اراء و مقالات

تحذيرات في الأردن من «إنكار مخاطر» اليمين الإسرائيلي و«التكيف الاقتصادي»

عمان – «القدس العربي»: يمكن رصد ملاحظتين في غاية الأهمية في مضمون ومنطوق “البيان” الذي صدر صباح أمس الجمعة باسم “مجموعة شخصيات وطنية” أردنية بخصوص “المنازلة” الحالية مع حكومة اليمين الإسرائيلي.
الملاحظة الأولى تتمثل في “المساواة” التامة في النص بين مؤامرتي الخيار الأردني والترانسفير، و”المشاركة في أي ترتيبات اقتصادية” توصف بأنها جزء من “منظومة الإبراهيميات”.
والثانية هي تلك التي تنسجم تماماً مع المجازفات التي يشعر بها وكشف عنها المخضرم طاهر المصري في حديث خاص لـ “القدس العربي” بعنوان “فاتورة التكيف” وضرورة التوقف عن “إنكار المخاطر” اليمينية الإسرائيلية التي تستهدف” الوطن والمملكة والنظام مع الشعب في الضفة الشرقية لنهر الأردن.
في السياق، ليس سراً أن حث الأمريكيين للأردن على حضور لقاء “النقب 2” يشكل خطراً على الاستراتيجية الأردنية واقتراباً من “محظور سابق” في مقايسات بيان الجمعة، وعلى مستوى الصالونات والنخب السياسية.
لذلك، يصر بيان الجمعة على ذكر “الانخراط في أي ترتيبات اقتصادية” إلى جانب مخاطر الخيار الأردني والتهجير مع التأشير على محذور المصري أيضاً بخصوص اعتبار التهاون مع المخاطر والتهديديات إلى جانب التكيف في مستوى ومنسوب الرفض الشعبي. عملياً، يدعو البيان نفسه إلى الاستثمار في كل الأوراق السياسية والقانونية والاستراتيجية بغية التصدي والمواجهة لإجهاض مرامي وأهداف وغايات أي مشاريع سياسية مشبوهة تستهدف الأردن واستقراره.
في الأثناء، وعموماً يمكن القول بأن ارتفاع مستوى الهواجس في الأردن ارتفع مؤخراً بصيغة لم تحصل سابقاً بالرغم من الصمت الرسمي، وهو أمر عبر عنه ويعبر عنه بيان الجمعة، الذي لاقى تفاعلات ملحوظة بعد إعلانه بنسخته الأولى للرأي العام.
والملاحظ هنا أن النخب الأردنية بدأت مبكراً تحذر الدولة والقرار من “إنكار المخاطر” وعلى أساس أن “الخديعة يقين”، كما ذكر المصري؛ بمعنى الإدراك المسبق لميزان القوى ولتركيبة الوضع الداخلي في المملكة، والأهم -كما يلاحظ السياسي مروان الفاعوري – لوجود أدوات ومنهجيات قد تسترسل خلافاً لاتجاهات وهواجس الشعب الأردني في التقليص من أهمية تلك المخاطر عبر ترديد كلاشيهات إنكارية قديمة.
في المقابل، ترتفع الهواجس في كل اتجاهات ومكونات المجتمع الأردني من خطورة الحلقة الثانية أو التالية في ترتيبات الأمريكيين مع اليمين الإسرائيلي تحت ستار “التكيف” مع وقائع الأمر، خصوصاً بموازاة ارتفاع حدة الضغط على الأردن لحضور لقاء “النقب 2″، بمعنى الانخراط في “مشاريع اقتصادية” ومع غياب “الحلول السياسية”، وهو ما يقر خبير كبير مثل الدكتور جواد العناني بأنه “أسوأ ما قد يحصل”.
وهنا يقدر خبراء ودبلوماسيون وسياسيون بأن جدية مؤشرات الاشتباك في الموقف الأردني مع إسرائيل بخصوص ملف القدس والمسجد الأقصى ستظهر بصوره جلية إذا ما انكشف الموقف الأردني من الاجتماع الذي سيعقد في المغرب في نسخته الثانية تحت عنوان التنمية والتطوير والأعمال والمشاريع في منطقة النقب، حيث يستضيف المغرب اجتماعاً تطبيعياً، وأقرب لصيغة “الإبراهيميات”، وسبق للأردن أن دعي إلى اجتماع النسخة الأولى وقاطعه ولم يحضر دون أن تكون هناك مواجهة تحت عنوان ملف القدس أو الوصاية الهاشمية مع الإسرائيليين. ويبدو أن زيارة ملكية أردنية إلى أبوظبي ناقشت الحيثيات والتفاصيل، وتبين أنها خدمت مسار اعتراض أبوظبي ورفضها للزيارة التي قام بها الوزير إيتمار بن غفير للمسجد الأقصى والحرم المقدسي الشريف، حيث صدر بيان إماراتي في هذا السياق.
ولاحظ الجميع بأن الإمارات وخلافاً للتوقعات وفيما يبدو تحت ضغط أردني، ساهمت عبر عضويتها ممثلة للمجموعة العربية في مجلس الأمن، في تبني انعقاد الجلسة الأخيرة، ما يعني أن عمان لها تأثير في ترتيب أوراق أبوظبي في الموقف على الأقل من ملف القدس، مع أن الثمن قد يكون “حضور ترتيبات النقب 2”. وهي مسألة قد لا تنسحب على دولة شقيقة مثل المملكة المغربية، حيث يكثر التهامس والجدل في الأردن وإسرائيل عن مشاعر غير ودية بين عمان والرباط بسبب عدم وضوح الموقف المغربي من الوصاية الأردنية على القدس.
ومعنى ذلك، سياسياً، أن الأردن يعاني من غموض في الموقف المغربي، لكن الغموض يكتنف كل المشهد عموماً قبيل اجتماع المؤتمر الجديد لأغراض الاستثمار والمشاريع، حيث يستضيف المغرب هذا اللقاء ومتوقع أن تحضره أطراف السلام الإبراهيمي. وأغلب التقدير أن الأردن سيدعى إلى هذا اللقاء، لكن الموقف المتشدد للحكومة الأردنية من استفزازات الحكومة الإسرائيلية الأخيرة في القدس والمسجد الأقصى قد يدفع عمان إلى عدم المشاركة.
وحسب مصدر رسمي مطلع، فإن القرار الأردني على الأقل حتى مساء الأحد كان بعدم المشاركة ومقاطعة الاجتماع في حال أنه تلقى دعوة وإرسال رسالة ضمنية بمثل هذا الغياب، خصوصاً أن الأردن يتحفظ بشدة وصلابة بخصوص انعقاد اجتماعات تناقش المشاريع الاقتصادية والتنموية في المنطقة بدون حضور الطرف الأهم في المعادلة، وهو الطرف الفلسطيني.
وهو موضوع تحدث عنه الملك عبد الله الثاني 5 مرات على الأقل بصورة علنية، وتبذل حكومة الأردن جهداً كبيراً في الكواليس لإشراك الفلسطينيين وإجلاسهم على الطاولة على الأقل ضمن تصور يقضي بأن غياب الحل والأفق السياسي ينبغي أن يوازيه في الحد الأدنى حضور الفلسطيني على طاولة المشاريع التي تخطط للمستقبل الاقتصادي والشراكة تحت ستار التنمية الاقتصادية.
الأردن في طريقه لحسم الخيارات، لكن الأهم بالنسبة للأوساط الأردنية هو الإدراك المسبق بأن حضور فعالية المغرب بكل حال سيحسم على الأرجح ما إذا كانت الحكومة الأردنية في مجال الاشتباك والمواجهة للعناد والتطرف الإسرائيلي أم أنها دخلت في بوصلة ما يسمى بمسار التكيف.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى