اراء و مقالات

أزمة مقعد «الرئيس» و«السطر المخفي» في المشهد الأردني: الاشتباك داخل «المؤسسات» لا يزال متصدراً و«البقية تأتي»

عمان- «القدس العربي»: صعب جداً التعاطي مع الأزمة التي سميت «مقعد رئيس الوزراء» في البرلمان الأردني باعتبارها مجرد مشاحنة بين رئيس حكومة وأحد أعضاء البرلمان خارج الحسابات والتوقعات، ويمكن أن تنتهى بكل بساطة باعتذارات من أي صنف على أمل التدارك واحتواء البعد المتـعلق بالعـلاقة بين السلـطتين.
النائب الأردني عماد العدوان، فجر عشرات الأسئلة في الأفق السياسي عندما أصر، الأربعاء الماضي، على الجلوس عنوة في مقعد مخصص لرئيس الحكومة الدكتور بشر الخصاونة.
حصل انفعال، وحاول الخصاونة وبعض الوزراء وبعض النواب إبعاد النائب العدوان عن مقعد رئيس الحكومة، إلا أن المحاولة فشلت في الوقت الذي بدا فيه أن الشارع وعبر منصات التواصل يتفاعل سلباً مع الحدث ما بين مؤيد للنائب العدوان أو معترض على سلوكه، لكن الأضواء تسلطت في النتيجة على ملف الأسعار، خصوصاً أن حكومة الخصاونة كانت قد انتهت للتو من إعلان ما أسمته وزيرة الطاقة هالة زواتي، وبحضور «القدس العربي» إعادة هيكلة أسعار الكهرباء.

اعتراض النواب

يعترض النواب بشدة، لكن بطريقة غريبة هذه المرة، على ارتفاع أسعار الكهرباء والمحروقات. لكن السؤال المفصلي لا علاقة له بملف الأسعار فقط، وسلوك النائب العدوان غير المألوف والذي يمكن اعتباره خارج نادي استقرار العلاقات الطبيعية بين السلطتين يحتاج إلى تفسير أعمق وأبعد.
عملياً، حصلت عملية اعتداء على مقعد كان مخصصاً لرئيس السلطة التنفيذية منذ استؤنفت الحياة البرلمانية في الأردن. واللافت في سلوك النائب العدوان الشعبوي بصورة عامة أنه خالف الاعتبارات الدستورية التي تتيح له محاسبة الحكومة ومراقبتها، لا بل طرح الثقة فيها وإسقاطها بطرق ينص عليها الدستور وتلتزم بالنظام الداخلي.
لكن العدوان امتنع عن استخدام الأدوات الرقابية المتاحة له وللنواب والتي ينص عليها الدستور ويألفها الجمهور، واستبدل هذه الأوراق التي بين يديه باستعراض أمام الكاميرات مع إطلاق صيحات بصوت مرتفع تتحدث عن ظلم الحكومة وعن ضرورة جلوسه في مقعد رئيسها باعتباره مقعداً يمثل مجلس الشعب.
في كل حال، سلوك النائب العدوان فيه الكثير من الاستعراض، لكن الأهم أنه لا يمثل ذلك التوازن المألوف، خصوصاً أن النصوص الدستورية تتيح للعدوان وغيره طرح الثقة بالحكومة أو محاسبة الوزير الذي رفع الأسعار أو استجوابه أو التحول إلى آلية جلسة مناقشة عامة تسمح بطرح الثقة بأي وزير.
كل ذلك تركه العدوان خلفه، وبالتالي يمكن القول بأن الإصرار على مضايقة رئيس الحكومة كان هو المطلوب بحد ذاته ولو من باب التحليل والتكهن السياسي.
بالقياس هنا، صعب جداً القول بأن سلوك النائب العدوان لم يكن مقصوداً، وبأن الهدف من جلوسه على مقعد رئيس الحكومة تحت قبة البرلمان، ثم رفضه مغادرة المقعد أمام الكاميرات وبعض الزملاء وبانفعال مقصود إلى حد كبير يعني بأن أزمة تتدحرج أو بدأت تظهر ملامحها خلال الدورة الاستثنائية الصيفية للبرلمان.
لكن الأهم أن هذه الخطوة تعني بأن بعض القوى العميقة والأساسية داخل المؤسسات والدولة لا تزال متأثرة بحجم كبير بالتجاذبات مع حكومة الخصاونة التي تتحرك في زوايا ضيقة جداً جداً وهوامش مناورة تحت ضغط اقتصادي ومعيشي، وتحاول الاجتهاد على أكثر من جبهة والبقاء في حالة اشتباك مرة مع تداعيات الفيروس كورونا، كما يؤكد لـ«القدس العربي» وزير الصحة فراس الهواري، ومرات تحت وطأة تطوير وتفعيل وتنشيط الخدمات القطاع العام، كما أبلغ «القدس العربي» الرئيس الخصاونة نفسه.
تتحرك حكومة الخصاونة في كل الاتجاهات، ويبدو أن العلاقة التي تربطها برئيس وأعضاء لجنة إصلاح وتحديث المنظومة السياسية للدولة لا تعجب بعض أعضاء البرلمان ولا تعجب بعض مراكز القوى والنفوذ، الأمر الذي يدفع في اتجاه القول بأن قصة مقعد رئيس الوزراء وسلوك النائب العدوان نوع من التحرش السياسي غير المألوف وغير المسبوق، ولا علاقة له بحدود نائب قرر الشغب والاستعراض.

مراكز القوى في الدولة لا تزال قيد التجاذب

وقد يكون الأعمق في الفكرة هو أن ما حصل بخصوص ذلك المقعد مؤشر إضافي يعزز القناعة بأن مراكز القوى في الدولة الأردنية لا تزال قيد التجاذب، لا بل أحياناً الصدام مع أخذ الاعتبار، لأن بعض المستويات تحاول محاصرة الحكومة الحالية وأحياناً عبر إمكانية الاستثمار بالصوت البرلماني الصارخ. وهو وضع قد يتعامل معه القصر لاحقاً كما تعامل مع شكوى لجنة الإصلاح من تحرشات ومناكفات تعرضت لها. ويفترض أن يحتويه الرئيس الخصاونة أيضاً بطريقة خاصة لا تزال مجهولة حتى الآن، خصوصاً أن ما حصل يتسبب بإحراج كبير لرئيس مجلس النواب عبد المنعم العودات.
الفكرة بالخلاصة أن الاستعانة باحتياجات الشارع الأساسية في ظرف معقد لا يزال نمطاً بالنسبة لصراعات مراكز القوى. وأن منسوب العلاقة بين المؤسسات والسلطات لا يزال في مكان أبعد عن التعاون والشراكة، فيما مجلس النواب الحائر عالق بين التجاذبات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى