اراء و مقالات

قضية «اعتقالات السبت»: أين اختفت «الحبكة» في المشهد الأردني؟ ورؤوس «قيد التحسس»… والإعلام في «غيبوبة»

قرار حظر النشر الصادر في عمان ظهر الثلاثاء في قضية «اعتقالات السبت»، وبالرغم من عدم الإعلان عن ملف قضية قيد التحقيق، قد لا يساهم -على أهميته- في استدراك فوضى الروايات وتداعيات غيبوبة الإعلام الرسمي الأردني وتراكم التساؤلات مجدداً في وقت يبحث فيه الجميع عن إجابات.
«فوضى.. ارتجال.. عشوائية.. أداء غير مفهوم ونهايات غير محكمة».. تلك العناصر هي التي تفوقت في المشهد السياس والإعلامي الأردني منذ تم الإعلان عن اعتقال شخصيات بارزة قبل انكشاف ظهر رواية الحكومة التي قيل إنها محكمة، لكن ثبت للجميع اليوم بأنها ليست كذلك.
ليس سراً أن ملف تلك الاعتقالات والذي لا يزال بالمناسبة غامضاً تماماً في التفاصيل والحيثيات، أعاد إنتاج وعرض بعض الحقائق والوقائع وبصورة لا تقبل الالتباس، فقد انطوى المشهد على مكاسب ومخاسر لكن لا أحد يستطيع اليوم التفريق بينها. وتعالج، وسط ترحيب جميع الأردنيين دون شك، الأزمة التي ارتبطت باسم الأمير الشاب حمزة بن الحسين، وفي إطار عائلي يعتبر دوماً من تراثيات الأردنيين.
وتدخل المؤسسة السعودية على خط الاشتباك بجملة تضامنية سريعة ومبكرة بدأت من بيان للديوان الملكي الأردني، ثم اتصالات من الملك سلمان، وانتهت بوفد رفيع زار عمان وترأسه وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان،
وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن وفدا سعوديا وصل الأردن الإثنين للمطالبة بالإفراج عن رئيس الديوان الملكي الأردني الأسبق باسم عوض الله، أحد «أبرز الشخصيات» التي اعتقلتها السلطات الأردنية السبت الماضي خلال إحباط ما وصفته الأخيرة بمحاولة لزعزعة استـقرار البلاد.
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مسؤول استخباراتي رفيع المستوى في الشرق الأوسط، والذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إنه بعد لقاءات بالأردنيين يوم الإثنين، توجّه الوفد السعودي إلى فندق في عمان مع استمراره في طلب السماح لعوض الله بالمغادرة معهم إلى السعودية.
وفي السياق، ردت وزارة الخارجية السعودية، الثلاثاء، على استفسار من شبكة «سي إن إن« حول إن كان وزير الخارجية السعودي، قد طلب من الأردن الإفراج عن باسم عوض الله.
وقالت الخارجية السعودية إن «الوزير كان في عمان لتأكيد التضامن ودعم المملكة العربية السعودية للمملكة الأردنية«، لافتة إلى أن «الوزير لم يناقش أي مسائل أخرى أو قدم أي طلبات».
في كل حال، حكمة قرار حظر النشر في قضية غير معروفة بعد، تساعد في احتواء الجدل المحلي، لكنها لا تجيب على الأسئلة السياسية المفصلية، والكلام بهذا المعنى، سياسياً وإعلامياً، عن عملية أمنية محضة قد تكون متقنة في بعدها المهني الفني على مستوى الأجهزة التي تابعتها، لكنها أفلتت وغابت عنها الحبكة في بيانات الحكومة الرسمية، وتشعبت تفاصيلها وسط غيبوبة البناء الإعلامي المهني الدرامي لمسار الأحداث سياسياً.
المؤسسات السيادية قامت بدورها، لكن السياسية تعثرت في التفاصيل؛ فمفهوم الولاية العامة للحكومة غاب عن المشهد، والمؤسسات البيروقراطية بدا أنها اضطربت، لأن العملية الأمنية قد لا تكون نسقت مع المطبخ السياسي، أما التعابير الإعلامية التي صدرت هنا وهناك فقد ظهرت مفككة ومتهالكة، لا بل في الكثير من التفاصيل المهمة عملت على تأجيج مشاعر الناس وحققت عكس ما ينبغي أن تحققه في بوصلة الشارع، لأن غياب المعلومة والرواية الحقيقية المحبوكة كان ثغرة وعثرة كبيرة، والبعض استعجل في التفاصيل، كما لاحظ المحلل السياسي مروان الفاعوري.

أين الحبكة في مسألة اعتقالات السبت الدرامية المحلية؟

سؤال مؤرق للمواطنين قبل الرسميين الأردنيين، والإجابة اليتيمة المتاحة عليه هو أن الحبكة اختفت تقريباً بسبب عدم وجود «حباكين ذوي مهارة» ويتمتعون بالخبرة اللازمة ليس في بناء التعليق على الحدث أو إنتاجه فقط، ولكن حتى في نطاق تلك القنوات التي تتطلب وظيفتها التعبير عن الموقف الرسمي المركزي.
توبعت ألغام اعتقالات السبت بسلسلة من مغامرات الإعلام والروايات غير المحبوكة، وتسربت تفاصيل ينبغي أن لا تتسرب بطريقة غامضة، وغابت الرواية الحكومية، واخفقت تلك الدبلوماسية وإن صمدت الرواية السيادية والأمنية، فيما كانت النتائج تنطوي على خسائر بالجملة عندما يتعلق الأمر
بالرصيد الشعبي للدولة ومصداقية الخطاب. و في كل حال، الأزمة بجناحيها في طريقها للاحتواء، لكن تبقى الأسئلة مطروحة حول النتائج والتداعيات.
ويبقى الانطباع مستمراً بعدم وجود «حبكة قوية» مسندة بإطار دولة القانون والمؤسسات، الأمر الذي يثبت مجدداً خطورة أزمة الأدوات في الإدارة الأردنية، لا بل كلفة هذه الأزمة في المفاصل ونقاط التماس الأساسية، كما يثبت سطوة منصات التواصل والإعلام الجديد التي لا يمكن وضعها في جيب الحكومة والتي أظهرت تماماً بأن الرواية الرسمية وتلك النخبوية قدمت أدلة وبراهين على الطريقة الأفضل في تحقيق ردود فعل شعبية أو شعبوية معاكسة للمطلوب ولما افترضته الدولة.
هنا قد يحتاج الجميع لوقفة تأمل. وأغلب التقدير أن بعض الرؤوس التي أدارت الأزمة الأخيرة في حالة تحسب وتحسس الآن، لأن الأردني بطبيعته منحاز لمؤسسته المرجعية بكل تفصيلاتها حتى عندما يختلف مع الحكومات والأجهزة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى