اراء و مقالات

الملف الفلسطيني: الأردن قرر «البقاء في الغرفة» وإعادة ترقيم حزمة المصالح

لا يريد الأردن مرحليا زيادة رقعة التنسيق مع حركة حماس لكنه يتنازل وبالتدريج عن تحفظات سابقة كان بالعادة يحتفظ بها فيما يتعلق بإدارة العلاقة مع السلطة الفلسطينية وحركة فتح.

عمان ـ «القدس العربي»: لا يمكن عزل الأسباب عن النتائج عندما يتعلق الأمر بانعكاس التداعيات السياسية والأمنية الحرجة جدا لمستجدات المشهد الفلسطيني على منظومة المصالح الأردنية الأمنية والسياسية حصرا كما تفهمها بالعادة دوائر القرار.

مجددا يجد الأردن نفسه أمام سلسلة تداعيات ومعطيات لا تقف عند حدود نغمات التحدي التي تتحول إلى قرارات بتوقيع اليمين الإسرائيلي المتشدد خصوصا في القدس والضفة الغربية المحتلة، بل تتعدى باتجاه سياق حدودي مع الكيان الإسرائيلي أصبح مضطربا أكثر من أي وقت مضى فجأة خلافا لاندفاع الأردن قسرا حرصا على مصالحه لإعادة ترسيم وتسوية لا بل ترقيم وتنميط قواعد اشتباكه مع المشهد الفلسطيني.
لاحظ الجميع هنا كيف يطور الأردن ميكانيزمات الاشتباك وبدأ يهتم بمناقشة سيناريوهات الفراغ في الضفة الغربية وتصدير الأزمات للضفة الشرقية فيما تراوح الاهتمامات مرة شعارا مثل توحيد أقطاب حركة فتح، ومرات أخرى التركيز على خطة عملية تطبيقية قابلة للتنفيذ إجرائيا حتى لا يدخل هيكل السلطة الفلسطينية في حالة فراغ.
ومن هنا عمليا يمكن فهم تطلعات عمان وهي تشتبك أكثر ليس مع الوضع الفلسطيني لكن أيضا مع المسار الفتحاوي، فوزير الخارجية أيمن الصفدي التقى زوجة الأسير مروان البرغوثي واستقبل منه رسالة موجهة للملك عبد الله الثاني.
وعمان أمنيا فتحت قليلا على القيادي حسين الشيخ وبدأت تستمع أكثر لأقطاب حركة فتح لا بل تعيد قراءة التقارير العميقة في مطبخ الدولة الأردنية وفي مجلس السياسات.
استقبل العاهل الأردني مجددا الثلاثاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع التلميح لسيناريو يعمل على تنسيق بقاء الدعم العربي للشعب الفلسطيني.
وكانت اللغة هنا مختلفة، فملك الأردن تمسك بالثوابت مجددا والنية تتجه لتنشيط خلية الأزمة المشتركة والاتصالات مفتوحة مع الأمريكيين ليلا نهارا باسم برنامج التهدئة ومنع اليمين الإسرائيلي من تقويض أجهزة السلطة الفلسطينية.
فكرة عمان عن التنسيق العربي في القضية الفلسطينية لا تقتصر على دور الأردن التقليدي، بل تذهب باتجاه التنسيق في المسألة الفلسطينية مع دول بعينها أبرزها الإمارات ومصر وان كانت السعودية غائبة عن هذا المربع فيما الأردن من باب الاحتياط حافظ على قدر من بقاء قنواته الأمنية بين الحين والآخر مع بعض قادة حماس مع بقاء وتثبيت التحفظ لأبعد حدود ممكنة علما بان قيادة حماس أظهرت اهتماما بالغا طول الوقت في احترام المصالح والخصوصيات الأردنية، وفي الاستعداد للتعامل والتعاون مع الأردن في أي وقت، الأمر الذي سمعته «القدس العربي» مباشرة من خالد مشعل عندما التقته مؤخرا في إسطنبول قبل اندفاع الصحافة العبرية للتلميح مؤخرا إلى ان حماس تحاول تهريب الأسلحة من الأردن وعبر حدود الأغوار.
لا يريد الأردن بوضوح مرحليا على الأقل زيادة رقعة التنسيق مع حركة حماس لكنه يتنازل وبالتدريج عن تحفظات سابقة كان بالعادة يحتفظ بها فيما يتعلق بإدارة العلاقة مع السلطة الفلسطينية وحركة فتح.
التدرج الأردني هنا ملحوظ ومرصود وبدأ من اتصالات مع بعض أقطاب حركة فتح واستقبال رسالة للملك من البرغوثي ثم ترك مساحة التردد في مناقشة ملف الوضع المستقبلي للسلطة ولحركة فتح بالإضافة إلى جرأة في طرح أسئلة على الرئيس الفلسطيني عن تصوره للمستقبل ولخلافته.
وقد فهم من أطراف القرار الأردني بان هذا الملف بات ملحا ومهما.
لكن درجة الأهمية لا يمكن قياسها ببساطة بأي من تقنيات وأدوات القياس والظروف والمناخات في الاتصالات بين عباس والدولة الأردنية وبعض أركان حركة فتح بدأت تطرح أسئلة من الصنف الذي كانت عمان تتجاهله بالعادة وتعتبره حكرا على الشرعية الفلسطينية.
وعمان اليوم أقل تحفظا في التحدث مع عناوين الشرعية الفلسطينية عن تصوراتها ومشروعها للبدائل والخلافة منعا لصراع داخل أقطاب حركة فتح باعتبارها الحزب الحاكم في الأراضي الفلسطينية وباعتبار الاضطرار فلسطينيا لتعامل مع الأردن أصبح واحدا من ثلاث خيارات تطرحها نقاشات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بين الحين والآخر.
يشعر الأردن بكمين معد سلفا بتوقيع اليمين الإسرائيلي. وطريقة عمان في تجاوز الكمين تمثلت حتى الآن بالغرق أكثر في نقاشات حركة فتح وفي طرح أسئلة بلا تحفظ على الرئيس الفلسطيني والخوض بنقاشات لها علاقة بما سمي التنسيق العربي ومستقبل السلطة وهيكلها.
كل ذلك يدلل على حراك مبرمج ومنهجي في إطار الدبلوماسية الأمنية الأردنية. وهو حراك لا أحد يعلم بعد كيف وعلى أي أساس يمكن ان يحسم أو ينتهي.
وفكرة غرفة القرار الأردنية حتى الآن يبدو انها البقاء في مناطق قريبة وعلى الطاولة وفي غرفة القرار بدلا من الانتظار وترقب سيناريوهات الآخرين.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى