اراء و مقالات

عندما تغيب «الكيمياء» بقرار في الأردن… «فيتو» في وجه «الإخوان» ضد «التواصل» والاستثمار في القطاع العام

السلطة لن تتسامح في استعمال «خاصرة المعلمين»

أخفق بعض رموز وقادة الاعتدال في الحركة الإسلامية الأردنية مجدداً في «تدبير» تواصل مباشر مع القصر الملكي على أمل نزع «طي أي خلاف» والتطلع للمستقبل.
والإخفاق هنا له مبرراته، فالقناة الحكومية عملياً هي الوحيدة لإيصال وتبادل الرسائل، وحصرياً بين بعض الوزراء وممثلي الإخوان المسلمين في مجلس النواب الجديد، وعددهم 6 نواب على الأكثر مع ثلاثة حلفاء لهم.
ودون تلك العلاقة، لا يوجد متسع مكاني لأي «اتصال خاص ومباشر» مع مركز القرار، حتى ولو تحت عنوان «التباحث» في الشأن الوطني والتأسيس لـ «كيمياء ما» على أساس التبرير الذي قدمه الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة، للمشاركة في الانتخابات الأخيرة، وهو «الأردن مستهدف، والحفاظ على المؤسسات الدستورية استثنائي الأهمية».

السلطة لن تتسامح في استعمال «خاصرة المعلمين»

عملياً، أوضح عدة مرات لـ «القدس العربي» أن وجود «تمثيل للإسلاميين» في الانتخابات ليست المسألة الأهم بكل الاحوال، فعلى المحك مصالح الوطن العليا والأساسية. وعلى المحك عملية إصلاح نموذجية وشاملة ووطنية وأفقية تتطلبها الاحتياجات الموضوعية لكل الأردنيين، على حد تعبير الدكتور رامي العياصرة، أمين السر الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين، الذي زار مكتب «القدس العربي» مهتماً بالتحدث عن «حوار وطني منتج وفعال» يشكل احتياجاً ملحاً للغاية، وعلى أساس «شراكة الجميع» ليس بالعملية السياسية فقط لكن بالمسئولية الوطنية. عملياً، هذا النمط من التفكير والشعار بعناوين «المصلحة الوطنية» يعكس «منتجاً للإسلاميين» لا أحد يريد الإصغاء إليه في هرم السلطة الرسمية، الأمر الذي يفسر إغلاق قنوات التواصل، وعلى أكثر من جبهة، بين المؤسسات السيادية وقيادات الحركة الإسلامية وتحديداً المعتدلة أو «المتعاونة منها» مما يؤسس لنظرة مستقرة أكثر في المسار السياسي العملياتي قوامه الفكرة التي تقول فيها السلطات للإسلاميين: «حسناً.. لا دلال خاص.. والعمل بمستوى حجمكم الحالي في البرلمان». كانت «القدس العربي» قد سمعت مثل هذا الطرح من وزير الداخلية الأسبق سلامة حماد، في بدايات أزمة حراك المعلمين.
وإغلاق قنوات «التواصل المرجعية» جزء من تلك الاستراتيجية، حيث قبلت مؤسسات التيار الإسلامي المشاركة في الانتخابات الأخيرة وإضفاء الشرعية على هندستها، وبالنتيجة القبول بـ»الحصة» التي أفرزتها من مقاعد التمثيل البرلماني. وحتى اللحظة، وبعد فعاليات الهندسة الشهيرة للانتخابات النيابية الأخيرة، لا يجد الإسلاميون طريقة من أي صنف لتشكيل كتلة حقيقية ونظامية تحت قبة البرلمان، ولا أحد حتى اللحظة يرغب من تيارات الوسط في الاقتراب منهم أو العمل معهم.
رغم ذلك، وفي انتخابات اللجان التشريعية، نجح الإسلاميون في خطف ثلاثة مقاعد في ثلاث لجان، كما أبلغ «القدس العربي» القطب البرلماني صالح العرموطي، بعد شيوع قصة الإقصاء التي تعرض لها الأخير من اللجنة المعنية بالتشريع القانوني. لكن في الأثناء، عاد ملف «نقابة المعلمين» للتدحرج سياسياً وإعلامياً، وهذه المرة «قضائياً» أيضاً، فالاعتقاد راسخ وسط بعض الوزراء وفي عمق المطبخ السياسي والبصمة الأمنية بأن الفرصة متاحة جداً لتغيير «قواعد اللعبة» مرحلياً، بمعنى تقليم أظافر التأثير الإسلامي الحزبي في عمق نقابة المعلمين.
المقايضة في هذا السياق من النوع اللعوب، وتنضج على أساس «إخراج الإسلاميين» في المرحلة الأولى من التحكم والسيطرة في غرفة عمليات نقابة المعلمين مقابل إنصاف الهيئة العامة للمعلمين في القطاع العام، والتي تشكل «وقوداً» لأي محاولات تصعيد في الشارع. بمعنى آخر، لاحظ الجميع أن مسألة «قانونية إجراءات» مجلس نقابة المعلمين الحالي تصاعدت بالتوازي مع إقرار الحكومة علناً لإجراءات إعادة العلاوات التي شطبت عن جميع موظفي القطاع العام مع بداية العام الجديد وبصيغة يفترض أن تحرم مجلس النقابة الحالي، ولاحقاً أي مجلس قادم، من فرصة الاستثمار في مسألة «العلاوة».
كلفة المواجهة هنا سياسياً وقانونياً دفعها الإسلاميون في مجلس النقابة دون ضمانات بأن «البدلاء» عنهم أو الآخرين في قيادة حراك المعلمين «أقل تطرفاً». لكن الظروف لا تزال معقدة، ومحكمة البداية قررت «حل مجلس النقابة» وعقوبة السجن لعام بحق أعضاء مجلسها.
تلك، بعيداً عن المقتضى القضائي، رسالة أيضاً يفترض أن يقرأها الإسلاميون على أساس أن الضغط من أعمق نقاط «القطاع العام» الآن وتحقيق مكاسب سياسية على هذا الأساس، ثم العودة للشارع من «خاصرة المعلمين» اعتبارات «محظورة تماماً» اليوم، ويرفع في وجهها «فيتو» من كل الأحجام.
هنا تأكيد على التصور المرجعي والبيروقراطي الذي يرى أن التيار الإسلامي في مسألة نقابة المعلمين لعب بورقة «الشارع والقطاع العام» بنحوغير مسبوق، وتجاوز بعض الخطوط الحمراء، وهو تصور لا ينقصه عملياً إلا الأدلة الحقيقية ومناقشته بعيداً عن منطق «أخونة» حراك المعلمين أصلاً قبل شيطنته.
يمكن طبعاً لفتح قنوات الحوار الخاصة تبديد المناخ السام وتفتيت علبة الاتهامات المتبادلة، لكن ما تستطيع «القدس العربي» التوثق منه حتى اللحظة على الأقل أن رغبات «اللقاء والمصافحة» مع الإسلاميين خارج البرلمان أقفل الباب في وجهها بالتزامن مع حسم مصير نقابة المعلمين عبر السلطة القضائية المستقلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى