اراء و مقالات

«حبيبتنا» الجزائر وهي «تحرق الموسيقى»… عندما توسل فلاح تركي بقرته… ولماذا لا تملك الأمة «طفايات حريق»؟

قالها قديما فيلسوف فارسي «اخرج من مدينة العميان».
أول سؤال خطر في ذهني وأنا أراجع ما تقوله الفضائيات عن الحادث المأسوي في «الحبيبة الجزائر» حيث قتل وأحرق موسيقي شاب ظلما هو: كيف يمكن عزف الكمان وسط مدينة العميان؟
كيف يمكن الضرب على قيثارة وسط مدينة من الصم؟!
منبر «أوراس» التلفزيوني الجزائري أعاد عرض الأشرطة التي يتحدث فيها الشاب الراحل جمال بن إسماعيل عن «مهمته» في إخماد الحرائق قبل دفع حياته ثمنا لها وببشاعة و»سكاي نيوز» مع محطة «العربية» ضربا كل الأوجاع فينا بالتركيز على الحادثة وحصريا على ما كان يخطط له جمال قبل قتله بوحشية.
أزعم أن أحبتنا في الجزائر صدمهم ما حصل وكذلك «الجزيرة» وهي تتحدث عن ذلك الألم.
وأزعم أني في الشرق أذهلني الحماس مرتين، في الأولى عندما كان المغدور يتحدث عن رحلته في مساعدة «الأهل والأهداب» وفي الثانية عندما كانت الجماهير الغاضبة تسحله وتحكم عليه بالإعدام ليضيع دمه في القبيلة فيما رجال الأمن يراقبون بعجز.
لا أرى خدمة مجانية أفضل لأنظمة التعسف الديكتاتورية العربية شرقا وغربا من تلك التي توفرها رحلة إعدام الموسيقي الشاب، رحمه الله بمثل هذه الإعدامات الشعبوية غير المنصفة والمتسرعة تستفيد محاكم الإستبداد والفساد والجنرالات.
الرحمة لفقيد الموسيقى والأمل في أن تسترخي جزائرنا الحبيبة، مع قناعتي أن الدول التي حصلت فيها حرائق تحدثت قصدا وعلى الأرجح لـ«تبرير العجز والجاهزية» عن «مشتبه بهم».

لماذا نحمد الله في الأردن؟

وفي سياق الحرائق التي أشعلت الشاشات والكاميرات فاجأني زميل أردني بتقديم الحمد والشكر لله العلي القدير، لأن نسبة الغابات في مملكتنا لا تزيد عن «1 في المئة» فقط، بمعنى أن الإختبار، لا سمح الله بعيد عنا.
ورغم أن فضائية «المملكة» مهتمة بحرائق الأسعار والصهاريج في بيروت – واستضافت خبيرا للتحدث عن الغابات وتحصينها – إلا أن الإعلام المتلفز الوطني لم يقدم لمشاهديه بعد «وجبة دسمة» حول ما حصل مع الغابات.

«الله يحمي الأردن» دوما وأبدا

لكن الشعب، الذي يقرر بعضه بيع الذرة المسلوقة في مسار الباص السريع، هو نفسه الذي يصر بعضه الآخر أحيانا على إقامة حفلات شواء وسط غبار شجيراتنا القليلة فينسى جمرة هنا أو موقدا هناك، ويحول مساحة صغيرة في غابة أصغر إلى «عصف مأكول» حتى تتمكن والدة الزوجة من الإسترخاء على كتف شجرة بالقرب من «إبريق شاي» على الفحم، ثم إمتداح الصهر النشط برفقة بربيش الأرجيلة المشتعلة وسط بقايا الخضار.
نعم حتى الـ»1 في المئة» نهملها ونعتدي عليها على طريقتنا بنفايات الرحلات وبالتحطيب المتعسف وأيضا بالانبطاح والاسترخاء والتكسل بينها.
تلك في كل حال مسألة «ثقافية». وشاشة التلفزيون الأردني أعادت عرض «تعليمات الدفاع المدني» الخاصة بـ«أدب الرحلات» أملا في أن «يرعوي» المواطن ويستذكر.

بقرة فلاح تركي

عندما إندلعت حرائق تركيا الأخيرة كنت بمعية أصدقاء أتراك نشاهد ما تبثه محطة «إي آر تي» في نسختها المحلية، حيث حوار توسلي طريف جدا بين فلاح تركي وبين بقرته الحائرة في تحديد الاتجاه، بعدما إنتشر الدخان وإحترقت المزرعة، التي تنام فيها البقرة.
كان الرجل المكلوم يبكي بحسرة، ويخاطب البقرة بتوسل أن تهدأ ولا تخاف ولا تذهب في اتجاه النيران، واعدا بأن يوفر لها الحماية ولو بجسده.
حوار إنساني مؤلم جدا، لكن السؤال سرعان ما أصبح سياسيا، فقد صاح أحدهم في وجهي: هل تعلم أن الجمهورية التركية العظيمة، التي تتوسع وتخوض صراعات عسكرية في 6 بلدان مجاورة دفعة واحدة، وتصنع أفضل الطائرات المسيرة، فيها وزارة غابات و3 طائرات فقط مؤهلة لإطفاء الحرائق؟!
فهمت أنه ثمة طائرات أخرى تحولت إلى «خردة» وأن وزارة الغابات لديها ميزانية مالية ضخمة وأن معالي وزيرها، على الطريقة العربية، أخفق في مهامه الأولية مع أن مسؤولياته «حولية» بمعنى أنها محصورة في رعاية شؤون ثلاث طائرات فقط في بلد توجد فيها مساحة واسعة من الغابات .
لا أعرف سببا يمنع حكومة تصنع طائرات حربية للتصدير وفيها غابات هائلة وضخمة من تعزيز ترسانتها من طائرات مخصصة لإطفاء الحرائق، فالخصم اليوناني البائس اقتصاديا الآن تبين أن لديه 19 طائرة، على الأقل هذا ما يقوله الأتراك الغاضبون .
أحسب أن الطائرة المخصصة لأعمال الحرب تدر دخلا أكثر بكثير من تلك التي يمكن اللجوء إليها لأسباب «مدنية» منطقية وبسيطة، مثل إنقاذ بقرة ذلك الفلاح التركي.
ما علينا الأتراك أدرى بشعابهم.
لكن أذكر مرة عند حصول مأساة البحر الميت في الأردن فإن لافتات الإرشاد لم تكن في مكانها وكشافات الشباب لم تكن تعمل عند المواجهة والميدان تطلب السماح لطائرة تتبع العدو الاسرائيلي حتى تضيء المكان. مواجهات فيها دروس!
أقله ما دامت حكومات العرب والمسلمين عاجزة عن استعادة المحتل من أراضيها مبدئيا وحفظ السيادة، أن تملك «طفاية حريق»!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى