اراء و مقالات

بصراحة: الأردن وأكذوبة «العمق الإسرائيلي»

يملك الأردن من القدرات والإمكانات السياسية الدبلوماسية التي تؤهله لخدش العملاق على الأقل ومضايقته وإزعاجه، وأحيانا ردعه إذا ما كانت مواجهته صعبة ومعقدة

لا أعرف سببا يدفعني للاعتقاد بأن بلدي الأردن يمكنه تحمل كلفة تصعيد عسكري شامل مع العدو الإسرائيلي. ولا أعرف سببا يدفعني كمواطن للمطالبة بمثل تلك الحرب في ظل ميزان القوى المعروف للجميع، فواحدة من تجليات وجود دولة ومؤسسات تتجنب الإنفعال والمغامرات تتمثل في أني أنعم بحد كبير من الأمن والاستقرار، ويذهب أولادي للمدارس وأستطيع تأمين الغذاء والدواء، ويمكنني خلافا لأهل فلسطين واليمن وبعض العراق وسوريا ولبنان وليبيا النوم دون توقع أن يتكوم المبنى الذي أنام فيه على أطفالي.
لكن عدم وجود خيارات مماثلة عند أطفال جنين وغزة يهدد بلدي وعائلتي بالنتيجة. في التعقل والرشد والتوازن لا أؤمن بمزاودة على الدولة الأردنية.
وفي الاحتجاج والغضب والمعارضة لا بد من الانتباه إلى أن البقاء في مستوى تفريغ الاحتقان فقط، هو أقرب وصفة للانتحار الوطني ولإنتاج المزيد من الاحتقان، خصوصا وأن ما يفعله العدو الإسرائيلي وهو يستهدف بجبن الأطفال والنساء وعن بعد في قطاع غزة يحرم أطفال الأردن من الأمل في المستقبل ويعيق تقدم المؤسسات الأردنية نحو أي تنمية أو استقرار.
لا أحد يملك شرعية المطالبة بمغامرة ما قد تؤثر على استقرار الأردن والأردنيين. لكن البقاء في مستوى «قرية الفرجة» والتعامل مع ما يجري غربي النهر وكأنه عرس عند الجيران فقط، خطوة إضافية نحو الاستمرار باتجاه الهاوية.
المطلوب دوما أقل من إلغاء إتفاقية أفقرت الأردنيين حقا، وما نأمل به مرحليا ليس أكثر من الاستخدام الفعال للخبرة الأردنية الأمنية والسياسية والسيادية في إدارة الصراع مع عدو أخضع جبال نابلس كما قلنا في الماضي ويقصف أطفال غزة ويهدد جبال عمان والسلط ومكة وبغداد والقاهرة وأبو ظبي. طبعا ثمة أوراق يمكن اللعب بها.
وطبعا ثمة خبرة أردنية عميقة في هذا العدو، والأهم ثمة حد أدنى من الارتقاء الحكومي، ولو قليلا في تمثيل مزاج الناس والشعب.
تستطيع الحكومة الأردنية بالتأكيد الضغط أكثر في المجتمع الدولي. تستطيع تزويد الأهل في حي الشيخ جراح بتلك الوثائق التي يقول مسؤولون أردنيون أنها سلمت للسلطة الفلسطينية.
تستطيع حكومة بلادي عدم الوقوف على محطة التحول إلى سيارة إسعاف وظيفتها معالجة جروح الدم النازف، والناتج عن إجرام الماكينة العسكرية الإسرائيلية، والتي تمثل كيانا علمه يرفرف وسط عمان وسفارته لا تزال قائمة، وقوات الأمن الأردنية تحميها لأن الدولة الأردنية أخلاقية وممتثلة للقانون.
تستطيع حكومة الأردن تزويد أي مجموعة فلسطينية أو دولية بتلك الوثائق التي تحتفظ فيها بالأرشيف، لسجلات الأراضي والتنديد بالمستوطنات. أقل تقدير تستطيع الحكومة رفع سماعة الهاتف ومخاطبة نصف الشعب الفلسطيني على الأقل، والجلوس على طاولة عبر إظهار القدرة على الاتصال مع المقاومة الفلسطينية، وتستطيع بالتأكيد التخلص من ذلك العجز السياسي والدبلوماسي والأمني الذي يضع بيض الدولة الأردنية في سلة السلطة الوطنية فقط.

يملك الأردن من القدرات والإمكانات السياسية الدبلوماسية التي تؤهله لخدش العملاق على الأقل ومضايقته وإزعاجه، وأحيانا ردعه إذا ما كانت مواجهته صعبة ومعقدة

ثمة عناوين اليوم للشعب الفلسطيني من الطبيعي وحرصا على مصالح الدولة الأردنية البقاء في حالة إتصال معها، لأنها تملك الشرعية ببساطة، وقد أصبح من العبث الشديد بالجوهر الأخلاقي حرمان الشعب الأردني من القدرة على التواصل مع حركة مثل حماس.
تستطيع بلادي أيضا التخلص من ذلك الوهم المزمن المقرف الذي أسمعه شخصيا همسا ولمزا بين المسؤولين الكبار وفي أروقة القرار والذي يقول بأن علاقات الأردن جيدة وتشاركية مع مؤسسات العمق الإسرائيلي.
مؤسسات الدولة العميقة في الكيان ليست أكثر من أذرع بماكينة عسكرية إرهابية لن تكون معنية بالأردن يوما، وهي نفسها الأذرع التي تقصف بيوت الصفيح في غزة، وترتكب أبشع الجرائم وبصورة تجعلني كمواطن أردني أشعر بالخجل الشديد، عندما أسمع مسؤولا ما يتحدث عن علاقات طيبة مع العمق الإسرائيلي.
العمق الإسرائيلي خداع ومضلل ويمكنه أن ينقلب على الأردنيين قيادة وشعبا بأي وقت وهذا العمق لم يعد علمانيا فقد أصبح ألعوبة في يد اليمين الإسرائيلي المتصهين الديني المتشدد الداعشي.
كيف أقبل سياسيا وأخلاقيا أن أكون من بين من يقيمون علاقات دافئة مع عمق إسرائيلي إجرامي إلى هذا الحد؟
يملك الأردن من القدرات والإمكانات السياسية الدبلوماسية التي تؤهله لخدش العملاق على الأقل ومضايقته وإزعاجه، وأحيانا ردعه إذا ما كانت مواجهته صعبة ومعقدة، وهو خدش تتطلبه اليوم مصلحة الأمن القومي للنظام الأردني.
الأردن يمكنه أن يساهم في رفع كلفة ممارسات الاحتلال والدفاع حتى عن الوصاية الأردنية بصورة أفضل.
لا أصدق شخصيا بأن دولة خبيرة عمرها يسبق عمر كيان الاحتلال بعقود خارج نطاق الأدوات في التأثير اليوم، فالتطبيع أفقر الأردنيين أكثر وملف الطاقة مرهون اليوم بالغاز المسروق، أي تفريط بالميزان هذا؟
لا نريد إعلان حرب ولا مواجهة نعرف كلفتها عسكريا مع العدو، الحد الأدنى من الواجب تجاه الذات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى