اراء و مقالات

الأردن و«حماس»: حبال الود لا مقطوعة ولا موصولة… ولماذا استذكر الروابدة «الماضي»؟

ملاطفة على إيقاع «سيف القدس»

عمان – «القدس العربي» : قائمة الدول التي تغضب وتحتقن إذا ما تحرك الموقف الرسمي الأردني جدياً نحو علاقات رسمية ولو شبه طبيعية مع حركة حماس، طويلة.
تعرف عمان ويعرف معها قادة حركة حماس بأن الرهان على انفتاح سياسي رسمي بين الجانبين في وقت قريب، ليس في مكانه بالرغم من بعض مؤشرات الانفراج الثنائية على مستوى التواصل والاتصالات، وبالرغم من سعي قيادة حماس بكل الوسائل واللهجات لتوجيه رسائل مودة تجاه الأردن قيادة وشعباً.
لا أحد يمكنه معرفة الأسباب التي تدفع سياساً كبيراً مثل عبد الرؤوف الروابدة، للعودة بأثر رجعي على هامش نقاشات تشتبك مجدداً بملف الإسلام السياسي إلى مرحلة بداية القطيعة مع حركة حماس قبل نحو 20 عاماً بإغلاق مكاتبها وإبعاد قادتها، بما في ذلك أردنيون، منهم مخفورون.

مبادرات غامضة

مؤخراً، أعلن الروابدة تمسكه بموقفه القديم من حركة حماس، وأبلغ رداً على استفسارات تطرح أمامه في غالبية جلسات الحوار، بأنه مسؤول شخصياً عن تلك القرارات، وبأنه اتخذها عندما كان رئيساً للحكومة.
مداخلة الروابدة تسهم مع كتاب آخر صدر حديثاً بتوقيع منشق سابق عن الإخوان المسلمين، مستجدين ساهما في نفض غبار عن ملف قديم، لا الأردني الرسمي ولا حتى حركة حماس معنية بالجدل حوله أو فتحه الآن.

ملاطفة على إيقاع «سيف القدس»

فقط من باب الانطباع يمكن القول بمبادرات غامضة على المستوى الفردي عند أي شخص أردني يقرر فجأة الإساءة لحركة حماس أو تشويه مسيرتها أو التعامل معها باعتبارها خصماً للدولة الأردنية، رغم أنها لن تكون يوماً كذلك ولم تكن، وفقاً لما سمعته «القدس العربي» مباشرة من رئيس مكتبها السياسي الشيخ إسماعيل هنية، في إسطنبول.
في كل حال، يمكن القول بأن محاولة شغب مرصودة تحاول إعاقة سيناريو يحتمل أو أصبح بعد الآن يحتمل تأسيس بعض أحبال الود الخفيفة بين عمان وحركة حماس، وهي بالمعنى السياسي لا مقطوعة ولا موصولة.
تلك معطيات تقديرية حتى الآن قابلة للفحص والاختبار، مع أن قيادات بارزة في المجتمع الأردني بدأت وفي كل الأروقة تسأل وتستفسر عن سر النص الذي يلغي من حساباته ممثلي نصف الشعب الفلسطيني على الأقل، كما يلاحظ السياسي الإسلامي مروان الفاعوري، وهو يتحدث عن صعوبة فهم ميزان الاتصال والمصالح بالنسبة لحكومة بلاده.
الفاعوري، كما فهمت «القدس العربي» هو من بين نخب كثيرة في عمان تستغرب بقاء التواصل الرسمي مع حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية في حالة جمود، وحتى الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة تحدث عن حسابات مصلحية دقيقة لحماية الوطن الأردني من أي سيناريو إسرائيلي أو غير إسرائيلي عبر ضرورة الانفتاح على المقاومة، وحماس باعتبارها حقيقة واقعية – سياسياً وقانونياً وشرعياً – هي الآن في عمق المعادلة الفلسطينية.
الشغب على حركة حماس في عمان له أنصار ومريدون في طبيعة الحال، وهو شغب يتنشط فجأة أملاً على الأرجح في احتواء حالة انفتاح نسبية صغيرة بين بعض قادة الحركة والمستوى الأمني الأردني، برزت بعد معركة سيف القدس أو سعياً في ملاطفة تلك الغريزة السياسية التي لا يزال يحتفظ بها بعض صناع القرار في الأردن ضد حماس تجنباً للمزالق والمفاجآت.
لكن عمان ومع استمرار القطيعة وحساباتها، تخسر ورقة مهمة في القضية الفلسطينية ينافس عليها المصريون بحماسة، وتخسر دوراً كان يمكن أن تقوم به ويؤسس لها مساحات مناورة على أكثر من جبهة وصعيد، فالبقاء في حالة رهان على سلطة رام الله حصرياً لم يعد منتجاً بالنسبة لمنظومة المصالح الأردنية في العمق الفلسطيني، وإبقاء حماس في حالة إقصاء رسمية رغم سلسلة طويلة من ملاطفاتها ورسائلها أمر أصبح من الصعب الدفاع دوماً عنه.
الليبراليون البراغماتيون من أطقم الاستشارة في الأردن يشيرون إلى قائمة تضم 7 دول على الأقل وأنظمة وحكومات قد تلجأ إلى مضايقة الأردن إذا ما قرر الانفتاح على حماس بأي لحظة، وليس سراً وسط الأوساط السياسية والبيروقراطية الأردنية بأن تلك القائمة على رأسها الإمارات ومصر، وفي وسطها السعودية والبحرين، وفي خاتمتها وفي أخطرها إسرائيل والسلطة الفلسطينية بمعية الإدارة الأمريكية.

شكر للمقاومة… ولكن!

حتى في الوسط القيادي الحمساوي إدراك مسبق لحساسية التموقع الأردني وسعي مبرمج لتجنب الإحراج، وإن كانت بعض المعطيات في التواصل أفضل من أي وقت مضى مرحلياً على الأقل، وفيها كثير من الاختبارات، خصوصاً بعدما تمكن مئات الأردنيين من رؤية الشيخ هنية بمعية خالد مشعل معاً في شوارع عمان، وإن كانت اللافتة إنسانية ولها علاقة حصرياً بتشييع جثمان الراحل إبراهيم غوشة.
الموافقة أصلاً على حضور مشعل وهنية معاً في مراسم تشييع غوشة نظر إليها بارتياح شديد، واعتبرت خطوة إلى الأمام في قاموس بعض قادة حماس، وإن كانت خطوة لا تكفي، بقاموس بعض القيادات الأردنية التي تنتقد علناً وفي عدة مناسبات بقاء الأردن في الاتصال والتنسيق محشوراً في زاوية سلطة رام الله فقط، لا بل تدعو وتحت قبة البرلمان الأردني إلى احترام مشاعر واتجاهات الشعب الأردني، وإقامة صلات رسمية مع قادة وفصائل المقاومة.
أمام «القدس العربي» اعتبر القطب البرلماني صالح العرموطي تلك خطوة ضرورية ومهمة ليس لحماية الهوية الوطنية الأردنية فقط، ولكن أيضاً لحماية مصالح الدولة الأردنية إذا تعقل القوم.
وبمعرفة «القدس العربي» شدد القطب البرلماني خليل عطية مرات عدة على تقديم الشكر لقيادة المقاومة بعد تعهد مشعل وهنية العلني في رسائل وصلت، بأن تشمل صفقة الأسرى -إذا أنجزتها حماس- أبناء الشعب الأردني المسجونين في قبضة الاحتلال. وعودة افتتاح مكاتب لحماس في الأردن مسألة صعبة، وأغلب التقدير أنها مؤجلة إلى وقت غير منظور، وهي غير مطروحة الآن حتى وإن كانت تشكل مطلباً شعبياً للمواطن الأردني، والجميع يعرف بأن بيئة التواصل والمراجعة بين حماس والمنظومة الأمنية تحسنت قليلاً مؤخراً.
لكن المستوى السياسي والمرجعي لا يزال بقيد الانتظار والترقب والتردد تجنباً لما يمكن أن تتسبب به مصالحة رسمية مع حماس بعد قرارات الروابدة المستمرة لعقدين بكمائن وكلف وفواتير صعبة.
وأغلب التقدير أن بعض الانفتاح الأمني نتج عن قراءة واعية وعميقة للمشهد الداخلي الأردني وانحيازاته واتجاهاته أثناء التفاعل مع معركة سيف القدس، حيث ممثلون لأكثر من 20 قبيلة وعشيرة أردنية آنذاك تجمعوا واحتشدوا وهتفوا للقائد محمد ضيف، وتبنى بعضهم فلسفة الزحف على الحدود المحتلة، وحيث هتافات لصالح المقاومة وكتائب القسام وصواريخها من مواطنين عاديين جداً لا علاقة لهم بأي تنظيم سياسي في وسط غرب العاصمة وأمام مسجد الجامعة الأردنية، عندما شيع الآلاف جنازة المرحوم إبراهيم غوشة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى