اراء و مقالات

الأردن: حائر في «الدور والجغرافيا» وخلافات «الخليجي» تتحول إلى «عبء وأزمة»

«مكابح» أمريكية منعت «الوصال» مع الأسد

عمان – «القدس العربي»: الفارق سياسا وإعلاميا واضح بين الاستسلام لتوقيت يتحدث فيه الآخرون عن الأردن في الدور والوظيفة والمصالح في سياق الجغرافيا الإقليمية فقط وبين الاسترسال في الحديث عن صراعات إقليمية تؤثر على مسار البوصلة الأردنية وتعبث ببعض الأوراق ومن باب إلقاء العبء على طرف خارجي.

«مكابح» أمريكية منعت «الوصال» مع الأسد

يبدو أن المحظور عندما يتعلق الأمر بتناقضات صراعات مراكز القوى الإقليمية وانعكاساتها على الساحة الأردنية تحديدا لا بل على الخيارات أحيانا حصل أو يحصل حاليا. وهو ما تهمس به نخبة من كبار السياسيين واللاعبين وحتى المسؤولين في الحكومة الأردنية هذه الأيام حيث الانطباع قوي وبدأ يخرج من الغرف المغلقة في اتجاه التعبير عن سلسلة من التحفظات وفي سياق تبريري في بعض الأحيان.
والعنوان المقصود هنا التحدث عن الخلافات حصريا في «النادي الخليجي وانعكاس تلك الخلافات على سلسلة من التنافسات على المصالح والمواقف الأردنية في الوقت الذي يدرك فيه الجميع بأن الأردن في الجزء المتعلق بواحدة من أهم العلاقات والمشاورات والاتصالات له إقليميا وهو الجزء الإسرائيلي في المشهد يبدو أنه يسير في اتجاه حالة يحتاج فيها الآخر بعدما كان طوال الوقت جسرا أساسيا وعازلا بين بعض دول الخليج أو أغلب دول الخليج وبين الإسرائيليين.
مجددا وفي المعطى الإقليمي قالها مبكرا وعدة مرات وعلى هامش نقاش مباشر مع «القدس العربي» الخبير في السياسة الدولية والأمريكية ووزير البلاط الأردني الأسبق الدكتور مروان المعشر وهو يشير إلى أن الحاجة دوما ملحة لإعادة الاعتبار للمطبخ السياسي الوطني ووضع مقاربات ذاتية من الطراز الذي يمنع الاستسلام لما يقرره أو يوصي به الآخرون. طوال الوقت المعشر بقي صلبا وهو يدفع في اتجاه العمل والجهد العميق على الداخل وعلى الملف الاقتصادي حتى لا تصبح اعتبارات الانحيازات والاتجاهات الإقليمية هي التي تقود البوصلة الأردنية.
المقاربة نفسها سمعتها «القدس العربي» أيضا من سياسي عتيق يعتزل الأضواء تماما الآن من وزن الرئيس طاهر المصري حيث العنوان الأبرز هو كيفية إدارة بوصلة المصالح الأردنية في ظل المستجدات والمتغيرات المقلقة جدا التي تجتاح المنطقة والإقليم. المصري مؤخرا تحدث حتى في غرف مغلقة عن ضرورة «التصرف وطنيا» لأن المتغير الدولي والإقليمي سريع وحساس وخطر. حذر كثير من الخبراء في الماضي القريب بعد ملاحظة النمو السريع للعلاقات في إطار التمحور وإعادة التموقع مع دول خليجية محددة مثل الإمارات من دفع كلفة حالة التمحور لاحقا. ودفع المصري وقبله ومعه سياسيون آخرون من بينهم رئيس الوزراء الحالي الدكتور بشر الخصاونة ورئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية سمير الرفاعي في اتجاه العودة لمربع التنويع في الخيارات التحالفية والتحدث مع جميع الأطراف ومن المسافة نفسها. وهو أمر لا يبدو أنه يحصل الآن خصوصا وأن هامش المناورة أمام وزير الخارجية الأردني النشط والديناميكي أيمن الصفدي يبدو أنه أضيق من أي وقت مضى.
الصفدي وباعتباره الوحيد المستحكم في البوصلة الدبلوماسية يحاول هنا ويناور هناك لكن حتى هذه اللحظة ثمة قصور في تنفيذ المشاريع المتعلقة مثلا بالتكامل التجاري مع العراق ومصر وثمة إشكالية كبيرة وعميقة في العلاقات مع دولة جارة مهمة مثل السعودية وتراجع في الاتصالات مع دول مثل الكويت وسلطنة عمان. وثمة أيضا، وهذا مهم، تراجع كبير وملحوظ في منسوب التحدث مع ما يسمى بمؤسسات العمق الإسرائيلي والرهان على هذا العمق في الوقت الذي أصبحت فيه مؤشرات السلام الابراهيمي تحديدا والأطراف اللاعبة الأساسية فيه من المحددات لما يسميه وزير الاتصال الأسبق صخر دودين بـ «تدوير الزوايا» الأردنية.
العلاقات مع تركيا الرئيس رجب طيب آردوغان تتقدم لكن ببطء شديد. التعقيدات فيها كثيرة وأغلب المصالح الأردنية في العراق معلقة بقرار لم تتخذه عمان بعد عنوانه العريض هو تسمية وإرسال سفير إلى طهران فيما حلفاء الأردن وحلفاء الإدارة الأمريكية أيضا معه يتعاملون بحماس أكثر مع إسرائيل وتركيا وإيران ولا تتحرك عمان في اتجاه بوصلة مماثلة ولأسباب تبدو غامضة إلى حد ما.
وتراهن عمان أيضا على ملاحظات تبقي ما تيسر من العلاقة مع السلطة الفلسطينية لكنها تضع الكثير من البيض الأردني وبكل التفاصيل، وخصوصا الأمنية والسياسية والتنسيقية، في سلة كل من الدكتور مصطفى الكاظمي والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
تلك خيارات من الصعب الاعتراض عليها.
لكن الواضح اليوم أنها لا تكفي فالجبهة مع إسرائيل متشتتة تماما ويتحكم بها الحليف والصديق الإماراتي والإدارة الأمريكية. وكما قال المصري لـ «القدس العربي» أبلغت الأردن بوضوح بأنه لا يوجد لديها خطة لعملية السلام أو للمفاوضات وإعادة الاهتمام بحل القضية الفلسطينية وأن بقاء الأمور كما هي هو الأساس.
ذلك قيد كبير على البوصلة السياسية الأردنية.
لكنه قيد من النوع الذي يمكن تفكيك شيفرته عبر سلسلة من المبادرات السياسية والدبلوماسية الاختراقية التي لا تحصل بعد ولأسباب غير واضحة فالاتصالات مع الرئيس السوري بشار الأسد بدت واعدة خلال الأسابيع الثمانية الماضية لكن الأردن لا يحقق اختراقا كبيرا في الاتجاه السوري بعد.
ويشمل الأمر وضع مكابح لحركة عمان مع الرئيس بشار برسائل أمريكية، والأردن حاول الإفلات باتفاقية دبي التطبيعية بعنوان الماء والكهرباء مع إسرائيل، لكن الجهات الأمريكية أرسلت بوضوح بأن الأجندة التي يحملها الوزير الأسبق جون كيري تحت عنوان المناخ هي الأساس، لذا، تم التوقيع على إعلان النوايا للمشروع الذي أغضب جاراً كبيراً من حجم السعودية.
في كل حال بوصلة الدور والوظيفة والحراك الإقليمي تبدو مشدودة.
لكن الأهم، وهو ما يقلق اليوم الكثير من المسؤولين والسياسيين الأردنيين، هو الشعور بأن أزمة جذرية عميقة في طريقها للتشكل بعد أزمة الاستعصاء على المسار الفلسطيني. وعنوانها العريض هو الصراعات الداخلية بين مراكز القوى الإقليمية سواء في إيران وتركيا أو في المنظومة الخليجية، وانتقال هذه الصراعات إلى إشكال من التنافس وانعكاساتها تجاريا واقتصاديا على المصالح الأردنية الأمر الذي بدأ يشكل عبئا على دوائر القرار في الأردن.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى