اراء و مقالات

إحياء البصمة في «الضفة والمنظمة» وتوظيف «شرعية الوصي» والتنويع مع الصين وروسيا وإيران

عمان- «القدس العربي»: الانطباع كبير جداً وسط النخب الأردنية بما فيها تلك النخب القريبة تماماً من الموقف الرسمي للدولة، بأن المعيار الأساسي في تحديد استراتيجية الاشتباك الأردني مع المرحلة التي أعقبت برنامج التهدئة الأمريكي ثم حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرفة جداً هو موقف الأردن من حضور أو عدم حضور قمة “النقب 2” التي تعقد في المغرب الأسبوع الأول من الشهر المقبل.
ذلك الانطباع لم يعد في الإمكان إنكاره، ويؤشر على مقتضيات مقلقة في حال الحضور، وفقاً لعضو البرلمان السابق والإعلامي المعروف نبيل الغيشان، الذي أعاد التحذير على هامش نقاش مع “القدس العربي” أعقب إحدى الندوات، من الحضور والمشاركة والانخراط في تفاهمات اقتصادية بدون ثمن سياسي وحقوقي مباشر.
وكان هو المعيار الأساسي وسط أكثر من 25 خبيراً جمعهم مركز القدس للدراسات في عمان بطريقة استثنائية بالشراكة مع مؤسسة كونراد أديناور الألمانية، وكان الانطباع منتجاً في السياق نفسه عندما تعلق الأمر بموقف عمان الرسمي من “ترتيبات لقاء النقب”.
النقاش بمبادرة من المؤسسة الألمانية ومركز القدس للدراسات كان فعلاً وصريحاً ومغلقاً وخالياً من الاستعراض، و”القدس العربي” شاركت في كل الحوارات، وحرص المنظمون في برنامج العصف الذهني على بناء سيناريو له علاقة بتحديد الاحتياجات المصلحية الأردنية في ظل السيناريوهات السيئة والسلبية والمتدحرجة على المشهد الفلسطيني والإسرائيلي، ولاحقاً الدولي والإقليمي معاً.

سيناريو – استراتيجية

تلك لم تكن مهمة سهلة بطبيعة الحال، لكن تركيبة النخب التي حضرت من خبراء وسياسيين ووزراء سابقين وإعلاميين، توحي بأن هذا التدريب الاشتباكي على بناء سيناريو يصلح كاستراتيجية ويقدم في إطار وثيقة تنصح القرار الأردني هو الأساس في عملية اشتباك حوارية لثلاثة أيام، وتطرق فيها المشاركون إلى كل التفاصيل المرتبطة بالزاوية الأردنية في قراءة تطورات المشهد الفلسطيني الإسرائيلي. كما تم التطرق إلى كل السيناريوهات المحتملة، ونوقشت بالتفصيل مقولات التكيف وأخطاره ثم إنكارها، مع أن المعيار المرتبط بالتحاق الأردن بمتطلبات ومسار
التنمية الاقتصادية حصراً هو الأساس في حسم بوصلة التكيف. والخبراء خرجوا بتوصيات يمكن القول إنها مثيرة في إطار ميزان القوى، وعنوانها تصليب الموقف الأردني الرسمي قدر الإمكان، وتوفير حواضن اجتماعية ونخبوية تدعمه باعتماد تقنية “صندوق العدة الاحتياطي، أو سلة الخيارات”؛ بمعنى وضع كل الخيارات الممكنة في صندوق يمكن استعمال أي سيناريو أو قطعة منه حسب اللزوم وحسب تطورات المشهد غربي نهر الأردن.
وهنا طبعاً برزت تفاصيل في غاية الإثارة، فقد ظهرت ملامح الموقف المعتدل عند بعض الخبراء وبعض المسؤولين الحاليين والسابقين، الذي يقترب من محاولة شرح وتفهم دوافع وخلفيات الحراك الدبلوماسي الأردني وفقاً لما سمي بالواقعية السياسية.
وعلى أساسه، برز طرح يعتقد بأن المصالح الاقتصادية الأردنية مرتبطة اليوم بإسرائيل وبالفلسطينيين بشكل خاص، على أساس أن مدخل الأردن للمجتمع الدولي ولأسواق أوروبا والولايات المتحدة في واقع الأمر مرتبط بالإسرائيليين.
في المقابل، وفي المحاججة، برز المحظور المتعلق بتسليم الجانب الإسرائيلي ملفات استراتيجية أردنية مثل الطاقة والغاز والمياه. وثمة تبرير هنا، فكرته أن الأردن بالنتيجة وفي احتياجاته الاقتصادية الملحة ومعالجة أزمته الاقتصادية الحالية يحصل على الغاز بأسعار تشجيعية، ولديه مكاسب على الرغم من كل ما يقال في هذا السياق، يمكنه بناء علاقات استراتيجية اقتصادية مع الإسرائيليين في المجالات الأساسية على قاعدة التبادل وليس على قاعدة التكامل، بمعنى وجود حالة اقتصادية تقضي بتوفر مصلحة للإسرائيليين وللأردن في الوقت نفسه، مع التحذير في مطلق الأحوال من أي تدخل في المعادلة الداخلية الفلسطينية، والتركيز على أن الوصاية الهاشمية في القدس معادلة خارج نطاق الشرعية ولا علاقة لها بمسألة الشرعية الأردنية لأنها شرعية ناضجة ومكتملة بعيداً عن ملف القدس.
وفي المقابل، ظهر “صوت بحثي فلسطيني” يقترح على الأردنيين التوظيف والاستثمار وتعزيز وتصليب الموقف الرسمي باستعمال “الشرعية في بعدها الفلسطيني” في القدس أو في غيرها. ولكن مرة أخرى، الوصاية جزء من الحرص على القدس وأوقافها قبل تسليمها إلى السيادة الفلسطينية مستقبلاً. بكل حال، الأفكار كانت متزاحمة وكثيرة ومتعددة، ومن بينها الاحتياط في عدة أوراق يمكن استخدامها لتعزيز ميزان التوازن إذا ما مال لاحقاً لصالح اتجاه عدائي عند حكومة اليمين الإسرائيلي.

الانفتاح على «الشرق»

وبين ذلك الانفتاح على الصين وروسيا وإيران، والعودة لحضن العلاقات مع السعودية وقطر بشكل ملحوظ في المستقبل القريب، دون تجاهل التواصل مع المقاومة الفلسطينية، واقتراحات وتوصيات بتحريك الشارع الأردني في القضايا الفلسطينية الأساسية، والعمل على مخاطبة الشتات الفلسطيني لا بل إحياء دور الأردن في منظمة التحرير الفلسطينية، وجمع أقطاب الحالة الفلسطينية وليس أقطاب حركة فتح في إطار تعزيز التدخل الأردني الإيجابي بما يحافظ على التوازنات الاجتماعية والسياسية في عمق مجتمعات الضفة الغربية بعد أن خرج الأردن من التأثير في تلك المجتمعات منذ عقود.
وتطرقت التوصيات في حالة حوارية صريحة ونادرة إلى ضرورة تغيير العقيدة البيروقراطية الأردنية بخصوص الحسابات والحساسيات المرتبطة مرة بمسألة الديموغرافيا، ومرة بمسألة التكوينات الفلسطينية، بما في ذلك إقامة اتصال دون تدخل مباشر محسوب بدقة مع فصائل المقاومة، وعدم اقتصار الحراك الأردني في التكتيك السياسي الشرعية الفلسطينية الممثلة بالسلطة الفلسطينية وبالرئيس محمود عباس، وهو أمر لم يعد نافعاً و منتجاً في هذه المرحلة من الصراع مع الإسرائيليين حسب المقتضيات التي فرضها إيقاع اليمين الإسرائيلي.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى