اراء و مقالات

قاعدة «التنف» الأمريكية في «الخاصرة الأردنية» بعد الرمادي ـ القائم: من وجه الرسالة ولماذا؟

عمان ـ «القدس العربي»: عملياً يتحقق المحظور بمعناه الأمني- السياسي الأردني. يركز وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي طوال الوقت على ضرورة اتخاذ الخطوات التي «تضمن فعلاً» تحقيق هدف المجتمع الدولي بـ «منع توسع الصراع» إقليمياً.
عندما تحدثت «القدس العربي» مع الصفدي كان واضحاً أن أولى تلك الخطوات الضرورية «وقف العدوان الإسرائيلي» باعتباره المبرر الأوفر حظاً لـ «توسيع النطاق».
خلف الستارة سأل الصفدي مسؤولين أوروبيين: «كيف يمكن منع امتداد الصراع في سوريا ولبنان واليمن ولاحقاً العراق، بدون وضع حد للمذبحة في غزة؟».
تردد صخب سؤال أردني آخر في وجبه جوريب بوريل مسؤول خارجية الدول الأوروبية:» كم تفترضون يجب أن يموت من أهل غزة حتى تذهبوا في اتجاه وقف النار؟».
بصرف النظر عن إجابات المسؤولين الغربيين «المنافقة» على الأسئلة الأردنية، يمكن ببساطة القول إن انشغال البنتاغون والبيت الأبيض مساء الأحد وحتى فجر الإثنين بعملية «قاعدة التنف» على خاصرة الحدود الأردنية ـ السورية وفي عمق الصحراء، يقدم دليلاً عملياً على «مخاوف الأردن».

رسالة دموية قوية

بسرعة وبعد الإعلان عن «هجوم فعال وناجح وغامض» انتهى بمقتل 3 عسكريين أمريكيين، تحرك الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية الدكتور مهند مبيضين في كل اتجاهات الإعلام المحلي.. «قاعدة التنف العسكرية الأمريكية ليست داخل الأراضي الأردنية».
لاحظ الوزير المبيضين مبكراً أن وسائل الإعلام الدولية استعملت العبارة التالية: «هجوم بمسيرة على قاعدة عسكرية أمريكية في الأردن». التقط الوزير الأردني الرسالة مبكراً، فتلك عبارة حمالة أوجه وتثير جدلاً حتى وسط الأردنيين، والتنف قاعدة عسكرية أمريكية في عمق الساتر الحدودي بين الأردن وسوريا، وفيزيائياً لا تقع في أراضي السيادة الأردنية.
الذراع الإعلامي الرسمي الأردني بدا مهتماً جداً طوال الاثنين بالتأكيد على أن القاعدة المستهدفة ليست في الأراضي الأردنية، لكن الاستهداف نفسه «يلحق الساحة الأردنية» شاءت عمان أم أبت في تلك المناقشات الخطرة والحساسة حول «وضع القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة» بعد الغطاء الأمريكي للعدوان الإسرائيلي.
الهجوم الذي تمكنت بموجبه طائرة مسيرة من التسلل وتوجيه الضربة متجاوزة بصيغة غامضة حتى الآن محطات الدفاع الجوي الأمريكية، وقع على «خاصرة الحدود».
صحيح أن «التنف» من حيث الجغرافيا ليست في الأراضي الأردنية، لكنها على خاصرة شمالي الأردن، وهي قاعدة «متفق عليها» وضخمة ومجهزة لوجستياً بأحدث التقنيات، وأقيمت حصراً قبل سنوات لهدف مركزي واستراتيجي واضح ومحدد توافقت عليه واشنطن وعمان، وهو «منع قوات الحرس الثوري الإيراني» والمجموعات الحليفة لها من التحكم بممر صحراوي وعر وحيوي يربط الأردن بالعراق وسوريا، ويطل على السعودية أيضاً.
لذا، الضربة صعبة ورسالتها ضخمة، مع أن القيادة الوسطى الأمريكية كانت تفترض طوال الوقت بأن مسرح عمليات المسيرات ضد قواعدها العسكرية في الإقليم سيبقى محصوراً شمالي سوريا والعراق، ومن الصعب وصوله إلى «صحراء التنف».
يرى سياسيون أردنيون أن «ضربة لقاعدة التنف» رسالة «دموية قوية» للأمريكيين وقواتهم في المنطقة لا تقل خطورة عن ما يفعله الحوثيون على سواحل البحر الأحمر.

إغضاب العملاق

وعليه، سرعان ما توسع السؤال صباح الاثنين بين الساسة الأردنيين: ما الجهة التي لها مصلحها بإغضاب العملاق الأمريكي وجره لمستنقع الصراع الإقليمي إلى هذا الحد؟ المقصود «خدش العملاق» في قاعدة عسكرية حصينة تدخل واجباتها في سياق الأمن السياسي ولا علاقة لها بالملف الإسرائيلي.
سؤال مهم لكن الإجابة عليه الآن غير متوفرة أردنياً على الأقل، وما يمكن رصده من الزاوية الأردنية دوماً هو أن طرفاً وحيداً في المنطقة يستفيد من «توسيع نطاق العمليات العسكرية» في المثلث الإقليمي، وهو «يمين إسرائيل».
قال الأمريكيون فوراً في غرفة التنسيق مع الأردنيين، إن توجيه مسيرة لقصف التنف خطوة تصعيدية كبيرة لا يمكن إنفاذها بدون ضوء أخضر إيراني.
ورد أردنيون خبراء بالإشارة إلى أن بعض المعطيات في العراق وسوريا واليمن، تفيد بأن الحرس الثوري بدأ يتصرف بعيداً عن الدولة المركزية في إيران، وأن القوى الحليفة لحزب الله اللبناني تخطط للضغط أكثر حتى يوقف الأمريكيون العدوان الإسرائيلي في غزة.
واشنطن لا تريد شراء «المعلومات الأردنية» لكن تحرك وزير الاتصال السريع يظهر اهتماماً سريعاً وفعالاً من عمان باحتواء الروايات الإعلامية التي تخدم فكرة «توريط الأمريكيين أكثر عسكرياً» الأمر الذي يخدم أجندة بنيامين نتنياهو.

الرد الأمريكي؟!

رغم ذلك، وفي الخلاصة، الهجوم على قاعدة التنف يدفع بالأردن مجدداً إلى بؤرة الأحداث رغم اجتهاد مؤسساته بأن لا يحصل ذلك، فالهجوم إن لم يكن في الأراضي الأردنية فهو على خاصرة الحدود مع سوريا، وقبل أيام فقط قصف الأمريكيون مقراً في المنطقة الغربية بالعراق بمحاذاة الحدود مع الأردن، والاعتقاد سريع بأن «جهة ما تضررت» من القصف في منطقتي الرمادي والقائم ردت على الأمريكيين في «التنف».
ما يهم الأردني أن توسع هذه الفوضى في خاصرتي الحدود مع سوريا والعراق تقلق الأموات قبل الأحياء، وتعني أن استراتيجية «منع توسع نطاق التصعيد العسكري» في المنطقة تخرج عن سكتها، وعمان بكل الأحوال لا تستمتع بأي نبأ صحافي أو بيان يشير إلى قوات أجنبية في المملكة، لأن القوات الأمريكية يفترض أنها ـ باستثناء قاعدة التنف ـ أقرب إلى تجمعات تدريبية وأمنية مشتركة.
الرد الأمريكي على ما حصل في التنف قد يتفعل في العراق وسوريا معاً، ومن سوء حظ عمان أنها جغرافيا وسط هذه التقاطعات، وإن كان السياسي المخضرم الدكتور جواد العناني قال لـ «القدس العربي» الأسبوع الماضي، إن «المسائل تتدحرج بسرعة، والمشاريع والسيناريوهات تتزاحم، والأردن الفهيم هو المنتبه».

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى