اراء و مقالات

الأردن: الرؤية والتحديث ونبض الشارع… كيف يمكن للبرلمان «إرضاء الجميع»؟

عمان- «القدس العربي»: ما حصل طوال الأسبوع الماضي في عمق معادلة البرلمان الأردني شكل من أشكال الترتيبات الهندسية الإيجابية هذه المرة على أمل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من سمعة وهيبة البرلمان والمضي قدماً بأكبر مساحة ممكنة من التوافق بين مؤسسات الدولة على الأقل ومؤسستي التشريع في مجلسي النواب والأعيان على أبعد تقدير، قبيل إطلالة العام 2023 المصنف سياسياً وأردنياً بأنه عام في غاية الأهمية؛ لأنه يختبر ما سبق أن سمّاه وزير الثقافة الأسبق الدكتور محمد أبو رمان يوماً بتذكرة حافلة في اتجاه واحد وبلا عودة.
المقصود هنا تدشين مرحلة الأحزاب السياسية وتقاسم جزء من صلاحيات الإدارة معها عبر تكتلات حزبية في البرلمان، ولاحقاً عبر انتخابات قد تكون مبكرة هذه المرة في نهاية عام 2023 فيها عدد لا يستهان به من مقاعد سلطة التشريع مجاناً للأحزاب السياسية، بعضها قديم ومتردد ومتشكك بجدوى وإنتاجية الإصلاح السياسي، أو ما يسمى بتحديث المنظومة السياسية مثل جبهة العمل الإسلامي والأحزاب القومية واليسارية القديمة، وبعضها الآخر يركب الموجة ومتفائل في تجاوز مرحلة صعبة ومعقدة والتطلع إلى الأمام، وهنا حصراً تجلس بعض تعبيرات الأحزاب اليسارية وغالبية ساحقة من أحزاب التعبير الوسطي والحزب الذي أعاد تجديد نفسه وشكل خليطاً من عدة مجموعات سبق أن انشقت عن الإخوان المسلمين باسم حزب الوسط الإسلامي.

تدشين الموسم البرلماني

في كل حال، تم تدشين الموسم البرلماني الأردني الجديد بدورة عادية جديدة للبرلمان وبخطاب عرش ملكي عميق ومؤثر استند بصورة مركزية إلى التمهيد لوثيقتي تحديث المنظومة السياسية والتمكين الاقتصادي، على أمل رفع نسبة التفاؤل الشعبي خصوصاً في ظل مستويات متدنية أبرزتها استطلاعات الرأي لمناصرة السلطة التنفيذية والسلطة التنفيذية والتشريعية في الشارع عدة مرات.
في كل حال، التحضيرات كانت متفاعلة ومشتبكة طوال الأسبوعين الماضيين، وكما ذكرت «القدس العربي» في عدة تقارير سابقة لها سجلت مفاجأة عنوانها ترشيح النائب أحمد الصفدي لمنصة رئاسة البرلمان ومن منزل رئيس البرلمان الأسبق واللاعب التشريعي المحنك والمخضرم عبد الكريم الدغمي.
ويفترض أن الصفدي وبعد انتخابات داخلية ستجري مساء الأحد وبعد تدشين الجلسات الأولى إثر خطاب عرش يتبنى مقاربة تحديثية تسير على منوال خطة تحديث المنظومة السياسية والتمكين الاقتصادي- لا يريد استباق الأحداث، لكن يصف نفسه وفي نقاش سابق ليوم الاقتراع على انتخابات رئاسة مجلس النواب بأنه صاحب مشروع، وبأن المقاربة الأساسية اليوم والمطلوبة من جميع المؤسسات الوطنية تتمثل في إظهار المرونة والقدرة على الارتقاء بالمحتوى والمضمون، بعدما فرضت الرؤية المرجعية والملكية ظلالها بوثائق مرجعية هذه المرة لا حجة معها لتقصير أو لتباطؤ.
ومن هنا يبلغ الصفدي «القدس العربي» ضمناً وقبل خوض الانتخابات أصلاً بأن المرحلة المقبلة ينبغي أن تكون مرحلة عمل مع رفض أي مزاودة على مواقف الزملاء في مجلس النواب وإعادة الهيبة والاحترام لمكانة مجلس النواب والعودة لقواعد الاشتباك الإيجابي مع بقية المؤسسات الوطنية، بحيث ترتقي المؤسسات جميعها بدون استثناء إلى مستوى الرؤية المرجعية التي لا مجال للاجتهاد كثيراً فيها اليوم، وأصبحت تشكل عناوين المرحلة وطنياً والارتقاء أيضاً إلى مستوى التطلع لاحتياجات الشارع الأردني والناخبين للنواب، معتبراً أن مجلس النواب هو تمثيل لنبض المواطن الأردني ودوره وواجبه الأساسي في تلك المنطقة الوسطى ما بين السلطة التنفيذية والناس. تلك رؤية تبدو طموحة قياساً بتجربة أولى في منصة الرئاسة يفترض أن يواجهها الصفدي برفقة كثير من الشغب والمناكفات الجانبية، لكن التجربة نفسها على المحك، والاختبار في أصله ليس لموقع الصفدي في رئاسة مجلس النواب إذا ما حصل عليه بالأغلبية المناسبة، مع أنه المرشح الأوفر حظاً حتى قبل ساعات فقط من صباح يوم انعقاد الدورة العادية الجديدة للبرلمان أمس الأحد.

سمعته الشعبية والوطنية

لكن على المحك، في المقابل، إعادة الهيبة لنمطية صورة مجلس النواب وإنقاذ ما تبقى من سمعته الشعبية والوطنية وإعادة رسم ملامحه من حيث الدور والوظيفة على السكة. واليوم مستوى الاجتهاد حتى بالنسبة للاعب برلماني من طراز الدكتور خير أبو صعليك، خارج النص هي المساحة الأقل.
وعليه، لا عذر لمتردد ولا ذريعة لمشكك، والساحة الوطنية متاحة كما يقول أبو صعليك لجميع من يريد التحول إلى المسار الإنتاجي، فالحكومة محظوظة بسبب وجود وثائق مرجعية ثلاث اليوم، وعلى ومجلس النواب واجب في التشريع والرقابة ومصلحة الوطن تتطلب جهود الجميع.
تلك أيضاً نظرة إيجابية هي محور نشاط نائب من طراز مختلف مثل أبو صعليك، لكن التحديات الاقتصادية في مواجهة مقتضيات واحتياجات وثيقة التمكين الاقتصادي لا يمكن الاستهانة بها إطلاقاً. وما يخيف النواب مسبقاً هو شعورهم العام بعدم وجود طاقم وزاري اقتصادي أو مطبخ اقتصادي حقيقي على قدر ومستوى التحدي المطلوب من وثيقة التمكين، فيما وثيقة تحديث المنظومة السياسية تنمو ببطء، لكن بخطوات ثابتة وعميقة في الواقع السياسي، وأغلب التقدير أن تحويل فحواها ومحتواها السياسي والتشريعي إلى خطة عمل حقيقية وتنفيذية هو الذي تطلب نظرة إلى الخروج عن المألوف في ترتيب مواقع الصف الأول وأوراق مجلس النواب. ومن هنا على الأرجح، اخترق نائب بمواصفات الصفدي، وعلى الأرجح أيضاً سيتسلل طاقم جديد على أكثر من صعيد يتولى هذه المهمة في إطار من تدعيم الرؤى الملكية الوثائقية الثلاث.
التجربة برمتها قابلة للقياس وتحت الاختبار، وعلى الصفدي ألا يقف عند حدود الطموحات اللفظية والكلامية، والساحة فيها كثير من التحديات، والحاجة ملحة لعلاقة قائمة على الاشتباك الإيجابي حقاً بين سلطتي التنفيذ والتشريع.
وينظر الأردنيون بكثير من التشكيك مسبقاً في ظل سلطتي التنفيذ والتشريع، ما يعني بأن حجم التحديات يزيد أمام الصفدي إذا تسلم بهدوء منصة رئاسة مجلس النواب وأمام رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة الذي حظي بفرصة تعديل وزاري خامس وأول حقيقي على طاقمه الوزاري.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى