اراء و مقالات

بوادر «أزمة مجتمعية» في الأردن بسبب «معدل الجرائم الإلكترونية»

عمان – «القدس العربي»: أزمة مجتمعية جديدة تلوح بوادرها في الأفق الأردني وتشبه إلى حد بعيد أزمة نقابة المعلمين التي لا تزال البلاد عالقة فيها عشية إرسال الحكومة لقانون جديد يختص بالجرائم الإلكترونية أثار الجدل بطريقة عاصفة بعد أن تبين أن الحكومة وخلافاً للعادة، أبقته طي الكتمان والسرية في مسودة قبل نشره والإفراج عن المسودة في اللحظات الأخيرة بالتزامن مع إرساله لمجلس النواب.
القانون الجديد فتح المجال فجأة أمام كل تعبيرات الاحتقان السياسي والتشريعي، وأنذر بعودة لغة الملتقيات والهيئات والبيانات شديدة اللهجة. ولا يتعلق الأمر بالجدل الذي يثيره القانون المعدل للجرائم الإلكترونية اليوم في الأردن بقدر ما يتعلق بالتداعيات والتدحرجات الحادة التي حصلت بمجرد الإعلان عن إرساله لمجلس النواب ونشر بعض نصوصه التي أرعبت وأقلقت كل نشطاء الحريات العامة وحقوق التعبير. كما دلت على أن البلاد بسبب هذا القانون والعقوبات المغلظة جداً فيه ووجود نصوص تعتبر سوابق بالتشدد وغير مبررة، تتجه مجدداً نحو الأحكام العرفية.
وهذا الانطباع رسمته الأمينة العامة لحزب العمال الأردني الدكتورة رولا الحروب، وتبناه أيضاً الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي المعارض علناً، فيما بدا واضحاً للعيان والمراقبين أن قوى الأوساط الحزبية الوسطية والجديدة لم تقل كلمتها بالقانون الجديد الذي أثار عاصفة من التداعيات باستثناء حضور ممثلين لنحو 12 حزباً فقط من أصل 29 من أحزاب المنظومة لاجتماع تشاوري عصر الأربعاء بدعوة من حزب العمال.
البلاد في مواجهة نشاط محتمل للحراك الشعبي وعودة للبيانات الحادة، ومثّل ذلك البيان الذي أصدرته نحو 1500 شخصية أمس الأول تفاعلاً مع مقتضيات ومتطلبات المعدل الجديد للجرائم الإلكترونية. واللافت جداً للنظر أن القانون الجديد يجعل منصات التواصل الاجتماعي التي تعتبر أساسية جداً في ذهن الأردنيين وممارساتهم وسلوكهم ويومهم أصبحت ضمن ولاية القانون الجديد. والحديث هنا عن تكميم أفواه نحو 10 ملايين حساب شخصي منصاتي، وفق المختص باسل العكور.
وهذا يعني أن قضية مجتمعية تطرحها الحكومة وتضع مسودة قانون لها خلف الستائر كما يقول الناشط الحقوقي البارز عاصم العمري، هي في طريقها للتحول إلى أزمة مجتمعية، حيث يتوقع العمري أن مثل هذا القانون بالصيغة التي سن بها أو أرسل فيها للنواب في البيئة والمناخ اللذين رافقا إنتاجه خلف الستائر، بدلاً من أن يحتوي مشكلة مجتمعية لها علاقة بالمجتمع وسلوكه في التعبير سيتسبب بأزمة مجتمعية بامتياز. ووصف الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي مراد عضايلة، في اجتماع تشاوري حضرته “القدس العربي” القانون بأنه “وصفة للتفجير المجتمعي”.
واضح تماماً أن ملامح تلك الأزمة بادية للعيان؛ فقد ظهر للمراقبين بأن أعضاء مجلس النواب وتحديداً اللجنة القانونية، أصبحوا في موقف دفاعي بمجرد تقبلهم للتشريع الجديد وعدم اتخاذ قرار برده، فيما بدأت تتسرب تلك السوابق في النصوص التي تتحدث عن عقوبات وغرامات مالية غير مسبوقة وعن اعتبار التعليقات على المنصات التواصلية والصفحات الشخصية جزءاً من مخالفة القانون، إضافة إلى عقوبات الحبس الافتراضي قبل حتى التحقيق مع النيابة وإقرار واعتماد عقوبة التوقيف، وكل تلك وغيرها كانت أقرب إلى نصوص مقيدة للحريات العامة.
عملية التشريع وسن القوانين في الأردن -وفقاً للعمري وغيره- أصبحت مرهقة إلى حد بعيد، وبدلاً من أن تحوي أزمات اجتماعية، تتسبب في تأزيم المجتمع. ويمكن تلمس ذلك التأزيم في الإثارة التي أنتجها التشريع الجديد بمجرد الإعلان عن إرساله لمجلس النواب، والذي بادرت لجنته القانونية للإصغاء إلى ردود الفعل هنا وهناك، فيما صرحت نقابة الصحافيين أنها لم تكن جزءاً من أي حوار مسبق حول هذا القانون، وأن فيه العديد من النصوص الماسة بحريات التعبير. وفي الأثناء، دعا التيار الإسلامي لتشكيل الملتقى الوطني للتصدي لقانون الجرائم الإلكترونية، فيما انتهت مشاورات مبادرة حزب العمال بتشكيل هيئة تنسيق لجبهة وطنية عريضة ترفع شعار إسقاط القانون ودفع الحكومة لسحبه.
وبدأ الجمهور يصف القانون بأنه عودة مبطنة للأحكام العرفية عشية الانتخابات البرلمانية المقبلة، فيما لا تقدم الحكومة حتى اللحظة رواية واحدة صلبة ومحكمة تفسر خلفيات أو دوافع القانون الجديد، ولا أهداف الطريقة التي صاغته فيها بعيداً عن الكواليس وبدون اللجوء إلى بيوت الخبرة، وبدون حتى الشراكة والحوار مع
المؤسسات المعنية بالتشريعات الإعلامية.
المجتمع المدني في الاتجاه المعاكس لقانون الحكومة الجديد. ومجلس النواب أصبح تحت ضغط القوى المناهضة للعبور والتمرير بتشريع يقيد الحريات العامة ويجلد بالسياط ظهور الأردنيين الذين يعانون الأمرّين من واقع معيشي صعب، ولا يستطيعون بموجب النصوص الجديدة الإدلاء بأي تعليق ناقد، فيما مصطلحات مطاطة تضرب على الأوتار الحساسة في النصوص، وفي الوقت نفسه عودة للاجتماعات التشاورية التي تضم أقطاباً في المعارضة المستقلة وشخصيات مناكفة، إضافة إلى مئات النشطاء الحراكيين، حيث يستدعي معدل قانون الجرائم الإلكترونية
أسوأ ما في الجو العام من فعاليات حراكية. والسبب على الأرجح عدم حصول ترتيبات حوارية مقنعة قبل التحول على مسار هذا القانون.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى