اراء و مقالات

الأردن و«إعادة تدوير الزوايا الفلسطينية»: «قمة العلمين الثلاثية» في مربع «اللعب مع الأمريكيين وعبرهم»

عمان ـ «القدس العربي»: تحسين ظروف وبيئة الاشتباك حصراً في مواجهة تحرشات الائتلاف اليميني الحاكم اليوم في تل أبيب وإسنادها هذه المرة بغطاء عربي، هو الهدف الدبلوماسي والسياسي المباشر الذي يمكن قراءته والتكهن به من وراء تقدم المؤسسة الأردنية في اتجاه الاشتباك أكثر مع تفاصيل الملف الفلسطيني المعقد.
لاحظ الجميع أن الأردن كان له الدور الأبرز في التأسيس للقاء القمة الثلاثية بعد ظهر الاثنين في بلدة العلمين المصرية. على الرغم من حرارة أجواء الصيف وسخونة التكهنات والتوقعات والسيناريوهات، يشتبك الأردن منهجياً مجدداً في العمق الفلسطيني وبصيغة غير مسبوقة قوامها اتفاق رام الله وعمان لأول مرة استراتيجياً على الإجابة عن عدة تساؤلات، أهمها ضرورة التصدي بالمستوى الثنائي للخطوات الأحادية التي يحاول فرضها الائتلاف اليميني الحاكم في إسرائيل. ومن أهمها أيضاً السماح لأول مرة بنقاش ثنائي ولاحقاً ثلاثي ورباعي برفقة دولة الإمارات على الأقل، نقاش يحاول الإجابة عن سؤال مستقبل السلطة الفلسطينية العالق بين أصابع وخيوط الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

إعادة تقليب الزوايا

بوضوح شديد، أعادت الدبلوماسية الأردنية تقليب الزوايا وتدوير المواقف الحرجة، الأمر الذي يعيد التذكير دوماً بمقولة أساسية في هذا الاتجاه، تتميز بالفصاحة السياسية سجلت لوزير الاتصال الأسبق صخر دودين.
وإعادة تدوير الزوايا الأردنية اتخذت اتخذ أكثر من شكل وتقمص أكثر من حالة، لكن الأردن حرص على الاعتماد على صيغته وثوابته الأساسية في المعادلة الفلسطينية، التي تتمثل بطرق الأبواب وفتح النوافذ فقط مع مؤسسة الشرعية الفلسطينية التي لا شكوك لدى الأردنيين على المستوى المؤسسي والنخبوي بأن عنوانها العريض هو الرئيس محمود عباس، الذي يصر بدوره في كل حواراته مع الأردنيين على أن تغيير المعطيات في المشهد الداخلي الفلسطيني يتطلب استراتيجية عمل عربية مشتركة هجومية الطابع إلى حد ما على الائتلاف اليميني الإسرائيلي، وتضغط بكل أوراق القوة المتاحة على اللاعب الأمريكي.
قناعة الرئيس عباس راسخة بأن الاحتلال الإسرائيلي على الأرجح مشروع أمريكي له أهدافه في البعد الدولي والإقليمي. لذا، يبلغ الرئيس عباس الأردنيين خلف الستائر وكواليس الحوارات بأنه مستعد لتكثيف الضغط على الإدارة الأمريكية بالتعاون مع أي دولة عربية مستعدة للاشتباك معه، وعلى أساس القناعة بأن المواجهة المتاحة مع يمين إسرائيل هي فقط عبر اللعب مع الأمريكيين.
في المقابل، ثمة حملة دبلوماسية أردنية نشطة جداً في اتجاه الملف الفلسطيني لا يملك المراقبون إلا رصدها مؤخراً، وقد بدأت من إصغاء عمان للمستجدات في فهم دولة مثل الإمارات العربية المتحدة عبر الزيارة المثيرة التي قام بها لعدة ساعات فقط رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد إلى عمان. وأعقبها بأقل من 48 ساعة زيارة خاصة للأردن قام بها الرئيس محمود عباس قبل أن يلتقي العاهل الأردني والرئيس عباس مع الرئيس عبد الفتاح السيسي في قمة ثلاثية العلمين، وهي قمة تؤكد مصادر «القدس العربي» المختصة والعليمة بأنها تبحث في أجندتين أساسيتين.

الحقوق الأساسية للفلسطينيين

الأولى هي العودة لتنشيط وتفعيل الغطاء العربي لما يسمى بالحقوق الأساسية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة. والأخرى إعادة تجميع الصفوف مجدداً ثم الانطلاق نحو تفعيل مقررات وتوصيات قمتي العقبة وشرم الشيخ الأمنيتين، اللتين كان الطرف الأمريكي يقوم بدور الضامن لهما.
وثمة قناعة أردنية – فلسطينية ترسخت هنا بأن العزف على وتر الضمانات الأمريكية قد يكون الخيار الاستراتيجي الوحيد في قواعد الاشتباك الثنائية مع حكومة اليمين الإسرائيلي، مع ملاحظة أن العلاقات بين ائتلاف بنيامين نتنياهو والرئيس عباس ومجموعته والسلطة الفلسطينية والحكومة الأردنية هي في أسوأ أحوالها، ومع رصد كل الملاحظات القائلة بأن الأردن والسلطة معاً في الاشتباك في هذه الزوايا.
من هنا تنشط الدبلوماسية الأردنية في اتجاه تحقيق بعض الاختراقات وتعقد مشاورات ثنائية وثلاثية، ولاحقاً قد تعقد على أساس رباعي بحضور مصر والسلطة ودولة الأمارات. والمنهجية الأردنية هنا تركز كما ظهر في بيانات القمم الأردنية الفلسطينية والقمة الثلاثية، على تكثيف الجهود لتوفير غطاء عربي لدعم حقوق الشعب الفلسطيني. لكن خلف الستائر اتفاقات ثلاثية من طراز تكتيكي تؤسس لهجمة دبلوماسية مضادة ضد الائتلاف الأمريكي، ولكن عبر الإشغال أو الاهتمام ببعض الحلقات في الإدارة الأمريكية، التي لا تبدو متحمسة للطاقم الحاكم في تل أبيب الآن.
وهي مساحة مناورة ترى عمان ومعها رام الله بأن توفيرها ممكن بصورة فعالة أكثر في ضوء التمسك بتوصيات قمتين أمنيتين ضمنهما الأمريكيون لاحقاً، لكن الحكومة الإسرائيلية المتشددة تجاهلتهما.
الأساس موجود لجدار عربي يناقش مع السلطة بقاءها ودورها في العمق الفلسطيني بالأراضي المحتلة، بل ويناقش أيضاً تصليب هذا الدور والحفاظ على الهيكل في الطريق نحو إعادة إنتاج دورها الوطني والتأسيس لحالة مستقبلية أهم عناوينها عدم حصول صراع داخلي بين أقطاب حركة فتح. والجديد تماماً في هذا الحراك الأردني الإماراتي المصري المشترك مع الرئيس عباس هو أن الرئاسة الفلسطينية تبدو منفتحة على الإصغاء لمقترحات وأفكار محددة في هذا السياق.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى