اراء و مقالات

عمان: وثيقة «المنظومة» ترنحت قليلاً بعد هجمة «تعديلات» سيادية خاطفة وغامضة

«وداعاً لدستور 1952»… عبارة «تخيف الأردنيين»

عمان- «القدس العربي»: صحيح أن حديث رئيس مجلس النواب الأردني الجديد عبد الكريم الدغمي، عن مرحلة الاشتباك الإيجابي قد ينطوي على رسائل بعنوان تبريد جبهات نخبوية قلقة ولها علاقة بخصوماته وتحرشاته العنيدة في الماضي. لكن صحيح أيضاً أن الدغمي يجتهد منذ أيام لاستعادة دور مجلس النواب وبناء قواعد لعب جديدة في عملية بناء تصور جديد.
لاحظت صحيفة «عمون» الإلكترونية بأن الدغمي استعمل عبارة «الاشتباك الإيجابي» في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، مع أنه أحد أبرز خصوم الاشتباك الإيجابي ومبادرته الشهيرة في الماضي القريب. لكن أوساطاً موازية لاحظت أيضاً أن الدغمي يتحدث اليوم عن «نبذ الخلافات» والتركيز على المصلحة العامة، وإن كان ليبراليون ودعاة تغيير وإصلاح سياسي بارزون ومؤثرون لا يزالون في الاعتقاد بأن عودة الدغمي لمنصة رئاسة النواب قد لا تكون خطوة لمصلحة منطوق تحديث الدولة ومنظوماتها.

«وداعاً لدستور 1952»… عبارة «تخيف الأردنيين»

تلك في كل حال لغة خطابية تبدو لائقة بمنصة رئاسة مجلس النواب في مرحلة صعبة ومعقدة حتى وإن اختلفت عن تلك الأدبيات والنصيات المألوفة والمنقولة التي يعرفها الجميع عن الدغمي عندما كان تحت قبة البرلمان مشاكساً في بعض الاتجاهات، لا بل معارضاً جذرياً وعميقاً ومشاغباً في المسار التشريعي في اتجاهات أخرى. واضح سياسياً أن الدغمي تمكن أثناء المفاوضات المتعلقة بعودته رئيساً لمجلس النواب، من التفاعل مع تصور استراتيجي لخطط الدولة وأولوياتها في المرحلة اللاحقة.
والأوضح أنه استمع لتقييم في بعض غرف وزوايا القرار حول التحديات والأولويات، خصوصاً أن وزارة الصحة أعلنت رسمياً ظهر الأحد عن دخول البلاد في موجة كورونا ثالثة، وهي موجة يعتقد اليوم بأنها قد تؤدي إلى تداعيات متنوعة ليس في المجال الصحي، وإن كان في المجال السياسي أيضاً، لا بل الأهم في المجال الاقتصادي.
الإيحاء بمقارنات التحليل هنا أن البلاد بشأن الملف السياسي تحديداً تدخل أيضاً في «موجة ثالثة» لكنها موجة يعتريها كثير من «التشويش» وسط حالة الترقب التي تقلق المجتمع والسلطات والمؤسسات، فيما مجلس النواب بصدد استحقاقات في غاية الأهمية خلال الأيام والأسابيع القليلة المقبلة، ويفترض أن تبدأ هذه الاستحقاقات في الجزء التشريعي منها صباح الاثنين، بأول جلسة في ظل رئاسة الدغمي، وأول جلسة بعد انعقاد الدورة العادية الجديدة للبرلمان، حيث على المحك وثيقة مخرجات تحديث منظومة الدولة.
وعلى المحك تعديلات دستورية مهمة تثير الجدل مسبقاً، ومن المرجح أن حديث الدغمي عن تجاوز الخلافات ذات البعد الشخصي وحتى السياسي لصالح منظور جديد للمصلحة العامة، له علاقة بما يرصده مسبقاً ويتوقعه من تجاذبات مرتبطة بتعديلات دستورية مثيرة ومهمة يبدو أنها ألحقت في اللحظة الأخيرة لوثيقة تحديث منظومة الدولة السياسية.
وهي تعديلات لا أحد يعرف بعد خلفيتها السياسية، وتبنتها الحكومة وأرسلتها لمجلس النواب دون تقديم شروحات حولها للرأي العام أو للشارع، أو حتى للنواب أنفسهم خلافاً لأنها -برأي قانوني- تقدم بها الناشط والمحامي عمر العطعوط، ولفت الأنظار إلى تعديلات من طراز يتعاكس مع مبادئ الدستور الأساسية، بما يوحي بعبارة «وداعاً لدستور 1952».
وقد عبر القطب البرلماني صالح العرموطي، مبكراً، عن حجم الارتباك في أوصال النواب بعد تحويل تلك التعديلات الدستورية التي وصفها بأنها خطيرة وتؤسس لمخاطر، وقد تؤدي إلى إيذاء مؤسسة العرش وليست في مصلحة القصر تحديداً، وفقاً للصيغة التي استخدمها في التحذير من هذه التعديلات النائب المعارض صالح العرموطي.
طبعاً تلك التعديلات الدستورية تتحدث عن تشكيل مجلس جديد للأمن الوطني وعن سحب صلاحية تنسيب رئيس الوزراء لبعض الوظائف العليا، خصوصاً في الجهاز القضائي وجهاز الإفتاء الديني، بالإضافة إلى تفويض من مجلس الأمن الوطني الجديد بعيداً عن الحكومة بالقضايا المتعلقة بمختلف أصنافها وأيضاً بالسياسة الخارجية. وهي تصورات جديدة فاجأت جميع الأطراف ولم تشرح كما يرى مراقبون وخبراء، فيما تعبر عن الرغبة في نزع صلاحيات السلطة التنفيذية حسب العرموطي وغيره من الناقدين، خلافاً لأنها سحبت الأضواء مبكراً من نصوص وثيقة مخرجات تحديث المنظومة السياسية.
ويتوقع أن يدير الدغمي عبر منصة رئاسة مجلس النواب، التجاذبات والنقاشات الحادة حول تلك التعديلات الدستورية غامضة الأهداف حتى الآن، التي ولدت في الوقت الذي تتجه فيه جميع الأنظار إلى وثيقة تحديث منظومة الدولة السياسية، لا بل يشار الآن إلى تلك التعديلات الدستورية باعتبارها قد خطفت الأضواء بعملية منهجية من وثيقة تحديث المنظومة السياسية وبشكل قد يوحي بـ»انتكاسة ما» على صعيد أهمية معطيات تحديث المنظومة أو ترنحها على الأقل.
ويبدو هنا عموماً لكل الأطراف الخبيرة والمختصة بأن الذهاب نحو استحقاقات دستورية وتشريعية في ملفات مهمة من بينها أمن الدولة وصلاحيات مجلس الوزراء وقانونا الانتخاب والأحزاب، في توقيت سياسي إقليمي حرج وفي ظل تسارع ملحوظ في التحديات الاقتصادية وصحية الطابع، هو ذهاب قد يعقبه أيضاً تلك الملاسنات والتجاذبات والنقاشات المرتبطة بخيارات البوصلة الوطنية المصلحية في البعد الإقليمي تحديداً.
وقبل مضي السنوات الثلاث، لا قبل مضي عامين، يعتقد أن دوائر ومراكز صنع القرار في الأردن مهتمة جداً بهما، ويشكلان ما تبقى عملياً ورسمياً من إدارة سقف زمني مرتبط بالرئيس الأمريكي جو بايدن، وعلى أساس القناعة بضرورة التقدم بنموذج جديد للحالة الأردنية عموماً، قبل انتهاء فترة التحالف العالمي والتعاطف والمساندة الكبيرة بين الأردن والإدارة الحالية في البيت الأبيض. ويعني ذلك أن التسريع بتعديلات تشريعية ودستورية في الأردن مؤسس الآن على استراتيجية الاشتباك الإيجابي في المقابل مع المرحلة التي تنظر لها اليوم الإدارة الأمريكية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى