اراء و مقالات

عباس ـ غانتس: كيف قرأ الأردن اللقاء ولماذا «الانزعاج»؟

عمان – «القدس العربي»: “لا نعلم ما الذي يخطط له أو يفعله بشكل تفصيلي”… هذه العبارة وردت على لسان أحد كبار المسؤولين الأردنيين ضمن خلية أزمة وسياسات كانت تعيد استعراض فرص التنسيق التفصيلي مع السلطة الفلسطينية للتعاطي والاشتباك مع المرحلة اللاحقة.
عمان، عندما يتعلق الأمر بالملف الفلسطيني، بدأت تتراكم لديها ملاحظات ترافق مع الاستعداد للقاء القاهرة الثلاثي الأخير، خصوصاً أن الأردن مهتم جداً بإعادة تنشيط الخلية الأمنية الثلاثية مع مصر والسلطة، التي تشكلت قبل أكثر من عامين ليس تحت عنوان التنسيق الثلاثي في مساره الأمني فقط، ولكن تحت إطار التركيز أكثر على ملف القدس وحماية الأقصى.
بين الملاحظات الأردنية هوامش متعددة سمعت “القدس العربي” بعضها في أقرب زاوية من رئاسة الوزراء، وفي إطار جهد استطلاعي استكشافي يحاول فهم ما الذي يدور من خيارات وسيناريوهات في ذهن الرئيس الفلسطيني محمود عباس. تلاحظ عمان مثلاً أن الرئيس عباس بدأ يخفف كثيراً من زيارتها، وأنه لم يعد يطلب -كما كان الأمر في السابق- مشاورات مكثفة مع القيادة الأردنية.
وتلاحظ بأن الجانب الفلسطيني لم يطلعها بصفة رسمية على الأقل عن عملية تبادل معلومات حصلت في لندن، وأن معلوماتها الرسمية الفلسطينية غير متوفرة بخصوص أهداف الرئيس عباس من الزيارة الليلية التي قام بها لمنزل وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، فيما يرد الفلسطيني بأن رام الله وسلطتها لا يعرفان شيئاً عن زيارتين قام بهما نفتالي بينت إلى عمان، إحداهما سرية والأخرى أعلنت.
ويعاتب الفلسطينيون خلف الستارة شقيقهما الأردني: “ليس من المألوف أن نسمع من الجنرال غانتس عما دار بينكم وبينه”. ويرد الأردني خلف الكواليس أيضاً على العتاب بعتاب آخر: “لا نعرف شيئاً عما تفعلونه، خصوصاً ضمن تطوير آليات الاشتباك في منظومة التنسيق الأمني الذي ندعمه رسمياً”.
مؤخراً، بدأت المؤسسة الأردنية تلمح إلى يقين سياسي لديها بأن مستقبل الرئيس عباس السياسي في سياق الغموض، وبأنه عاد إلى أسطوانة حجب المعلومات عن القاهرة وعمان، وأنه أرسل من يقول بغضبه وانزعاجه لأن عمان سمحت باستقبال قادة حماس حتى ولو تحت لافتة إنسانية، وهو انزعاج أبلغه مستشارون لعباس للجانب المصري أيضاً بسبب سماح السلطات المصرية باستضافة لقاء جماعي لقادة حماس في الداخل والخارج عقد الشهر الماضي.
يسأل الأردنيون دوماً عن أي طريقة أو صيغة يمكنهم عبرها مساعدة الداخل الفلسطيني، لكن الرهان في العاصمة عمان يزيد على أن أوراق الرئيس عباس يجللها الغموض والالتباس، والاستمرار في الرهان عليها بدأ يشكل عبئاً، فيما رئيس الوزراء الأسبق والخبير طاهر المصري يبلغ “القدس العربي” بأن فلسطين محتلة، وبأن الهدف التالي للمشروع الإسرائيلي هو الأردن حكماً وشعباً، مقترحاً على جميع أوساط بلاده في المملكة الانتباه وقرع الأجراس.
لكن بالمقابل، لا يوجد في المؤسسة الرسمية من يريد الالتفات حقاً لشخصيات خبيرة من وزن المصري وعلى أساس الفرضية القديمة التي تقول بأن التطمينات والضمانات مستمرة عبر العمق الإسرائيلي في إطار التقميش وترسيم وحماية المصالح الأساسية للدولة الأردنية، لكن تلك المصالح كيف يمكن حمياتها فيما لا تتحدث دولة الأردنيين -على رأي السياسي مروان الفاعوري- مع نصف الشعب الفلسطيني وقواه في المقاومة.
مجدداً، يحذر المصري وهو يشرح: الإقليم في حالة حراك وإزاحة، والعالم يتغير، وكل الاحتمالات باتت مطروحة، ومستوى الجاهزية للتعامل مع المستجدات أردنياً وفلسطينياً يثير القلق. مجدداً، يلتقي وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، نظيريه المصري والفلسطيني في القاهرة، ومعهم ثلاثي المنظومة الأمنية للتنسيق والدعم، للتطرق إلى التفاصيل.
لكن المفاجأة تصل متأخرة إلى عمان، فعباس زار الجنرال غانتس في منزله وتناول معه العشاء، ومدير المخابرات الفلسطينية اللواء ماجد فرج يقدم للشقيق الأردني معلومات ومعطيات إما عادية وغير مهمة أو قديمة قليلاً.
ومجدداً، تصل الأنباء من منزل الجنرال غانتس بعد ثلاثية القاهرة، ودون إفصاح مسبق وتقارير عن مناقشة ملفين فقط، وهما الملف الأمني وشقيقه المعيشي الاقتصادي. ويسأل أردنيون قياديين فلسطينيين: لماذا لم يناقش الرئيس عباس مع غانتس، وهو شريك قوي في حكومة تل أبيب الآيلة للسقوط، المفاوضات أو العملية السياسية؟
يضيف الأردنيون سؤالاً آخر: نحن تحدثنا مع بينت وغانتس عن أهمية إطلاق العملية السياسية والتفاوضية.. لماذا تصمتون أنتم؟ ولا يوجد جواب رسمي فلسطيني، مما يعظم تقدير دول أوروبية مهمة ومتابعة باتت ترجح بأن الفلسطيني والإسرائيلي يمكن أن يلتقيا في أي لحظة وفي أي غرفة يقف الأردن على أبوابها الخارجية، الأمر الذي يمكن اعتباره تهديداً حقيقياً لمصالح الدور الأردني، خصوصاً في مرحلة تتحول فيها الجغرافيا الأردنية إلى ورقة سياسية يبتزها ويحاول ملاعبتها الجميع بدون استثناء، أو في مرحلة دفعت عمان إلى أقصى مرونة ممكنة وجالبة للمخاطر الداخلية للقبول بمبدأ الانحناء لعاصفة السلام الإبراهيمي، والالتحاق بتلك العاصفة لأسباب اقتصادية استندت أصلاً -برأي المصري والفاعوري وغيرهما- إلى فكرة بقاء الأردن على الحافة اقتصادياً.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى