اراء و مقالات

الأردن: مخاوف من «انكماش السقف» مجدداً

أزمة «مقال» أم «استقالات» من «لجنة الإصلاح»؟

عمان – «القدس العربي» : الحملة الشرسة التي طالت عضو لجنة الحوار الوطني الأردنية الصحافي عريب الرنتاوي، في جزء حيوي منها قد تنطوي على رسالة باطنية لا علاقة لها بالرنتاوي نفسه ولا بالمقال الذي نشره عن معركة الكرامة، بقدر ما لها علاقة برسالة خشنة هذه المرة إلى اللجنة نفسها وفي بعض التفاصيل إلى رئيسها سمير الرفاعي.
وإلى حد ما نسبياً، وثالثاً، إلى مشروع البحث اللفظي مجدداً في الإصلاح. ثمة جوانب لا يمكن إغفالها من الأزمة التي تفرعت بعد مقال أثار الجدل. في زمن لجنة الإصلاح، أصبح من الصعب إخفاء تلك الجوانب ولو على أساس الإدراك المسبق بالحاجة الملحة إلى إصلاح جذري وحقيقي وعميق هذه المرة ضمن مقاربة تتعامل مع الواقع والحقيقة كما هما، على حد تعبير عضو اللجنة ونقيب المهندسين أحمد سمارة الزعبي.
الزعبي كان قد بدأ حالة العصف الذهني مع المؤسسات المرجعية تحت عنوان ضرورة الانتقال إلى السؤال الأردني القديم: من نحن؟

أزمة «مقال» أم «استقالات» من «لجنة الإصلاح»؟

في أزمة مقال الرنتاوي مشروع إجابة على سؤال عريض وكبير وضخم ومؤرق قد لا تكون له علاقة حصراً بـ»خطأ في التقدير» أو بعبارة جارحة وردت في توقيت سيئ جداً بمقال لصحافي كبير، بقدر ما له علاقة بمستوى الإنفعال الذي يطال الأردنيين جميعاً ويشحنهم بالعواطف السلبية لسبب رئيسي، يقدر الزعبي وغيره بأن له علاقة بسياسات تفريغ المحتوي الوطني وإرجاء وتأجيل الإصلاح، وأحياناً تحويله إلى مجرد عبارات وكلاشيهات تلقى بين الناس كلما أصبح الظرف العام دقيقاً.
بالنسبة لشريحة واسعة من الأردنيين، جرح مقال الرنتاوي مشاعرهم. وبالنسبة لمراقبين محايدين، توقيت الحديث عن معركة الكرامة وما حصل بها إن لم يكن منطوياً على دهاء فهو على الأقل توقيت سيئ جداً؛ فالأردنيون تحت الضغط الاقتصادي. ولجنة الإصلاح تتلمس طريقها نحو مصداقية من أي صنف لأعمال لم تنجزها بعد. وأعصاب المجتمع مشدودة، والأزمات متتابعة والضغط الاقتصادي كبير. وبالتالي، وسط هذه البيئة والظروف، ينشر مقال يقدر الرافضون له مستوى خدشه للتاريخ ويرفضونه بقوة.
لكن بالنسبة للرنتاوي نفسه، وحسب نص استقالته الذي قرأته «القدس العربي»، فما حصل لا يمكن قياسه بمسألة لها علاقة بمقال. والأخير اعتذر ثلاث مرات، لكن الحملة لم تهدأ، في دلالة على حاضنة شعبية متشككة أصلاً بنتائج لجنة الإصلاح الملكية وما يمكن أن تصل إليه، فموقع العضوية في تلك اللجنة ليس وظيفة ولا منصباً، بل أقرب إلى صيغة العمل التطوعي، لكن الهجوم على عضوية اللجنة كان عميقاً ومستمراً حتى انتهى طبعاً باستقالة الرنتاوي.
النقاش الآن لا علاقة له بالرنتاوي ومقاله وبالحملة ضدهما من كل الزوايا، بل حصرياً بتلك الإشارات التي تصدر عن المجتمع وتتعامل مسبقاً بسلبية مع اللجنة ورئيسها وما يصدر عنها من أدبيات، حتى قبل أن يصدر فعلاً.
الضجة المثارة حول مقال الرنتاوي قد تنتهي بأي صيغة، لكن الأهم أن شعور الأردنيين بأن هويتهم السياسية والوطنية مستهدفة، بمعنى الكرامة السياسية، وبأن الأدوات الحاكمة الحالية تنفيذياً جزء عضوي وأساسي في الإشكال، ولا يمكن الحل عبرها، كما يقدر عضو اللجنة أيضاً الدكتور عامر السبايلة.
وهو شعور باق ويتمدد لا بل يتغذى على الاحتقان النفسي الاجتماعي والاستعصائي المزمن وأزمة المعيشة اقتصادياً.
ذلك شعور جمعي ليس من السهل علاجه فقط بالاستجابة لرغبة الجمهور ولا بقبول استقالة الرنتاوي من لجنة قيل للأردنيين إنها تمثل خطوتهم الأولى نحو مئوية الدولة الثانية.
وذلك هو التحدي الأهم بالمقابل، مما دفع عضو اللجنة المثقف والباحث الدكتور محمد أبو رمان إلى اعتبار حجم ومستوى الخطاب والاتهامات في أزمة المقال إياه جرساً يدق وينذر وبغلاظة.
ما الذي يمكن أن تفعله لجنة استشارية ملكية يرى السياسي الدكتور ممدوح العبادي أنها ليست ولن تكون في يوم من الأيام بديلاً عن الاحتكام للدستور إزاء هذا الكم الهائل من الإحباط؟
مستوى الجدل على مقال الرنتاوي الذي رافق الأردنيين لأسبوع على الأقل، يعرض إجابات مقلقة على ذلك السؤال العريض، ويفرض بطبيعة الحال إيقاعه على لجنة قالت إنها تبغى الإصلاح.
وهي لجنة لاحظ الجميع كيف تقلص سقفها بالفارق بين ما قيل للأعضاء على الهاتف وبين نص التكليف الملكي الموجه للرفاعي، قبل أن يتقلص سقفها للمرة الثانية ضمن واقعية رئيسها في الاستجابة للمبادرة الملكية، فيما يترقب الجميع اليوم حالة التقلص والانكماش الثالثة، التي يمكن اشتمامها بين عدد لا يستهان به من الأعضاء المصرين على أجندة إجرائية وتقنية لعمل اللجنة، وليس وطنية أو سياسية.
ما لا يقال أيضاً إلا في الكواليس، هو أن السماح باستقالة الرنتاوي من لجنة ملكية، بصرف النظر عن سوء تقديره أو حتى الخطأ الذي نتج عنه، هو مؤشر مبكر على سابقة الاستقالة والانسحاب. وهي سابقة توحي ضمنياً بأن الاستقالة من عضوية اللجنة الملكية ولأسباب سياسية، ليست ممنوعة بصيغة يمكن أن يستخدمها أعضاء أخرون كذرائع لسحب استقالات متوقعة.
قد يحصل ذلك بعد سابقة الرنتاوي، خصوصاً إذا ما لاحظ المسيسون والذين يشعرون من أعضاء اللجنة اليوم بمصيدة سياسية بأن السقف يتقلص أكثر، وبأن المطلوب بالنسبة للاعبين التنفيذين لم يكن أكثر من شرائح ممثلة للمكونات الاجتماعية في لجنة ضخمة العدد قوامها اليوم 91 عضواً، بعد انسحاب الرنتاوي، فيتزاحمون في الواقع على تحقيق هدف غير واضح بعد، وبالتأكيد بشكل يعيق الحركة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى