اراء و مقالات

آليات الدرك على «الصحراوي»… حاضنة «الإضراب» تضرب في معان الأردنية و«أزمة الوقود» في الانزلاق السياسي

عمان – «القدس العربي» : الانزلاق أردنياً نحو حل توافقي في أزمة أسعار الوقود لم يصمد ولو عدة ساعات بعد وساطة تشريعية ما بين المضربين في قطاع النقل عن العمل وهيئة النقل التابعة للحكومة، بصيغة تنطوي على مؤشر سياسي حساس له علاقة بتفاعل الأزمة وازدياد صخبها بدلاً من اللجوء إلى احتوائها والاشتباك مع تفاصيلها بصخب مقابل.
إن دخول مجلسي النواب والأعيان على خط الاشتباك حيث التحذير عبر الأعيان والوساطة عبر النواب ولجان مجلسهم، كان يمكن أن يمثل حلاً معقولاً لنزول جميع الأطراف عن الشجرة. لكن المعالجة لم تحصل، والعملية لم تتم حتى عصر الأربعاء، وارتفع منسوب الصخب، وتشدد السائقون المضربون عن العمل أكثر في موقفهم بعدما لاحظوا بأن مسألة اعتراضهم على أسعار الديزل تتحول إلى أزمة عامة أو أزمة دولة اقتضت أصلاً تدخل النواب والأعيان.
عملياً، يمكن القول إن تدخل النواب انتهى بملامح أول حالة إضراب «تضامناً» مع السائقين في مدينة معان جنوبي البلاد، بإقفال محلات تجارية وملكيات خاصة، مما يعني بأن «المسائل تتحرك» أو «يتم تحريكها» وبسياقات «غامضة» قليلاً، ويعني بأن «الحاضنة الاجتماعية» بدأت تميل بدورها لمناكفة الحكومة.
في المقابل، تستاء الدوائر الرسمية وتستاء بعض أوساط المواطنين اليوم من حالة التصعيد المباشرة التي دخل فيها احتجاج السائقين وبصورة قد تلحق ضرراً بالغاً حتى بعدالة وإنصاف مطالبهم، خصوصاً بعد رصد وظهور ميول نحو استخدام العنف في قطع الطرق أو إغلاق الطرق الحيوية، أو حتى ضرب الحجارة على سائقين قرروا -لأسباب لا تخص رواتبهم ويعملون مع الشركات في الواقع- عدم المشاركة في الإضراب، وهو مشهد انتهى بدوره بإثارة موازية عنوانها مرافقة الدرك لشاحنات الشركات التي لا تريد المساهمة في الإضراب، خصوصاً على الطريق الصحراوي الحيوي. بكل حال، إخفاق النواب والأعيان في التدخل وإنتاج حالة توافقية وسطية تعيد إلى الأذهان بعض الفرص الضائعة أو التي يمكن أن تضيع أكثر لاحقاً في سياق التعاطي مع تداعيات ونتائج مثل هذا الاشتباك.
لذا، الإخفاق يؤسس كلفة جديدة ويحرض السائقين المضربين على استقطاب آخرين بحالة غضب لعدة أسباب في المجتمع على قاعدة ما سبق أن حذر منه رئيس الوزراء السياسي والمحنك طاهر المصري، تحت عنوان ازدياد عدد كاظمي الغيظ.
ومن ثم يمكن القول إن مسألة إضراب الشاحنات لم تعد تتعلق بالسائقين والشاحنات وقطاع النقل فقط، وقريباً جداً لن تعود تعبيراً عن أزمة جزئية مع شريحة في المجتمع تتآكل دخولها بسبب ارتفاع أسعار المشتقات النفطية والوقود. نتحدث هنا عن تحذيرات أكثر شمولية من وضع عام قابل للتفخيخ والانفجار، وهذا ما يحذر منه الخبير الاقتصادي والسياسي البارز الدكتور محمد الحلايقة، وهو يلفت نظر دوائر القرار والحكومة ومجلس الوزراء إلى أن قراءة مسألة إضراب سائقي الشاحنات من زاوية جزئية سلوك قد لا ينطوي على الحكمة، لأن الحاضنة الاجتماعية للمضربين عن العمل هنا متوفرة إلى حد ما، ولأن الاحتقان الاجتماعي أصلاً والاقتصادي يزيد بدون حلول، لا بل بدون آمال، مع كثرة مبالغات الحكومة في رفع سقف التوقعات.
ويقترح الحلايقة مبكراً بأن الحكومة في مسألة تسعير المحروقات كان لديها خيارات لتجنب التصعيد ولتجنب حالة يصبح فيها الاحتجاج أقرب إلى صيغة أو صبغة عدوى، وفايروس ينتقل لقطاعات وشرائح أخرى في المجتمع.
لكن تم تفويت هذه الخيارات والسيناريوهات بصورة لافتة، خصوصاً أن الضريبة المفروضة على المحروقات كانت تشكل مدخلاً للبحث في علاج لحالة التأزيم الحالية.
بكل حال، الأجواء لا تزال ملبدة بالغيوم، واحتمالات حراكات عشائرية وأخرى طلابية أو شرائحية غاضبة لأسباب لا علاقة لها بقطاع النقل إلى ما يجري، هي احتمالات واردة جداً وللغاية. وفي حال إخفاق مستويات الاستدراك قريباً أكثر واستمرار الصخب، ودخول الإضراب المختص بسائقي الحافلات والشاحنات أسبوعه الثاني، يمكن القول بأن الاستمرار في حالة الاحتكاك وعدم اللجوء إلى خيارات وسطية أو ترتيبات بالتقسيط والأجزاء، هو سيناريو أقرب إلى التحول إلى حالة احتجاج لها علاقة مباشرة بالوضع المعيشي العام.
وهو منزلق كان يفترض على الحكومة عموماً، عندما يتعلق الأمر بآلية تسعير المحروقات، أن تنتبه له بصورة جزئية وتفصيلية وشمولية بنفس الوقت، حيث استمرار الاعتراض والاحتجاج في الشارع، لا بل توسع بعض قواعده والمشاركين فيه. يتوقع أن إضراب السائقين الأردني أوصل رسالته، ولديه خيارات في التعبير الرمزي عن مطالبه، وأن أزمة الوقود تعكس أزمة مالية الدولة في الواقع، ولكن مسكوت عنها منذ عدة سنوات، حيث لا يعلم الجميع كيفية تسعير المحروقات ولا معادلة التسعير، وحيث الاعتقاد سائد بأن السلطات تسمح بحالة من الاحتكار في استيراد المشتقات النفطية، وأن مصفاة البترول هي الجهاز الذي يسيطر على هذه العملية، ودوائر القرار تسعى لبقاء عمليات مصفاة البترول رغم أن استيراد المشتقات النفطية قد يكون أقل كلفة من تكريرها، مع وجود جهات معروفة لا تزيد عن أصابع اليد الواحدة يسمح لها باستيراد المشتقات.
ينتج عن ذلك طبعاً تعبير عن الاحتقان العام الناتج عن ارتفاع حدة الأسعار خصوصاً للمواد الغذائية، وضعف القدرة الشرائية للدينار الذي كانت الدولة تقول إن وجوده بين يدي المواطن أفضل من وجوده لدى البنوك أو مؤسسات الدولة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى