اراء و مقالات

«المخفي» في الاستدراك: ملف المعلمين الأردنيين على «طاولة الدولة» ورسائل «القضاء» وبصمة لـ«الحكومة واللجنة»

عمان – «القدس العربي»: صنف من القرارات القضائية التي يمكنها أن تنعش الآمال بعودة أجواء الانفتاح السياسي والاجتماعي عموماً. والأهم بإعادة السيطرة والضبط لتلك الجملة التي انفلتت قليلاً مؤخراً أو خلال العامين الماضيين على الأبعد في المساحة الضيقة ما بين استقلالية سلطات القضاء وما ترغب فيه السلطات من حسابات وترتيبات بين الحين والآخر.
«نبأ سار» جداً للأردنيين عموماً، فمحكمة الاستئناف تقرر صيغة تشبه عدم كفاية الأدلة عندما يتعلق الأمر بحل نقابة المعلمين الضخمة وسحب الشرعية القانونية لمجلسها بعد 4 أعوام ضخمة من التصعيد والتأزيم بين المعلمين عموماً في المملكة، والحكومة السابقة التي ترأسها الليبرالي الدكتور عمر الرزاز، قبل أن ترث حكومة الدكتور بشر الخصاونة ومعها اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية تركة ثقيلة اسمها أزمة نقابة المعلمين. محكمة الاستئناف تتخذ قراراً برد دعوى أقيمت ضد النقابة في القضية التي عرفت بـ»التبرع للوطن».
ومع أن القرار يخص واحدة من سلسلة شكاوى حق عام ينظرها القضاء، إلا أنه يوحي ضمنياً بتوفر الغطاء السياسي لعزل سلطات القانون عن التجاذب القانوني والحسابات الضيقة لمرحلة بيروقراطية صعبة، كان عنوانها إخضاع نقابة المعلمين، لا بل إعادة إنتاجها وحلها وإخراجها من سكة دورها كمنجز إصلاحي دستوري في الواقع العام كان ثمرة لاحتواءات موجة الربيع العربي.

سؤال مهم

هل ينسحب قرار الاستئناف على بقية القضايا المقامة؟ سؤال مهم إجابته الوحيدة بـ»الإيحاء فقط» الآن، فقد سارع نائب نقيب المعلمين ناصر النواصرة، للتصريح بأن النقابة لا تزال مغلقة على ذمة قضايا أخرى.
اتهمت نقابة المعلمين طوال أربع سنوات بالخضوع للحركة الإسلامية وبمغادرة موقعها النقابي المهني. لا بل اتهمت أيضاً بالسعي إلى تحريك القطاع العام، مما دفع أجندات بيروقراطية وأمنية وحكومية قبل نحو 3 سنوات للضغط وبشدة على تلك النقابة التي تمثل جيشاً هو الأضخم في العضويات، وشريحة مهمة جداً في القطاعين العام والخاص.
وانتهت أزمة الصدام مع نقابة المعلمين برفقة مبالغات وتضخميات للاتهامات، واتخذت محكمة البداية قراراً بعدم شرعية المجلس النقابة، وانتهى الأمر بدوريات أمنية تغلق مكاتب وفروع النقابة في المحافظات وبسلسلة عقوبات إدارية أحالت معلمين على التقاعد والاستيداع في عهد الحكومة السابقة، قبل أن يبرز النبأ السار الجديد صباح الأحد، وهو عدم وجود سند قانوني لقرار محكمة البداية في حل مجلس النقابة.
مبكراً، ومع بدايات الأزمة، قال الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة، بأن تبعية النقابة الضخمة لأجندة التيار الإسلامي ليس أكثر من فرية أو كذبة لا معنى لها.
ومبكراً أيضاً، وفي مكاتب «القدس العربي» سخر نائب نقيب المعلمين ناصر النواصرة من تلك الاتهامات، واعتبر أن الاتهامات مسيسة وليس النقابة.
في كل حال، تدحرجت أزمة نقابة المعلمين طوال الوقت، وكان من الطبيعي أن تصل ملفاتها إلى السلطات القضائية بأكثر من قضية وملف، مع أن شخصيات وطنية بارزة كانت قد دعت مراراً وتكراراً لمقاربات تحتوي الأزمة مع المعلمين وبدون تصعيد من الجهتين. وكان على رأس تلك المبادرات الأولى خطة احتواء اقترحها البرلمانيان خليل وخميس عطية، وشهدت «القدس العربي» تفاصيلها .
في كل الأحوال، بقي الجميع في الانتظار، وبقيت أزمة نقابة المعلمين برسم التصعيد الأمني البيروقراطي، وبرسم الحسابات المالية المرهقة، ونتج عنها عشرات التقارير الدورية الحقوقية التي تنتقد حكومة الأردن، إلى أن اتخذت محكمة الاستئناف أمس الأحد قراراً ينصف النقابة ومجلسها ويسحب، ضمنياً، ذرائع التصعيد معها، في توقيت كان فيه مجلس النقابة المنحل قد أصبح أكثر نضجاً في إدارة مفاوضات لها علاقة بمعيشة وخدمات المعلمين.
وهو ما يراهن عليه العقلاء الذين قادوا خلف الكواليس والستارة سلسلة تصورات في اتجاه احتواء التأزيم مع المعلمين والسعي لفتح صفحة جديدة دون تشنج أو اتهام.
ليس سراً أن رموزاً وطنية كبيرة شاركت في نقاشات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية بقيت طوال الوقت تعتبر إعادة الشرعية لمجلس نقابة المعلمين ولتلك النقابة المهمة الضخمة بمثابة خطوة أولى وضرورية وتمهيدية لإنتاج مناخات حاضنة للانفراج والأمل، والأهم أنها تساعد في إنجاح مهمة اللجنة الملكية. وليس سراً أن رئيس اللجنة الملكية المخضرم سمير الرفاعي وبحضور «القدس العربي» وفي مناسبتين على الأقل، اعتبر استمرار التصعيد في ملف نقابة المعلمين وتوقيفات واعتقالات المعلمين هي إجراءات لا تلائم مرحلة التحول إلى تحديث المنظومة السياسية في البلاد والتأسيس للمستقبل، كما أن الإسلاميين تحديداً وضعوا ملف نقابة المعلمين في الأولويات، وهم يفاوضون شخصية مثل الرفاعي طوال الوقت على الانضمام إلى لجنة تحديث المنظومة والمشاركة بفعالياتها، وعلى الصفقة الضمنية التي نتجت عن اللجنة الملكية.
مرجح سياسياً بأن تفاعلات الرفاعي تحديداً مع مكونات المجتمع أثناء العمل على وثيقة المنظومة نتج عنها رأي آخر ومختلف ومتباين مع تيار التأزيم في السلطة تجاه ملف نقابة المعلمين. والترجيح هنا يشمل أن الرفاعي بثقله وقربه من دوائر القرار المرجعي، تمكن من توفير مساحة مختلفة لتصور يحتوي التأزيم في ملف المعلمين عند في الأطر المرجعية.
ثمة لاعب مهم جداً آخر حظي بدور أساسي في إعادة إنتاج مشهد التأزيم عند المعلمين لصالح حالة انفراجية منتجة، وهو رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، الذي لا يمكن إنكار مقاربته المختلفة عن الموجة العامة في مسألة المعلمين والنقابة بعدما ورثت حكومته تلك التركة الثقيلة.

«رأي مختلف»

سمعت «القدس العربي» مباشرة رأياً مختلفاً من الخصاونة وطاقمه في مسألة إدارة ملف نقابة المعلمين لصالح تهدئة وتشاور وطني ومن كل الأطراف. نتج عن ذلك قرار جريء من حكومة الخصاونة يقضي بالعمل على إعادة نخبة من معلمين خبراء أحيلوا للتقاعد أو الاستيداع كعقوبة بيروقراطية إلى وظائفهم، وهو قرار قدم مساهمة كبيرة في إعادة الأمل وسط جمهور المعلمين، حيث نقابة تمثل نحو مئة ألف معلم في الأردن أغلبهم من أبناء القطاع العام والدولة.
طوال الاشتباك، لم يكن الخصاونة مقتنعاً بفكرة إنهاء الحالة المنتجة التي يمثلها وجود نقابة للمعلمين، ولم يمكن أيضاً معنياً بمجاملة أي محاولة من المعلمين أو غيرهم لليّ ذراع الدولة في أي وقت تحت بند العلاوات والراتب.
وبالتالي، يمكن القول بأن حكومة الخصاونة أبقت الباب مفتوحاً أمام مقاربة ناضجة أكثر وخالية من التشنج والتأزيم في ملف المعلمين.
أغلب التقدير هنا بأن السلطات القضائية تعاملت مع الحيثيات والقرائن والأدلة القانونية، والتقطت ما هو جوهري وعميق في رسالة الرؤية المرجعية بعنوان التحول وتحديث المنظومة بالتوقيت نفسه، مما أنتج مساحة خالية من الأجندات والضغط عبر عنها الناطق باسم نقابة المعلمين، والمعتقل سابقاً نور الدين نديم، وهو يعلن الخبر السار الذي نتج عن قرار محكمة الاستئناف بفسخ قرار حل مجلس النقابة، متسرعاً في الإعلان عن فتح قريب جداً لفروع ومكاتب النقابة المغلقة، بصورة توحي ضمنياً باسقاطات لاحقة قابلة للقياس.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى