اراء و مقالاتمقالات وآراء

هل يحتاج الأردن لـ«تدمير الشيفرة»؟

 

تبدو ردود الفعل تماما على مقياس البوصلة الأردنية المألوفة وهي تتراوح ما بين التشكيك والسخرية والحلم والأمنيات.
أتحدث هنا حصريا عن مقترح في غاية البساطة قدمته ردا على سؤال استفزني مهنيا بعنوان: «من أين نستورد الوزراء وكبار المسؤولين»؟
منذ سنوات طويلة نتحدث عن أزمة الأدوات في الأردن.
غريب جدا أن جميع من قابلتهم بحكم العمل وحكم الاهتمام السياسي والوطني في الموالاة والمعارضة والشارع والحراك وحتى في الدولة متفقون على وجود أزمة أدوات تكشف في الكثير من الأحيان مثل البرد عن العلل والمصائب في الجسد الإداري.
الأغرب أن الاتفاق في هذه الحالة لا ينسحب على حل منتج لأزمة الادوات فالمسؤول في البلاد يقصف عمره أحيانا قبل الأوان أو لا يعرف لماذا دخل دوائر القرار أو خرج منها ومستوى النميمة والنكاية بين سكان الطبقات العليا في الإدارة ينافس مستوى النميمة والاستغابة وتلك النكايات والمكائد والكمائن التي كنت أقابلها في مرحلة الطفولة على مستوى جارات أمي في الحارة.
لا أحد يعترف بفضل أو مهنية أحد في الأردن.
والطاقة التي تبذل في النميمة السياسية وفي تقليص انجازات الآخرين وتهميشها وفي الملاحظة والادعاء وترويج المزاعم والسلبيات أكثر بكثير من الطاقة التي يخصصها القوم للعمل والإنجاز والإنتاج.
لا أستطيع ضميريا اتهام الدولة أو دوائر القرار فقط بالتسبب في ذلك لأن النميمة قيمة سياسية بين نخب السياق العام.
لكن يمكن للقرار أن ينوع في الأدوات أو على الأقل يمكن له أن يقر بوجود أزمة أدوات ثم يمنح الجميع فرصة لمعالجتها لأن أزمة أدوات الإدارة والحكم لا يقف تأثيرها السلبي فقط عند ترويج ثقافة النميمة والدسائس والمكائد ذات المستوى الرفيع طبعا. ولأن المسألة في الكثير من المشاهد تصبح كاقتحام الفيل لحقل الجرار أو كالدب الذي يقتل حبا خصوصا إذا ما ترافقت المسألة مع مستلزمات وإكسسوارات الولاء المسموم.
بكل حال وردا على أسئلة مستفزة من الصنف العدمي بعنوان استيراد الكفاءات قدمت اقتراحا تفاعليا عبر منابر محلية فكرته طرح السؤال التالي: حكومة أقطاب وطنية.. لم لا؟
طبعا أكرر نفس السؤال ما الذي يمنع أن يحشر كبار الساسة والإداريين والخبراء من أصحاب الخبرة والكفاءة في مجلس وزاري واحد يدير الأزمة الحالية والتي بكل حال لا أتفق مع القول بأنها أزمة وجود لأن الأردن كان وسيبقى وأعوامه كلها منذ قرن صعبة ومعقدة وفيها تحديات.

الطاقة التي تبذل في النميمة السياسية وفي تقليص انجازات الآخرين وتهميشها وفي الملاحظة والادعاء وترويج المزاعم والسلبيات أكثر بكثير من الطاقة التي يخصصها القوم للعمل والانجاز والانتاج

هل هو حلم رومانسي فعلا أن أرى كمواطن المعارض ليث شبيلات إلى جانب الدكتور رجائي المعشر أو غيرهما في حكومة أقطاب؟
عندما يتعلق الأمر بالوطن ثمة مقعد للجميع بصرف النظر عن التباين والخلفية والهدف وليس صعبا علي فقط او على غيري اطلاقا التصفيق لتلك اللحظة التي يمكن أن أرى فيها الشيخ زكي بني ارشيد جزءا من حكومة أقطاب وطنية يجلس ويحاور ويناور إلى جانب الفاضل سلامة حماد.
تعامل المعلقون مع المقترح باعتباره «فانتازيا سياسية».
لكن طالبت الجميع بالتأشير على موقع واحد في المعادلة الوطنية اليوم ضمن مسلسل الأزمات المتلاحقة يخلو أصلا من المفارقات والفانتازيا.
أحيانا نحتاج لمغادرة الصندوق فعلا والمعلبات في الإدارة السياسية قد تنتهي صلاحيتها في بعض المراحل والمطلوب في المفاصل والأزمات الوطنية ليس فقط تفكيك المعقد بل تدمير الشيفرة إن جاز التعبير لأنها لم تعد صالحة للاستمرار إلا في الأجزاء البسيطة التي تحظى بالتوافق الوطني.
تدمير الشيفرة التراثية أو المتوارثة لبناء واحدة جديدة قرار يحتاج إلى جرأة كبيرة والحديث ليس عن انقلاب نخبوي لا سمح الله ولا عن ثورة لا بيضاء ولا كحلية.
بكل حال المطلوب فقط أن يجلس الجميع من أصحاب الرأي والخبرة الذين لا يمكن المزاودة على انتمائهم ووطنيتهم معا وعلى طاولة واحدة وفي غرفة مغلقة ضمن إجراءات عصف ذهني يضع مسارا أو وثيقة استراتيجية ترسم سياسات المرحلة لمغادرة عنق الزجاجة التي تحدث عنها يوما الرئيس الدكتور هاني الملقي ثم ترك الجميع قابعا فيها.
إذا كان صعبا تشكيل حكومة أقطاب فلتسم لجنة حكماء لأن الوزارات والمؤسسات يمكن أن تدار ببساطة من قبل الكوادر المؤهلة الموجودة وبقيادة الأمناء العامين فهي على الأرجح بسبب المحاصصة البغيضة تدار بالدفع الذاتي ولا تحتاج لزعامات أو رموز يعيقون العمل.
مجلس حكماء جدا… حكومة أقطاب… يمكن إطلاق أي اسم عليها بدلا من الاسترسال في الاحتفال بالبقاء الطويل والمضجر في منطق الأزمة ومن التصفيق لأزمة أدوات مضللة لا أحد يعلم بعد لماذا وعلى أي اساس تخضع للتغذية والتسمين.
المهم أن تبدأ المعالجات وعلى أساس الثقة بالدولة والمؤسسات والثوابت.
الأهم تدمير الشيفرة الإدارية وبغطاء سياسي والمبادرة لصناعة شيفرة جديدة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى