اراء و مقالات

الأردني عندما يبدأ إحصاء انقلابات إسرائيل على «وادي عربة»: «المأزق يتدحرج»

هل دفنت الاتفاقية الوطن البديل حقاً؟

عمان- «القدس العربي»: يقف رئيس الوزراء الأردني الأسبق طاهر المصري، بخبراته الكبيرة وبسعة اطلاعه وثقافته، وتحديداً في ملف عملية السلام، أمام المفارقة الأكبر التي تفجر سؤالاً في غاية الأهمية وسط المأزق الاستراتيجي الذي تمر به علاقات الأردن الرسمية والأهلية والتاريخية، أولاً مع القضية الفلسطينية، وثانياً مع كيان الاحتلال الإسرائيلي في هذه المرحلة.

هل دفنت الاتفاقية الوطن البديل حقاً؟

بكل بساطة، يطرح المصري سؤاله أمام «القدس العربي» بالصيغة التالية: هل فكر أحدنا بأن نعيد إحضار ملف اتفاقية وادي عربة وندرس حجم الانتهاكات الإسرائيلية التي ولدت أو وجدت حتى الآن على الطاولة؟
سؤال لم يتنبه له كثير من الساسة، وقوامه بالتأكيد التشكيك بأن إسرائيل هي الطرف الذي ينقلب على اتفاقية وادي عربة فيما يُخلص لها الأردن، ما يدفع البوصلة عند النقاش في العمق والجوهر نحو سؤال أكثر أهمية قوامه كيفية التصرف في مواجهة مثل هذا الانقلاب الإسرائيلي الحرفي والنصي على بنود اتفاقية وادي عربة التي قيل في تسويقها يوماً بأنها دفنت خيار الوطن البديل؟

أين ذهبت تلك الدراسة؟

كيف لعمان أن تقف أو تتدبر أو تفكر في سياق استراتيجية جديدة قوامها الإحساس العام بأن تل أبيب انقلبت على اتفاقية وادي عربة وليس العكس، والإحساس العام بأن إصرار الأردن على التمسك بكل تفاصيل قصة المجتمع الدولي ووادي عربة والالتزامات والعملية السلمية وحتى خيار الدولتين لم يعفِ الأردنيين، دولة وحكومة وشعباً، من الاسترسال والعودة إلى سؤال دفن الوطن البديل والاسترخاء في ظل اتفاقية سلام ينقلب عليها الطرف الآخر بحكم الواقع الموضوعي.
طبيعي جداً القول اليوم بأن هذا الانقلاب الملموس والمحسوس لم يسبق للمؤسسات الرسمية الأردنية أن تحدثت عنه، لكن لم يسبق لها أن أحصته وأعادت التذكير بتفاصيله حتى مع المجتمع الدولي، علماً بأن معادلة المجتمع الدولي اليوم قد لا تفيد إطلاقاً تحت أي بند أو باب في تبديد الهواجس والمخاوف الأردنية.
ومن الطبيعي القول بأن أزمة المسجد الأقصى وأزمة الرعاية أو الوصاية الهاشمية عليه والتي توضع الآن تحت اختبار التشدد الإسرائيلي مع جنوح الإسرائيليين إلى اليمين أكثر، هي التي تفجر سؤالاً بهذا الحجم؛ فقد سبق لرئيس مجلس النواب الأسبق عاطف الطراونة أن أعد ملفاً بانتهاكات الإسرائيليين في البعد التشريعي لمعاهدة وادي عربة وللاتفاقيات مع المصريين أو الفلسطينيين.
وأعدت في مجلس النواب في عهد الطراونة وثيقة في هذا السياق تحصر الانتهاكات التشريعية الإسرائيلية التي تنقلب ليس على عملية السلام، لكن على نصوص الاتفاقيات القانونية مع الأردن أو مع غيره.
طبعاً، لا أحد يعرف أين ذهبت تلك الدراسة الآن، وأين ورقتها، وما الذي حصل فيها، لكن طاقم الطراونة في ذلك الوقت كان يحصي بعض أو جميع التشريعات التي مررها الكنيست الإسرائيلي، وفيها نصوص واضحة تنقلب على السلام وعلى مصالح الدولة الأردنية وعلى اتفاقية وادي عربة. وبالتالي، يمكن القول ضمناً بأن ما يقترحه المصري اليوم العودة إلى المربع وإجراء تقييم وطني سياسي وقانوني أردني داخلي يمكن أن يفيد في: أولاً، مأزق العلاقة الاستراتيجية التي تأزمت وتوترت، وثانياً البحث في استراتيجية للحفاظ على المصالح العليا للأردنيين.
طوال الوقت كان وزير الاتصال والإعلام الأردني الأسبق الدكتور محمد المومني، الذي قد يعود قريباً إلى مواقع الصف الأول في عمان، يتحدث مع «القدس العربي» وغيرها عن تقاليد الحكومة الأردنية في تجاهل ما يقوله الإعلام الإسرائيلي والاعتماد على نص الرواية كما تصل من المؤسسات العميقة في كيان الاحتلال.
المعنى أن المصالح الأردنية بالعادة -حسب المومني- كانت تدار مع مؤسسات أو ما يسمى بمؤسسات العمق في كيان الاحتلال، فهي الأقدر على فهم الشراكة مع الأردن، وهي المعنية بحراسة وحماية حدود وتفاصيل اتفاقية وادي عربة. لكن لا يعرف ما إذا كان الدكتور المومني يحتفظ بهذا الرأي حتى الآن.
التقارير العميقة حتى داخل المؤسسات الأردنية الرسمية تشير إلى أن ما يسمى بكيان العمق أو الدولة العميقة في الاحتلال يذهب أيضاً في اتجاه الخطاب اليميني الديني الأصولي المتشدد، والدلالة على ذلك كيفية تسرب نخبة كبيرة من اليمينيين المتشددين في مؤسسات الأمن والجيش الإسرائيلية. وهو عنصر خطر جداً على مصالح الدولة الأردنية، وبالتأكيد خطر على الشراكة في عملية السلام.
يقول أحد أبرز الخبراء بين الأردنيين، وهو الدكتور مروان المعشر وزير البلاط الأسبق، عن عملية السلام إنها «لم تعد قائمة».
يلاحظ الجميع بأن من يتحدثون عن انقلاب إسرائيل على عملية السلام، ثم على اتفاقية وادي عربة، هم من أداروا عملية التفاوض من الجانب الأردني، أو كانوا أعضاء بارزين في وفد المفاوضات حتى من أيام مدريد.

«المأزق الاستراتيجي»

وبالتالي، يتدحرج الانطباع في الأردن بأن المأزق الاستراتيجي الحقيقي وفي أعماقه لم يعد محصوراً بأزمة علاقات مع الإسرائيليين يمكن أن تعبر أو ترتب أوراقها لاحقاً بقدر ما هو مأزق استراتيجي عميق ووطني أردني قوامه الأسئلة المرتبطة بمرحلة ما بعد الانقلاب، وعلى أساس قناعة الجميع بالمستوى الأفقي بأن إسرائيل انقلبت حقاً ليس فقط على عملية السلام التي لم تعد موجودة، ولا فقط على خيار الدولتين الذي أصبح خياراً لفظياً ورومانسياً وأقرب إلى قصيدة شعر، على حد تعبير المفكر السياسي الراحل عدنان أبو عودة، لكن انقلبت على منطق ومضمون اتفاقية وادي عربة بسلسلة كبيرة من الانتهاكات لم تبدأ من عند المعول الذي حمله يوماً بنيامين نتنياهو عند مزرعة في أقرب حد جغرافي فاصل في منطقة الأغوار مع الأردن ليدشن مشروعه الذي لم يكتمل بعد تحت عنوان ضم الأغوار.
إسرائيل الجديدة أو إسرائيل اليوم لم تدفن خيار الوطن البديل، هذا ما يشعر به الجميع، وإسرائيل اليوم تختلف عن إسرائيل تلك التي وقع الملك الراحل الحسين بن طلال معها اتفاقية وادي عربة.
العبارة التي وردت في مقال مؤخراً تثبت ذلك، حيث الكاتب الكبير وهو شاهد عيان أيضاً أحمد سلامة، وهو يتحدث عن إسحاق رابين ويسأل: ألا يوجد راشد بين حكام إسرائيل اليوم؟ وتبقى المسألة أكثر تعقيداً مما يعلم به أو يشعر به الجميع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى