اراء و مقالات

الشارع الأردني «متضامن جداً مع غزة»… وازدواجية السلطات سؤال الجميع

«أبو عبيدة» في «جاهات الأعراس»…

عمان ـ «القدس العربي»: لا يفهم التيار الإسلامي الأردني ولا حتى نشطاء الملتقيات الشعبية المناصرة للشعب الفلسطيني والمقاومة في سياق تداعيات طوفان الأقصى، السر الكامن في تلك الازدواجية التي تظهر بين الثوابت المعلنة وطنياً وسياسياً ورسمياً، وبين الإجراءات الموصوفة بأنها «قمعية» في الشارع، وتتضمن اعتقال وتوقيف نشطاء ومنع التظاهر والاحتجاج بالقرب من مناطق الأغوار.

«تناقض وازدواجية»

كما تتضمن مقاربة بيروقراطية أمنية فيها قدر من الخشونة في التعاطي مع انعكاسات الطوفان ومعركته على الداخل الأردني. ولا يفهم كثيرون هذا الانفصال أو الانفصام البيروقراطي، ولا تجد الحكومة نفسها مضطرة إلى أي صيغة للشرح والتوضيح. وما تفترضه أوساط القرار الحكومي في السياق العام، أن السلطات أولاً أطلقت العنان منذ يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر لأكثر من 1000 نشاط وتظاهرة وفعالية. وثانياً، أن التوازنات التي تؤسس لمنطق التصرف كدولة وليس كمجموعة شعبية، مسألة ينبغي ألا تشرح أصلاً.
يعبر بصورة مباشرة أكثر عن صعوبة فهم ما تسميه بيانات المعارضة الحزبية بالتناقض والازدواجية الناشط السياسي الدكتور رامي العياصرة، وهو يناقش مع «القدس العربي» تلك المفارقة، مشيراً إلى أن الحاجة ملحة لفهم الأسباب التي تمنع السلطة السياسية في البلاد حتى من الاستثمار والتوظيف في موقف الشارع الأردني لتحسين المواقع ولتحصين خطاب الثوابت.
في مقايسات العياصرة، ما يقال هنا وهناك من معطيات متناثرة لا يبدو منطقياً ولا متسقاً، خصوصاً أن فرصة توحيد الشعب الأردني مع الخطاب الرسمي في الثوابت نادرة ومواتية الآن. في المقابل، الاقتراح بأن سلطات القرار تتجاهل الاستثمار في لحظة التوافق الوطني على رفض العدوان الإسرائيلي، والخوف من تداعيات برنامج اليمين في دولة الكيان أصبح هو الموجة السائدة بين الفاعلين حتى تحت قبة البرلمان الأردني.
وقد عبر بحضور «القدس العربي» أيضاً عن ذلك نائب ديناميكي من طراز ينال فريحات، وهو يشعر بالعبث؛ لأن عملية تنفيذ قرار مجلس النواب بمراجعة اتفاقيات التطبيع مع الكيان لم تكتمل، وثمة من يؤجلها لهدف غير معلوم، وفي إطار حجج لا تبدو مقنعة عند اللجنة القانونية التي كلفت بالمسألة. يبحث فريحات وكثيرون في الواقع السياسي والنخبوي والبرلماني الأردني عن تفسير ما لإفلات لحظة الاستثمار أيضاً في وحدة الصفين الشعبي والرسمي، وعن قراءة ما فيها قدر من الإقناع تشرح مكاسب وخسائر البقاء الطويل داخلياً على الأقل في منطقة «رخوة» بدلاً من توظيف موقف الشارع كورقة ضغط، ليس في مواجهة الإسرائيليين فقط، ولكن أيضاً في مواجهة ضغوط الأمريكيين واختراق دائرة الدول الغربية الصديقة.

«أبو عبيدة» في «جاهات الأعراس»…

النائب فريحات كان نجم ظاهرة اجتماعية حصلت مؤخراً تلفت الانتباه؛ فقد تجاوب عشرات الأردنيين الموجودين في نشاط اجتماعي له علاقة بجاهة عرس، مع دعوته لوقف التواصل إلى حين أن يكمل الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة خطاباً مباشراً ومتلفزاً. أوقف الجميع في مكان الفعالية الاجتماعية فعلاً بعدما تصادف زمنياً آخر خطاب لأبو عبيدة مع مشروع خطبة عريس لعروس.
كانت تلك إشارة اجتماعية إضافية في تثبيت بوصلة ركائز الشارع الأردني بطريقة لا بد من احترامها ودخولها على الأقل، كما يقترح سياسيون كثر، في عمق معادلة المطبخ الرسمي وانحيازاته واتجاهاته ومواقفه.
أوقف المجتمعون نشاطهم الاجتماعي الشخصي بهدف الإصغاء لبث مباشر يخص أبو عبيدة، وكان المشهد أقرب صيغة إلى رسالة وجهها المجتمع قبل عدة أسابيع وحاولت قمعها السلطات الإدارية بنعومة عندما توسعت ظاهرة إطلاق اسم 7 أكتوبر على عدة محلات تجارية.
إزاء المخاوف والهواجس في سعي اليمين الإسرائيلي وبتواطؤ أمريكي مرصود لحسم الصراع حتى لو على حساب مصالح الدولة الأردنية، يخشى سياسيون من بينهم مروان الفاعوري من تلك الرسائل التي توحي بأن عناصر الاشتباك مع مشروع تصفية القضية الفلسطيني أردنياً لا تبدو صلبة أو جذرية على أساس رصد المفارقة التي تقول إن من أخفق إدارياً في السماح لمواطن أردني بسيط بإطلاق اسم 7 أكتوبر على محله التجاري، كيف سيضمن مصالح الأردن الأعمق في مواجهة أطماع الهيمنة اليمينية الإسرائيلية.

خطاب الكراهية

حتى شخصية عسكرية متقاعدة ومخضرمة مثل الفريق قاصد محمود، طالبت في نقاش مع «القدس العربي» بمقاربات وطنية أعمق تقود إلى رؤية أشمل للتفاصيل، بمعنى أن الجنرال محمود مقتنع بأن دول الجوار وشعوبها تعاني أصلاً، قبل العدوان على غزة، من خطاب الكراهية والهيمنة الإسرائيلي.
لذا، يصبح السؤال بمعانيه السيادية والسياسية في متلازمة الضرورة الملحة وبصيغة: إذا حسم اليمين الإسرائيلي المعركة ضد الشعب الفلسطيني، فدول الجوار جميعها ستعاني من الهيمنة والعربدة، وأغلب التقدير أن الأردن حصراً أكثر من سيعاني.
ما يلمح له الجنرال المخضرم هنا هو حزام الخوف والازدواجية الذي أشار له العياصرة وغيره، وسط تزايد القناعة بأن موقف الشارع الأردني في التضامن مع المقاومة الفلسطينية هو ورقة ضغط تفاوضية أساسية لا ينبغي إسقاطها أو إغفالها من أجل اجتهاد بيروقراطي هنا أو ترتيب أمني هناك، بعيداً عن روح التحدي والرهان والاستجابة.

موقف معقد

في الخلاصة، الموقف معقد، والبضاعة التي تبيعها الحكومة بعنوان الأولويات والمصالح ترتد إليها أحياناً لأنها لا تبرر في مقاربات قوى الشارع تحديداً بعض المؤشرات والمظاهر غير المفهومة التي لا تدل فقط على الرغبة في عدم الاستثمار أو احترام موقف الأردنيين الجماعي، ولكنها تظهر ميلاً أحياناً لقمع حريات التعبير ولحماية ما بقي من تطبيع مخجل مع الإسرائيليين.
حسابات التوازن والمصالح هي الخطاب الوحيد الرسمي في السياق.
لكن لا أحد رسمياً، في المقابل، يريد الإقرار بأن الإسرائيلي وهو يعتدي على سوريا ولبنان وغزة والضفة الغربية والوصاية في القدس، يسمح لحفنة مستوطنين ضمن أطر وأنماط التوظيف والتكييش السياسي بإعاقة المسار الأردني للمساعدات، ولا الإقرار بأن تخفيف القبضة الأمنية على نشطاء وملتقيات الأردنيين يمكن أن يستخدم بذكاء كذخيرة لتعزيز ثوابت الدولة. لكن ذلك لا يحصل حتى الآن، مع أن تأثرات الشارع الأردني تقول بكل اللهجات إنه لا ولن يشبع من التضامن.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى