اراء و مقالات

المركز الوطني الأردني لحقوق الإنسان يغرق بحالة انفلات إداري

وسط اتهامات لمراكز قوى في الدولة بالانتقام من دوره في الكشف عن انتهاكات حقوقية

عمان – «القدس العربي» : ارتفع مجدداً معدل الصخب وطرح التساؤلات الحائرة المرتبطة بملف الحريات العامة في الأردن مع مشاهدة نخبة من موظفي المركز الوطني لحقوق الإنسان في مواجهة مباشرة مع رئيس مجلس الأمناء الشيخ الدكتور إرحيل الغرايبة في إطار سلسلة شكاوى قضائية وإدارية متبادلة توحي بأن الاستقرار الإداري في هذه المؤسسة المهمة جداً قد يطاح به قريباً إذا لم تبرز استدراكات.
يتبادل قادة المركز وموظفوه الآن الاتهامات، وشوهد موظفون محتجون على إدارتهم في حالة أشبه باعتصام فيما يحقق القضاء في اتهامات «جنائية» حولتها إدارة المركز، واعتبرها المفوض العام للمركز والحقوقي البارز علاء العرموطي اتهامات باطلة لا بل مضللة، مما يوحي بأن جذرها «سياسي» أو حتى «انتقامي»، كما يصفها المفوض العام الأسبق الدكتور موسى بريزات، وهو يتحدث لـ»القدس العربي» عن كل ما يحصل من «خدش مقصود» وغير وطني بمصلحة مؤسسة ريادية كان لها دور في تحسين سمعة البلاد في الخارج والداخل.

وسط اتهامات لمراكز قوى في الدولة بالانتقام من دوره في الكشف عن انتهاكات حقوقية

رئيس أمناء المركز الدكتور الغرايبة، وهو شخصية سياسية إشكالية عموماً، في الطرف المقابل لعدة «نزاعات» مع طاقم من موظفي المركز الحاليين والسابقين، مع أنه – أي الغرايبة – استقال رسمياً من منصبه تجاوباً مع تعديلات على القانون تمنع «الحزبيين» من تولي مهام قيادية في المركز.
لكن الإرادة الملكية الخاصة بقبول استقالة الداعية الإسلامي الشيخ الغرايبة لم تصدر بعد، مما يبقيه إدارياً في وظيفته ويثير الخلافات والنزاعات الإدارية والقانونية معه.
لم يعد المركز الوطني لحقوق الإنسان في الحالة الأردنية يحقق الأهداف التي برمجت من أجلها المؤسسة قبل سنوات عدة، واستقالة الغرايبة وقبلها تعديلات القانون هما خطوتان خلطتا الأوراق وأربكتا الجميع بصيغة توحي اليوم بأن المركز المهم جداً كمؤسسة قد يلفظ أنفاسه قريباً.
البريزات يصر على أن المركز الوطني لحقوق الإنسان منتج ومنجز وطني بامتياز ويجب أن يبقى داعياً جميع الأردنيين للوقوف تضامناً مع هذه المؤسسة العريقة التي تتعرض الآن لحزمة «ثأريات وانتقاميات» لا مبرر لها بسبب عدة عناصر بتقديره، كما فهمت «القدس العربي»، بينها «تقارير نقدية مؤثرة» صدرت سابقاً وتحدثت بجرأة عن معايير ومواصفات حقوق الإنسان وتصرفات السلطة، معتبراً أن تلك مسألة ينبغي أن تحرمها السلطات أصلاً؛ لأن قيام المركز بواجبه يفيد الوطن ومصالحه العليا، والأهم ينسجم تماماً مع «الرؤية الملكية» التي سمعها هو شخصياً – أي بريزات – من الملك وفي القصر الملكي بعدة مناسبات، كما سمعها غيره من مفوضي الملف. ويبدو للمراقبين عموماً أن الغرايبة يثير الغبار والجدل، مستثمراً في تأخر الإرادة الملكية بقبول استقالته القسرية، فيما تم تحويل حقوقيين كبار بينهم العرموطي، إلى القضاء باتهامات إدارية أو «جنائية» يرى كثيرون أنها «كيدية».
بكل حال، العرموطي ورفاقه المستشارون القانونيون الذين اشتكت إدارة المركز ضدهم أو حولتهم للقضاء، قرروا الصمت والامتناع عن التعليق على المجريات احتراماً لمقتضيات المحاكمة القانونية أو مراجعة تلك الشكوى التي وصفت بكيدية ونتجت عن تراجع كبير في منظومة الرقابة التي يفترض أن يقيمها المركز تحديداً على أنشطة وفعاليات المؤسسات البيروقراطية والحكومية بصفته الذراع الدستورية والقانونية باسم الدولة لمراقبة سجلات حقوق الإنسان في الأردن. ولاحقاً، برزت الإشكالية بين إدارة المركز وطاقم من الموظفين تقدم بملاحظات نقدية يبدو أنها انتهت بعقوبات إدارية من الرئيس المستقيل.
وتطور الأمر إلى خلافات واحتجاجات، لكن الرأي العام الأردني يشاهد ويرصد بعينيه ذلك المركز المهم جداً، والذي اعتبر باكورة في تنظيم منهجية مراقبة سجلات حقوق الإنسان وإنجازاً ديمقراطياً وإصلاحياً قبل عدة سنوات يغرق الآن في الخلافات والتجاذبات. ولا تبدو الأحوال الادارية مستقرة بأي منسوب معقول.
ومن ثم، تلك الذراع الحقوقية المهمة تتسلط عليها الأضواء في وقت تزاحمت وتكاثرت فيه تقارير المنظمات الدولية التي تنتقد التراجع الحاد في منسوب الحريات العامة في البلاد وبصورة يمكن أن تؤثر على مصالح الأردن الاقتصادية والدبلوماسية في الخارج. لافت للنظر أن سفينة المركز الوطني لحقوق الإنسان تغرق، فيما تمتنع الحكومة عن التعليق على مسار الأحداث، لا بل لا تتخذ إجراءات وخطوات حقيقية للملمة حالة الانفلات الإداري الذي يتواجد فيه أو يغرق فيه المركز الآن.
وهي مسألة يعيدها حقوقيون ونشطاء إلى رغبة السلطات أو بعض مراكز القوى في معاقبة المركز على دوره في الكشف عن انتهاكات حقوقية أو لسجلات الحريات العامة تخص المواطنين الأردنيين. وعليه، فهذا ما أشر إليه المفوض العام الأسبق للمركز الدكتور بريزات عبر نص مقال نشر بكثافة وتم ترويجه يدعو المواطنين الأردنيين إلى المبادرة وفوراً لإنقاذ مركزهم المختص بحقوق الإنسان باعتبارهم منجزاً قانونياً وحقوقياً، معتبراً أن السكوت عما يجري الآن هو تراجع عن القيام بالواجب الوطني، حيث إن المركز مستهدف ويتعرض لمحنة حقيقية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى