اراء و مقالات

الأردن: «تصدعات» في المطبخ و«كمائن» في الدرب وجدل «التنفيذ والطاقم»

«رؤية اقتصادية» أم «آخر طلقة»؟

عمان – «القدس العربي»: مسألتان ملحّتان للغاية تبرزان فجأة على سطح الحدث الاقتصادي الأردني حصراً وبصيغة لا يمكن إسقاطها لا من حسابات التحليل ولا من حسابات الاشتباك مع الوقائع، خصوصا بعد إطلاق وثيقة الرؤية الاقتصادية الجديدة والمثيرة وبغطاء ملكي.
المسألة الأولى تمثل الاستنتاج القائل الآن بأن وثيقة الإصلاح الاقتصادي ما دامت عابرة للحكومات، فالحاجة ملحة جداً وبصورة أسرع مما ينبغي لطاقم وزاري واستشاري جديد تماماً، يؤمن بالإستراتيجية التي أعلنت، ويعمل بصرامة على تنفيذها.

«رؤية اقتصادية» أم «آخر طلقة»؟

وتلك مسألة مهمة، ليس لأن الوثيقة العابرة إياها نصت بوضوح على آلية رقابة سداسية على التنفيذ الحرفي تبدأ من الملك عبد الله الثاني شخصياً وتمر بالسلطات ثم الإعلام وتختم عن المواطن نفسه، لكن لأن القناعة بالحاجة إلى طاقم وفريق له صلة بالتفاصيل الواردة في تلك الوثيقة مرتبطة تماماً بقناعة أخرى راسخة في ذهن الطاقم الاستشاري الملكي وفي ذهن الخبراء الاقتصاديين والطبقة السياسية، إضافة إلى عقل الحكومة نفسها ورئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة بأن الطاقم الحالي في المطبخ الاقتصادي الوزاري لم يعد قادراً على إكمال مهامه القديمة، ثم بالتأكيد وبصورة مرجحة ليس جاهزاً لمهمة جديدة يراقبها الحرص الملكي المؤسسي وتشكل بصورة مرجحة الطلقة الأخيرة في جعبة ذخيرة خطاب الدولة المركزي بعنوان الإصلاح.
ثمة تصدعات من الصعب إنكارها اليوم في المطبخ الوزاري الاقتصادي المعني بالتنفيذ. رئيس الفريق الاقتصادي الحكومي وزير التخطيط ناصر الشريدة، عليه عبء كبير جداً، ويواجه صعوبات في وجود مشرعين محترفين يساعدونه بإنجاز التشريعات المطلوبة اقتصادياً. ووزير المالية الدكتور محمد العسعس، لا يمكنه -بحكم التقاليد- رئاسة الطاقم الاقتصادي، وإن كان يميل حسب بعض المقربين منه إلى الانسحاب من المشهد الوزاري برمته تحت إطار «اعتزال المنصب أثناء الوجود في القمة»، حيث أنجز العسعس بكفاءة كبيرة أشاد بها حتى القصر الملكي الملفات المطلوبة منه «الضريبة والبنك الدولي والمانحين»، ويخشى التعثر إذا ما بقي في الاشتباك بوظيفته الحالية.
في المقابل، وزير الصناعة والتجارة يوسف الشمالي، نشط جدا وغارق في اليوميات التكنوقراطية والفنية التي تستنزفه تماماً، حتى إنه يشتكي من قلة النوم، والإرهاق الشديد، ويتعامل مع ملفات ضخمة بصورة لا تجعله قادراً على رسم استراتيجيات وسياسيات. في المقابل، وزير العمل الحالي قليل الظهور الدكتور نايف إستيتية، لديه على الأرجح مشكلات في التعبير عن هويته البيروقراطية ومشكلات أخرى في الاشــتباك مع الفريق وفي إرضاء مستويات التقييم الاحترافية التي يلح عليها رئيس الوزراء.
أما وزير الاستثمار الجديد الدكتور خيري عمرو، «فمستورد من الخارج» ويقال من لندن تحديداً إنه تائه تماماً وهو يحاول بناء وزارة جديدة ومهمة من العدم، لا بل تخذله خبراته الخاصة في التعاطي مع المقتضيات البيروقراطية.
ولا تبدو الكيمياء فعالة ونشطة بينه – وزير الاستثمار – وبين مؤسسة مجلس الوزراء، خلافاً لأن وزير الطاقة صالح الخرابشة غارق بكل ما تعنيه الكلمة من معنى في تلك المشاهد والمؤثرات السمعية والذهنية والسياسية أحياناً، التي تمثل من سبقه في تلك الوزارة خلافاً لجدل التسعير والمحروقات.
مجدداً، يعني كل ذلك أن الطاقم الوزاري السداسي أو السباعي، يحتاج لرؤية جديدة حتى يتمكن أصلاً من التعاطي مع الرؤية الاقتصادية المدعومة ملكياً، والتي وصفها أمام «القدس العربي» الوزير والخبير الدكتور محمد الحلايقة، بأنها طموحة جداً ومهمة، وتحتاج لكثير من العمل، متأملاً في كل حال أن تنجز الأهداف الموضوعة.
الخلاصة هنا – ولا نزال في المسألة الأولى– أن الحاجة ملحة إلى طاقم اقتصادي مختلف حتى تعبر الوثيقة الجديدة حقاً، وهو رأي سانده الخبير الاقتصادي الدكتور أنور الخفش عندما استفسرت منه «القدس العربي».
في المسالة الثانية، عبور الوثيقة يتطلب جرأة مطلوبة بعد الآن وبإلحاح أيضاً لضبط الإعدادات الوطنية، لا بل لإعادة ضبطها؛ لأن المطلوب الركض وبلياقة في مسابقات تتابع طويلة وقصير ومتوسطة المسافة، وبالتوازي بهدف الانسجام مع رؤية ملكية عميقة وأساسية، برأي البرلماني والخبير الاقتصادي الدكتور خير أبو صعليك.
وضبط الإعدادات هنا يعني عدم حصول مفاجآت في الاتجاه المعاكس، مثل التصريح المنفلت الذي ورد أمس الأول في توصيات لجنة الطاقة البرلمانية بعنوان «تأميم» القطاع، أو مثل التصريحات التي أربكت الدائرة المختصة اقتصادياً حتى في الديوان الملكي، ووردت على لسان وزير الداخلية مازن الفراية أيضاً أمس الأول وبعنوان 4 رفعات لأسعار المحروقات قريباً أو خلال أشهر.
ويعني ذلك عملياً، أن الحاجة ملحة ليس فقط لطاقم جديد بمعايير مختلفة ومتفرغة لتنفيذ وثيقة عابرة بخطة طموحة، لكن لأداء رافد ومساند من بقية المؤسسات التي تتبع الدولة، على أمل أن يعزف الجميع ولو مرة واحدة في الملف الاقتصادي نغماً موحداً وواحداً تحت عنوان المضي للأمام.
مسألتان باختصار ملحتان جداً وسط القناعة بأن الرؤية الاقتصادية جديدة «طلقة أخيرة» في مسار إصلاح الأمور ولفت انتباه المستثمرين في الداخل والخارج، وكلفة أي إخفاق هنا قد تكون أكبر مما يتوقعه كثـــيرون.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى