اراء و مقالات

ملف «تسمم غاز العقبة» في الأردن… وبدء «التلاوم البيروقراطي»: «تصفية حسابات» إدارية و«تعليق» لبند «المسؤولية السياسية»

عمان- «القدس العربي» : ظهرت فوراً بمجرد اتخاذ الحكومة الأردنية لقرارات وإجراءات محددة مساء الأحد بخصوص حادثة تسمم الغاز في مدينة العقبة، مؤشرات الاحتقان بين النخب البيروقراطية، وأيضاً مؤشرات تصفية الحسابات، إن جاز التعبير، خصوصاً أن القرارات التي أعلنها رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة طالت موظفين من الشريحة الأولى في إدارة سلطة إقليم العقبة والمدينة دون أن تطال القيادة السياسية عملياً لسلطة الإقليم، والتي لم يظهر منها حتى اللحظة أي تعليق على مسار الأحداث، الأمر الذي يؤشر على بروز إشكالات أخرى قريباً على الأرجح، قوامها بيروقراطي مادام التحقيق القانوني والجنائي مستمراً، وملف القضية بكامله، والذي أحاله الخصاونة إلى النائب العام أو النيابة، ما يعني ظهور المزيد من العودة إلى ظاهرة التلاوم البيروقراطي وتحميل المسؤوليات هنا وهناك، خصوصاً أن العقوبات الإدارية، بمعنى إنهاء الخدمات، طالت موظفين كبيرين في المدينة وبعض الموظفين الصغار، لكنها لم تطل القيادة الأساسية.

ردود الفعل

الاعتقاد بدأ مبكراً وفي سياق ردود الفعل على مستوى الشارع بأن تلك الإجراءات التي اتخذتها الحكومة بعد حادثة تسمم الغاز في العقبة وعقب عشرة أيام تقريباً من وقوع الحادثة مع ضحايا وخسائر كبيرة وفادحة بالأرواح، لا تزال قاصرة عن التعاطي مع التداعيات. ويتكرس الانطباع بحالة تصفية حسابات سياسية من الطبيعي والمألوف أن يعقبها تصفية حساب بيروقراطية ما دامت العقوبات أو الإجراءات الإدارية المتخذة حتى الآن ليست أفقية. بمعنى، لا تبدأ من الهرم الوظيفي الأعلى، بل تذهب أو تتخصص بأن تطال نخبة من موظفي الميدان وليس موظفي السلطة، وكانت الحكومة قد قررت إنهاء عقد مدير مؤسسة الموانئ ومدير الهيئة البحرية دون أي تتطرق في التقرير الذي أعلن تفاصيله بعد ترؤسه للجنة التحقيق وزير الداخلية مازن الفراية، إلى المسؤولية السياسية والأدبية؛ بمعنى كبار مسؤولي ومفوضي سلطة إقليم العقبة الذين يديرون إدارياً وبيروقراطياً بقية العمليات في مؤسسات المدينة.
يعني ذلك، عملياً وسياسياً، أن الحكومة ما دامت كلفت ملكياً بإجراء التحقيق وتحديد مظاهر القصور والكسل -وهي تعبيرات وردت على لسان الملك عبد الله الثاني شخصياً في توجيهاته وأوامره للحكومة- قررت ضمنياً تجميد أو تعليق مبدأ المسؤولية السياسية والأدبية، والتي لا يتم تحميلها حتى الآن لأي مسؤول بارز في سلطة إقليم العقبة. واتخذت هذه القرارات بعد ما اعتبر وزير الداخلية الفراية بأن التحقيقات الأولية أوضحت بشكل مفصل بأن المتهم الرئيسي هو حبل السلك الحديدي الذي زودت به رافعة حملت صهريج الغاز لشحنه على إحدى السفن.
لكن ذلك الاتهام انتهى بإنهاء عقد مديرين للهيئة البحرية والموانئ وإقرار عقوبات إدارية بحق سلسلة صغيرة من الموظفين، والمعنى هنا عدم وجود أو وجوب اتخاذ الحكومة لخطوة لها علاقة بالمسؤولية الأدبية، لا على مستوى كبار موظفي مفوضية سلطة إقليم العقبة ولا على مستوى الطاقم الوزاري، وهو أمر تلمسه السياسيون والنقابيون النشطاء فوراً عبر منصات التواصل وقد يتحول إلى «كمين سياسي».
لكنه يعني، أو يعني لاحقاً الكثير؛ بمعنى أن مبدأ المسؤولية السياسية والأدبية يترك لصاحب القرار والشأن، ولا تتدخل به الحكومة باعتبارها المسؤول عن سلطة إقليم العقبة برمتها وصاحبة الولاية، ولم يعرف بعد ما إذا كان ذلك سيعني لاحقاً إحداث تغييرات في الهيكل الإداري الأكبر لسلطة الإقليم.

تركيز على البيروقراطيين

وهنا حصرياً، لاحظ الجميع بوضوح أن الإجراءات والعقبات تجاوزت المستوى السياسي البيروقراطي، وركزت على البيروقراطيين في الميدان، مما دفع بصورة مبكرة مدير مؤسسة الموانئ المنهي عقده عملياً الآن خالد المعايطة، لإصدار تصريحات مبكرة يوجه فيها ضمنياً الاتهام لسلطة إقليم العقبة، مشيراً إلى أنه طلب عقد دورات متخصصة بإجراءات الأمن والسلامة في الميناء للموظفين، لكن السلطة الأعلى منه رفضت بسبب عدم وجود مخصصات مالية، ونقَل المعايطة عن رئيس سلطة إقليم العقبة هنا قوله له بأن مسألة إجراءات السلامة ليست مهمة الآن، وهي طبعاً رواية من الصعب تأكيدها أو التوثق منها ما بقيت السلطة صامتة حتى الآن.
لكن تقرير الفراية يقول بعكس ذلك، ويتهم إدارة الميناء بعدم اتباع بروتوكول إجراءات السلامة المعتادة، حيث تم تحميل صهريج غاز على سلك أضعف بثلاث مرات من قوة تحمله، وهي مسألة فنية بحتة يعرفها الجميع الآن. وفي كل حال، أغلب التقدير أن المعايطة قرر توجيه الاتهام، ولا يريد أن يكون ضحية وحده لحادث تسمم العقبة، وذلك قد ينعكس لاحقاً على رئيس الهيئة البحرية، خصوصاً أن نقابيين بارزين ومن بينهم الناشط النقابي ميسرة ملص، أعادوا التذكير بأن تلك الإجراءات لا تكفي، وبأن المطلوب تحميل رؤوس كبيرة المسؤولية السياسية عما وصفه وزير الداخلية بالترهل الملحوظ وهو ترهل اتضح بإقرار الحكومة هذه المرة أنه يحصل في مدينة حساسة ومهمة، فيها الميناء الوحيد للمملكة.
ثم سارع القيادي في جبهة العمل الإسلامي خالد الجهني، وهو من أبناء مدينة العقبة بالمناسبة، إلى تلاوم سياسي الطابع من طراز آخر بعد ما ظهر وهو يسجل رداً على أسئلة تحدث خلالها عن وجود وثائق لديه تدعم الترهل، إضافة إلى توثيقات تثبت بأن شحنات غاز الكلور ترسل إلى العدو الإسرائيلي، وهي مسألة خارج سياق النقاشات في بعدها الجنائي.
عموماً، التحقيقات لدى النيابة الآن لم تنته بعد، لكن في عهدة الطاقم الوزاري ورئيس الوزراء فإن مسألة أو جزئية المسؤولية الأدبية التي تم إبعادها حتى الآن عن السياق العام على اعتبار أن ما حصل هو حادث ليس أكثر، مرتبطة بضعف إجراءات السلامة، وهذا الضعف تقع مسؤوليته عند موظفين كبيرين حصراً هما مدير مؤسسة الموانئ المباشر، ورئيس الهيئة البحرية الذي ينبغي أن يراقب الالتزام بالإجراءات المتعلقة بالسلامة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى