اراء و مقالات

الأردن: «ليونة» مقابل «استهداف» و«همسة خبيرة» في أذن الإسلاميين

عمان – «القدس العربي»: لا موازين واضحة أو محددة في مآلات الأمور لوجبة انتخابات داخلية ساخنة يفترض أن يشهدها أكبر أحزاب المعارضة الأردنية خلال الساعات القليلة المقبلة.
وتم التمهيد بالتأكيد لبعض حساباتها السياسية الداخلية بالإعلان، ولأول مرة، عن وثيقة رؤية اقتصادية باسم الحزب والحركة الإسلامية، لم تكن تصدر في الماضي، بل يمكن اعتبارها اليوم منجزاً خاصاً لصالح قيادة الحزب الحالية.
يقتنص الخصوم والمراقبون والمحايدون بين الحين والآخر فكرة عدم وجود برنامج اقتصادي باسم الحركة الإسلامية الأردنية. لكن الإعلان عن وثيقة اقتصادية الشهر الماضي ثم الإعلان عن ورشة عمل أو عصف ذهني مع خبراء مستقلين لمناقشتها، خطوة سياسية بامتياز وجديدة في وقائع الاشتباك، من المرجح أنها تسبق انتخابات داخلية في حزب جبهة العمل الإسلامي تتخذ اليوم طابعاً تنافسياً وببعض الحدة، وتحت عنوان إنقاذ ما يكن إنقاذه، فيما معادلة جماعة الإخوان المسلمين برمتها سياسياً تقفز بين المطبات والكمائن ولا تتميز باستقرار واضح الملامح.
مؤخراً، «همس» رئيس مجلس الأعيان الأردني المخضرم فيصل الفايز، وفقاً للمصدر الناقل بإذن بعض مرشدي التيار الإسلامي وأصدقائهم، بنصيحة خاصة يمكن أن يعقبها فتح أبواب الحوار. تلك النصيحة تتعلق على الأرجح بملف اسمه الفتنة، التي وقف الإسلاميون إلى حد ما سياسياً وإعلامياً مع الدولة فيها، في الوقت الذي لم تشهد فيه خلافاتهم مع السلطة والحكومة حول العديد من الملفات أي تطور لافت إلى الأمام، بل بقيت خلافات معلقة عندما تعلق الأمر بملف شائك مثل نقابة المعلمين أو بانتخابات البلديات أو حتى بالتدخل في انتخابات النقابات المهنية.
حرص الأمين العام لحزب الجبهة الشيخ مراد العضايلة، على إبلاغ «القدس العربي» مرات عدة، بأن قاعدة الاشتباك مع مجمل ملف الإصلاح السياسي الوطني اليوم هي التي تقول بأن الدولة تحتاج إلى الإصلاح، والجميع يخسر بغيابه أو بمحاولات الالتفاف عليه.
يبرر الإسلاميون تجميد مشاركتهم في انتخابات البلديات ثم الانسحاب من انتخابات نقابة المهندسين وغيرها، بالاستناد إلى بينات ووقائع التدخل الرسمي خلافاً، كما يشرح العضايلة، لاتجاهات ما يسمى بتحديث المنظومة السياسية ولنوايا الإصلاح الحقيقي. لكن حلفاء التيار، ومن بينهم عضو مجلس النواب صالح العرموطي، لديهم ملاحظات متحفظة على مسألة مقاطعة الصولات والجولات الانتخابية بين الحين والآخر. وما يقترحه العرموطي وغيره أن برامج المقاطعة سبق أن جربت ولم تكن الوصفة الأفضل في مقاربات الحضور؛ لأن البقاء في المكان أفضل من الغياب التام عنه.
وما يحاجج به العضايلة وغيره من معتدلي الحركة الإسلامية هو أن الاستمرار في الانتهاكات والتأزيمات وأحياناً الاعتقالات، تدفع بطبيعة الحال أبناء الحركة ومؤسساتها لعدم الحماسة لأي مشاركة؛ لأن الاستعصاء السياسي كبير، والخطوات الحكومية لا تبدو جادة أو جدية. ومن الصعب بعد الآن تمرير هذه الليونة المطلوبة، فيما يستمر استهداف الحركة الإسلامية أصلاً وفي غالبية المواقع. ومبكراً، رفع العضايلة، في ندوة مغلقة، الشعار القائل بأن الدولة عليها أن تصلح الأمور ونفسها لأنها تحتاج لذلك.
ومبكراً، قال أبناء الحركة الإسلامية تعبيرات متعاكسة في رصد مستوى التوقعات بعد قرار المشاركة في حوار اللجنة المكلفة بمشروع تحديث المنظومة السياسية، فيما رصدت لاحقاً مشاريع ما سمّاه الشيخ سالم الفلاحات بأحزاب الأنابيب، كما رصدت مخالفات بالجملة لمنطق التحديث. في كل حال، يطور الإسلاميون وظائفهم وتقنياتهم؛ فقد وقفوا مع الدولة في مفصل الفتنة بوضوح، وتجاهلوا إغراءات ومناشدات شخصيات الحراك الشعبي بالحضور معها في الشارع عدة مرات، ووقفوا مع الدولة في موضوع اعتداءات القدس، وحرصوا على عدم الاستثمار أو الاستغلال في مفاصل مهمة. تلك كانت الحصيلة السياسية العميقة في وصفات التعايش في عهد الشيخ العضايلة ورفاقه في المكتب التنفيذي.
لكن الكلام كثير، والجدل متعدد الأوجه داخل صفوف التيار الإسلامي، وبعض الاحتقان برز في إطار خلافات داخلية منذ عام وثلاثة أشهر هي بالعادة لا تؤثر في الجبهة، لكنها تلمس أوتاراً حساسة في المنعطفات. وفيما اعتزلت الحركة الإسلامية وانتقدها كثيرون ومن بينهم نائب رئيس الوزراء توفيق كريشان، ورداً على استفسار من «القدس العربي»، من خلال الجولات الانتخابية مثل البلديات ونقابة المهندسين، يبدو أن مؤسسات الحركة في سياق الاستحقاق الانتخابي الداخلي وقبل نهاية الأسبوع الحالي، حيث لا مجال لإنكار وجود تجاذب بين تيارين، الأول يحقق إنجازات مستقرة، والثاني حصيلته الملاحظة على تلك الإنجازات وتحجيمها.
العناصر الشخصانية في المنافسة بين التيارين لا أحد يستطيع إنكارها، مع أنها نادرة بين الإسلاميين بالعادة.لكن الانتخابات الوشيكة قد تحسم الأمور وتحدد هوية من يتولى موقع الأمانة العامة للحزب الأكبر في البلاد، ثم من يتولى تقاسم مقاعد المكتب التنفيذي. وهي محطة ضرورية يفترض أن تنتهي بوقف التجاذب بعد نتائج الاقتراع على أمل العودة للتربية التاريخية في تجاهل الشخصي لصالح الوطني والعام، وعلى أمل إعادة التموقع في الخارطة السياسية المحلية لتحسين قواعد الاشتباك والتفاوض في مرحلة مغرقة بالدقة؛ لأن التيار الإخواني حليف قوي وصلب إذا ما تقرر رسمياً خوض معركة حقيقية دفاعاً عن الوصاية الأردنية في القدس والمسجد الأقصى.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى