إلى التاجر ثم المستهلك.

 ويصر رئيس غرفة تجارة العاصمة عمان خليل الحاج توفيق على أن حماية المستهلك بصورة مباشرة وأكيدة ينبغي أن تكون الهدف الأساسي لفعاليات تلك المنظومة.

ويعيد الحاج توفيق بعد نقاش مع “القدس العربي” التأكيد على الحاجة الملحة لمراجعة الكثير من الإجراءات، مشيرا إلى أن حماية التاجر الملتزم بالقانون ثم حماية المستهلك محطات وخطوات أصبح من الصعب الاستمرار في الاستهانة بها إذا كانت الحكومة معنية فعلا وحقا بالأمن الغذائي.

وفي الوقت الذي تسلطت فيه الأضواء على شحنة دجاج اوكرانية  قال اتحاد مزارعي الدواجن انها مخالفة للقوانين وأدخلت للبلاد بصورة غامضة، برز فيه إصرار رئيس تجار عمان الحاج توفيق على ان شحنة الدجاج التي اتلفت رسميا بعد الاشتباك مع تفاصيل التسمم الغذائي الأخير صادرة عن مصنع محلي وليس لها علاقة بالدجاج الأجنبي، مؤكدا في تفاعل إعلامي مرتين على الأقل بنفس الأسبوع بأن التاجر المستورد الأردني خاضع تماما لكل منظومة الإجراءات القانونية وحريص على سلامة الغذاء وصحة المواطن.

في الأثناء تتسرب تلك الوثيقة التي تظهر بأن شحنة الدجاج الاوكرانية المثيرة للجدل حظيت بالموافقة على الدخول إلى البلاد من وزارتي الصناعة والزراعة والتجارة. وحصل ذلك مع أن وزير الزراعة صالح الخرابشة طلب من هيئة مكافحة الفساد بمذكرة رسمية التحقيق بمزاعم اتحاد مربي الدواجن  حول دخول كمية دجاج ملوثة بصورة غير شرعية.

 في الأثناء أيضا شكل رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز لجنة وزارية محايدة للتحقيق وأمر بأن تعمل لأسبوعين وتقدم له تقريرا مفصلا فيما اعتبرت الخطوة غير قانونية لأن سلطات النيابة القضائية تحقق أصلا في الملف حيث لا يجوز التحقيق الإداري في قضية منظورة لدى القضاء وفقا لما أعلنه الرئيس السابق لديوان التشريع الدكتور نوفان العجارمة.

 في كل حال منظومة الرقابة على الغذاء المعقدة أصبحت تحت الأنظار بعد الإعلان رسميا عن وفاتين وأكثر من 1000 إصابة بحادثي تسمم نتجا على الأرجح عن وجبات شاورما اصيبت بنمو بكتيري جراء سوء النقل والتخزين بصرف النظر عن جنسية وهوية الدجاج المستعمل. وألحقت حادثتي التسمم هنا خسائر مادية كبيرة بقطاعات تجارية وصناعية لها علاقة باللحوم البيضاء سواء كانت منتجة محليا أو مستوردة، وخسائر أكبر في صفوف المئات من محلات الشاورما الشعبية الرائجة وهو أمر نتج عن التسرع في بناء استنتاجات وعن ضعف ملموس في جبهة الرقابة على الغذاء صحيا. ونتج كذلك عن تعددية تشكيل اللجان للتحقق وعن نمو ظاهرة التلاوم البيروقراطي داخل حكومة الرزاز.

 لكن المحطة الاجتماعية السياسية الأهم التي برزت في سياق الجدل كان لها علاقة بمخيم اللاجئين الذي احتوى تداعيات المسألة وأثار احترام جميع الأطراف في الدولة والمجتمع وبالرغم من نحو أكثر من 1000 إصابة وحصول وفاتين تعاملت ميكانزيمات مخيم البقعة الشهير مع تداعيات حادثتي التسمم بهدوء وعقلانية ورشد وبدون ضجيج أو حتى تسييس.

تلك كانت علامة فارقة بالتأكيد تظهر الميل للمسؤولية الوطنية وعدم التوظيف والاستغلال عند أحد المكونات الأساسية في المجتمع الأردني.

 لكن الإصرار على إظهار هذا الجزء من المشهد الوطني قد ينطوي على محاول تجويف وتحطيب سياسية ليس فقط لأن المكونات المخيمات الأردنية تتصرف بوعي بمسؤولية طوال الوقت ولكن أيضا لأن من اشترى وباع وأكل وتسمم هم جميعا أصلا من أبناء المخيم خصوصا بعدما تسببت مغامرة أحد المطاعم بتخفيض سعر الشاورما بإصابة 850 مواطنا.

 المهم أيضا ان وزارة الصحة تصرفت واستوعبت المصابين بكفاءة وأن الأجهزة الأمنية تعاملت مع التداعيات بخبرة.

 بمعنى آخر نجح الشارع الأردني باحتواء قصة الشاورما رغم انه المتضرر منها، فيما بدا علية وكبار القوم في السلطة والحكومة بالتلاوم وتبادل الاتهامات في الوقت الذي أظهرت فيه قضية الشاورما والدجاج الحاجة الملحة حقا لمراجعة مجمل منظومة الرقابة على الغذاء.

والحاجة الملحة أيضا للحد من الغرور الوزاري والبيروقراطي على الأقل للطاقم الذي يدير الأمور حاليا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى