اراء و مقالاتمقالات وآراء

مداهمات الضريبة وجع الأردن الجديد

لا يحتاج الأمر لـ”مدرعة مسلحة” و”لا يحتاج لقوات أمن ملثمة”.

تلك العبارة هي التي يقف عندها رجل أعمال ومقاول أردني استوقف “القدس العربي” في أحد مطاعم العاصمة عمان ليتحدث عن المداهمات الضريبية الأخيرة.

 لدى المقاول اسامة مدانات وجهة نظر لها علاقة ليس بالتنفيذ الحرفي الدقيق للتعليمات، ولكن بتلك السيكولوجيا التي يتم توارثها وتؤسس لنمط مما اعتاد عليه الأردنيون ليس فقط في المجتمع ولكن أيضا في قطاع المال والأعمال والمقاولات.

يقر مدانات بان التهرب الضريبي ظاهرة محلية لكنها كونية أيضا، فهي مرافقة دوما لمسيرة الحياة الاقتصادية وموجودة ولا أحد ينكرها ولا يمكن إنكار أي محاولة للدولة لاستعادة الضرائب التي ينص عليها القانون.

 لكن المسألة تتعلق بالأسلوب والطريقة حيث يمكن للتحفظ أن يسيء للدورة الاقتصادية أكثر بكثير من مكاسب استعادة أموال الضريبة، وحيث توجد أنماط وسلوكيات من التفاهم والتناقش وحتى التراسل والتقاضي بين أذرع السلطة والمؤسسات من جهة والمكلفين ضريبيا.

 يرفض المقاول مدانات لغة التسريب والتشهير ويرفض الدفاع أيضا عن التهرب الضريبي أو تبريره، ويصر على أن وصول وزارة المالية للنتائج المرجوة ممكن بعد وسائل قد لا يكون من بينها مشاهدة طاقم مدققين يقتحم بوجود مدرعات ومسلحين.

 وجهة نظر مدانات أن ذلك مشهد كان يمكن الاستغناء عنه ولا مبرر له خصوصا في مجتمع كالأردن بسيط وواضح ومنتمي للوطن والدولة، وأكثر ما يقلق في شكل وصيغة المداهمات وليس فكرتها ومضمونها هو أن صانع القرار كان عليه دوما الانتباه للرسائل السلبية التي يمكن أن تنتج عن الشكل.

يحاجج كثيرون اليوم في الأردن بأن الصبغة البوليسية في المداهمات الضريبية تخيف وتقلق رجال المال والأعمال.

 ويحاجج الخبير الاقتصادي محمد الحلايقة بأن استعادة وتحصيل الحقوق الضريبية للدولة لا خلاف عليها لكن ينبغي لكل أطراف المعادلة ان تنتبه لضرورة أن لا يتحول كل رجل أعمال إلى مشتبه به.

 في اشتباك حواري آخر مع “القدس العربي” قدم المستشار الاقتصادي السابق في رئاسة الوزراء والديوان الملكي محمد الرواشدة تصورا لما يمكن وصفه بخطوات شفافة أكثر ومنتجة عندما يتعلق الأمر بجدل الضريبة.

يقدر الرواشدة أن تحديد حجم التهرب الضريبي والجهات المتهربة عند ثبوتها بالأردن ومن جهة رسمية حقوقية خطوة ضرورية، فيما الامتناع عن مفهوم المداهمة خطوة ضرورية أخرى لأنها تسيء إلى سمعة الاقتصاد الوطني وتؤثر على أصحاب رؤوس الأموال سواء الحالية أم القادمة.

 ويتخندق الرواشدة حول فكرة أهمية المكاشفة بعد التدقيق الضريبي فيما يتعلق بحجم الأموال التي تم تحصيلها من المتهربين بتحديد كيفية استخدامها حتى يشعر المواطن بارتياح.

ويلفت الرواشدة مع آخرين النظر إلى ما تفعله غالبا الدول المتقدمة حيث تستخدم أموال الضرائب في تقديم رعاية صحية وبنية تحتية، الأمر الذي يحقق معدلات استرخاء لدى الجمهور خصوصا وان العبء الضريبي على الفرد الأردني يصل إلى 28 في المئة وهو مرتفع جدا بدون وجود خدمات حقيقية بالمقابل.

تلك مفارقة يؤشر عليها الرواشدة لكن “القدس العربي” سبق أن سألت مباشرة وزير المالية الدكتور محمد العسعس عنها، حيث أشار إلى أهمية التلازم بين رفع كفاءة التحصيل الضريبي وبين نظام الخدمات الذي تقدمه الدولة للفرد والمواطن موافقا على الاستنتاج بان الالتزام الضريبي الطوعي والوطني ينبغي أن يرافقه فارق كبير في تحسين مستوى الخدمات في القطاع العام.

 وهو الأمر الذي كان قد انتبه له مبكرا رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز الذي وضع سلسلة مصفوفات لأغراض رفع مستوى وتحسين الخدمات العامة وحتى عندما قابلته “القدس العربي” مرتين كان يعتبر تحسين القطاع العام المهمة الأساسية التي تشغله.

 لكن المداهمات الأخيرة المثيرة للجدل قد لا ترتبط مباشرة بمعادلة الخدمة بدل الضريبة، فغالبية من شملتهم تلك المداهمات من حيتان السوق لديهم أصلا فائضا من الخدمات ولا يحتاجون القطاع العام. وغالبية هؤلاء في الواقع السياسي توفرت لديهم خدمات خلف الستار عبر سلسلة من التسهيلات التي قدمتها الدولة أصلا لازدهار ونمو أرباحهم وأموالهم قبل إظهار أو مطاردة ملامح التهرب الضريبي.

لا يزال الطابع السياسي رغم نفي الحكومة يشعل النقاش ويشغل الرأي العام الأردني الذي قرا بأكثر من صيغة رسائل المداهمات الأمنية الأخيرة تحت العنوان الضريبي، حيث رهان من الحكومة في تحصيل ردع يعزز ثقافة دفع الضريبة ويمنع التهرب.

لكن بالمقابل يؤشر رموز القطاع الخاص وحتى بعض السياسيين على أن الإجراءات في بعدها الأمني قد تؤدي للتوازي إذا ما استمرت على منوالها الأخير إلى إخافة القطاع الخاص وإقلاق المستثمرين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى