اراء و مقالاتمقالات وآراء

كيف يعالج الأردن تفريخ الأزمات؟ «تصريف الأعمال» نتيجة «ألغاز» عدة

 

تبدو مقاربة تسعى لبرمجة وصفة وطنية على مستوى الأزمة حتى لا تنتج «أزمات» في إدارتها. ليس سراً أن وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال الأردنية الدكتور سعد جابر، وخلافاً للصورة العامة الهادئة عنه وسط الجمهور وفي الإعلام، شوهد أكثر من مرة منفعلاً وبصوت مرتفع اعتراضاً على ما يسميه اتخاذ قرارات وإجراءات بشأن ملف الفيروس كورونا دون علمه أو موافقتـه.
حصل ذلك في ممرات مركز الأزمات والأمن الوطني. وحصل ذلك في ممرات رئاسة الوزراء، رغم أن الوزير جابر يتعرض طوال الوقت لسؤال أساسي لا أحد يجيب عنه بعد: ماذا عن بقية المرضى غير المصابين بالفيروس؟
يقرر سلف جابر وزير الصحة الأسبق، سعد الخرابشة، بأن تلك كانت من الأخطاء الكبيرة وعلى أساس أن غرف الإنعاش والعناية الحثيثة في القطاع الطبي الرسمي يحتاجها مرضى آخرون لا المصابون الذين تطورت حالاتهم بسبب الفيروس.

وزير الصحة شوهد «منفعلاً» واحتكاكات بين الوزراء

طبعاً سمعت «القدس العربي» مبكراً نقاشاً من هذا النوع بملاحظات مهنية رزينة للجنرال الطبيب والخبير الدكتور معين الحباشنة، الذي سبق له أن أدار الخدمات الطبية الملكية وتحدث بملاحظاته في لقاءات سيادية مغلقة أحياناً بحضور جابر أو غيره.
في كل حال، في المؤسسة التي تقدمت الصفوف في إدارة الأزمة، وهي مركز الأزمات، رصد تجاذب حكومي بين الحين والآخر، وفي بعض اللقاءات والاجتماعات ارتفعت بعض الأصوات في إطار نزاعات الوزراء في حكومة تصريف الأعمال والمستقيلة دستورياً، من أجل تحصين مساحاتهم ومتابعة قطاعاتهم.
يعرف الجميع أن مشاحنة حصلت بعد تعبيرات خشنة من وزير العمل نضال البطاينة، مع الوزير الإداري والمخضرم سلامة حماد، وأن وزير المياه رائد أبو السعود تم إبعاده عن كثير من المحاور وخلايا الأزمة الوزارية، لكنه تعامل بصبر وصمت وقام بواجباته.
ويعرف الوزراء أنفسهم بأنهم في بعض الأحيان جلسوا في قاعات الانتظار لأن جناحاً نافذاً من الوزراء الشباب قرر الرئيس الدكتور عمر الرزاز تقديمه على غيره وبحكم عمل خلية الأزمة.
ليس سرا،ً في المقابل، أن العمل العلمي والوطني الكبير الذي قامت به وتأسس من أجله أصلاً مركز الأزمات، تأثر بتلك التجاذبات بين المسؤولين البيروقراطيين والتي تحاول السيطرة أو التحكم، وظهرت فيه في بعض الأحيان محاولات ليس في وقتها، وحذر منها القصر الملكي علناً وسراً تحت عنوان السطو على بعض الأدوار أو تقاسم الصلاحيات.
تلك، في كل حال، مسألة تبحث وطنياً لاحقاً.
لكن الأهم أن الخلافات والتجاذبات التي ظهرت أثناء إدارة الأزمة، وأفقياً في بعض الأحيان على مستوى المؤسسات، لم تكن في وقتها، لا بل ساهمت في التأثير بمجريات الأخطاء، بما فيها تلك التي أقر بها علناً الرئيس الرزاز عدة مرات ووعد بتصويبها.وبما فيها أيضاً، لا بل أهمها، تلك الملاحظة المرجعية الملكية العلنية في خطاب قبول استقالة حكومة الرزاز والتي تضمنت التحدث عن أخطاء اعترضت بعض الاجتهادات في التعامل مع كورونا والحاجة إلى تعديلها وتصويبها.
كانت تلك ملاحظة مرجعية في غاية الأهمية لا تظهر فقط أن عين الرقابة الملكية تغفل عن الأخطاء، بل ترقبها وتتابعها، وبما ينطوي على رسالة لجميع المسؤولين في خلية الأزمة نفسها وفي مركز الأزمات وفي قنوات الحكومة المقبلة.
وهذا يعني أن عملية التصويب والتعديل، مرجعياً على الأقل، مستمرة.ويعني أيضاً -وهذا هو الأهم- بأن صيغة تكليف الرزاز بتصريف الأعمال محاولة للتعامل مع الواقع الموضوعي واستثمار الهوامش التي يتيحها الدستور في نطاق التعاطي مع هذا الواقع، رغم أن البرلماني صالح العرموطي يصر بدوره على عدم وجود نص دستوري -كما يلفت نظر «القدس العربي»- يوفر الغطاء لمسألة تصريف الأعمال.
في العمق داخل مركز القرار ثمة مفارقات ومقايضات سياسية وبيروقراطية فرضها إيقاع الأزمة واحتياجاته ضمن سياق تكتيكي يؤسس لاستجابة سريعة لا تؤدي إلى فقدان السيطرة على النظام الصحي البيروقراطي الحكومي، وتحاول الانتقال إلى مستوى علمي متقدم نسبياً في مستوى ومنسوب الاشتباك.
من هنا ولدت فكرة المراوحة بين الاستحقاق الدستوري الذي يجبر حكومة الرزاز على الاستقالة بعد قرار الملك حل مجلس النواب وبين صيغة لا يغطيها الدستور بالنص عملياً، لكنها ضرورة وطنياً، برأي أقرب الدوائر لمركز القرار تفاعلاً مع تداعيات الأزمة الفيروسية، وهي صيغة تصريف الأعمال عبر حكومة الرزاز.
طبيعي جداً أن تلك صيغة مبتدعة ليس بالضرورة تخالف الدستور بقدر ما تثير تساؤلات سياسية يمكن تحملها بالنتيجة إذا اتجهت البوصلة نحو معالجة أخطاء حكومة الرزاز، الأمر الذي يبدو صعباً إلى حد كبير مع طاقم وزاري حالي منفعل أصلاً ولا تتوفر لديه الخبرة اللازمة من البداية، كما أصر مرات عدة وعبر «القدس العربي» وزير الإعلام الأسبق راكان المجالي.
مجدداً هنا، يصر العرموطي على عدم الحاجة إلى الالتفاف على النص الدستوري، فما دام البديل عن الحكومة – في رأيه – غير متوفر، فلم يكن من الضروري حل مجلس النواب، وإذا حل المجلس ترحل الحكومة خلال أسبوع واحد فقط ولا مجال للاجتهاد أو التأويل.
تلك وجهة نظر العرموطي وعديدين من خبراء القانون. لكن ما سمعته «القدس العربي» وتستطيع تأكيده بأن المقايضة كانت بين الحرص على الصحة العامة وتجنب مزيد من الكمائن وبين المجازفة بتخريجة ما لا تخالف النص الدستوري المحكم لكنها تطيل عمر حكومة الرزاز لفترة قصيرة حتى يتسنى ترتيب الملف برمته.
الترتيب المقصود هنا حصرياً يتمثل في تشكيل طاقم وزاري يخفف من الزحام والاجتهادات ويركب على خطة موضوعة سابقاً واستراتيجية عمل بدون مجازفات… وتلك بحد ذاتها تجربة طازجة ومجازفة من نوع ما.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى