اراء و مقالات

الأردن: كيف تغلق «منشأة سياحية» بجرة قلم؟

نصوت لتنظيم الأمور وللغرامة والمخالفة والإغلاق عندما يستلزم الأمر، ونصوت بالتوازي إلى الإنصاف والعدالة ووقف الهدر الناتج عن إغلاق المنشآت والتركيز على تصويب الأعمال فيها بدلا من الاستمرار في توجيه الضربات

مشهد إداري وبيروقراطي لكنه يعني الكثير ولا بد من تأمله والتوقف عنده، عندما يتعلق الأمر بكلفة الاشتباك البيروقراطي عشية ما تسميه حكومة الأردن بمشروع الصيف الآمن.
بجرة قلم فقط يقرر موظف ما تدوين سلسلة ملاحظات على شكل مخالفات أثناء زيارة تفتيشية لأحد أضخم المطاعم السياحية في العاصمة عمان.
وبجرة نفس القلم يوصي الموظف نفسه بإغلاق المطعم.. هكذا وبكل بساطة قرار بإغلاق مطعم مع تجاوز نمطية الرقابة الإدارية المنطقية والتي تبدأ من الملاحظة والتنبيه ثم تمر بالغرامة المالية حتى تنتهي بإغلاق المرفق في حال عدم تصويب المخالفات.
شخصيا لا يهمني المطعم ولا الجانب السياحي فيه كثيرا لكن ما يعلمه الجميع أن الحديث هنا عن منشأة سياحية معروفة يعمل فيها أكثر من 400 موظف أردني خلافا طبعا لسائقي التكسي ومراقبي الكراجات ولسلسلة التزويد التي تستفيد من جلوسي كزبون في ذلك المطعم، مع أني شخصيا لا أستطيع تناول طبق السلطة فيه على حسابي الشخصي.
بكل حال دخل المراقب الصحي ولا حجة لأي منشأة لأن تعليمات وبروتوكولات الوقاية الصحية معلنة. لاحظ الرقيب وهو طريف بالمناسبة أن باب الخزانة الصغيرة المخصصة لمستلزمات الأرجيلة مفتوحا خلافا للتعليمات، وأن الموظف المختص بالأرجيلة لا يبرز شهادة اللقاح، وأن عدد الزبائن بتقديره الشخصي في صالة المطعم أكثر مما ينبغي، وأن بعض الطاولات لا تبعد عن الأخرى مترين كما تنص التعليمات.
تلك قد تكون مخالفات حقيقية لكنها بالتأكيد ليست من الصنف الذي يؤدي إلى تمكين موظف صغير من إغلاق منشأة كلفت أو تدير أكثر من عشرة ملايين دينار، وهي مخالفات تقديرية أستطيع كمواطن مناقشة الحكومة فيها لمدة أسبوع فلا أحد يعلم ما الذي يعنيه وجود زبائن أكثر مما ينبغي، ولا أحد يفهم ما هو المقصود بإبراز موظف الأرجيلة لشهادة التلقيح.
وطبعا لا أفهم كمواطن ترغب وزارة الصحة مشكورة في الحفاظ على سلامته كيف سأتضرر إذا نسي موظف ما باب خزانة المعسل أو الفحم مفتوحا لبعض الوقت، أو تصادف أن الباب كان مفتوحا لسبب ما مع مرور السيد الرقيب، حيث لا مخالفات صحية حقيقية ولا إعتراضات على صنف ونوعية الطعام أو نظام التبريد أو نظافة المكان مع أني أفترض كمواطن ايضا بأن قياس المسافة لمترين بين طاولتين بصورة دقيقة مسألة تحتاج لما هو أكثر من مجرد نظرة.

نصوت لتنظيم الأمور وللغرامة والمخالفة والإغلاق عندما يستلزم الأمر، ونصوت بالتوازي إلى الإنصاف والعدالة ووقف الهدر الناتج عن إغلاق المنشآت والتركيز على تصويب الأعمال فيها بدلا من الاستمرار في توجيه الضربات

لو كنت صاحب منشأة سياحية لا سمح الله لرغبت على الأقل في تقديم لائحة مخالفات التي ستؤدي بي إلى السجن في النهاية مكتوبة على ورقة نظيفة بالحد الأدنى، أو مطبوعة حتى أفهمها فالأمر لا يتعلق بمخالفة سير في الشارع بل بمنشأة سياحية ضخمة يا قوم، فقد قرأت شخصيا وبالصدفة المحضة تلك الورقة التي تقرر بموجبها إغلاق المنشأة ولم أفهم كلمة واحدة من نصوصها ومفرداتها المزدحمة، وقد كانت أقرب لنسخة حجاب أصدرها مشعوذ ما.
مادامت السلطة ونحن نقر بسطوتها وسطوة القانون تريد إغلاق منشأتي وتشريد عمالي ودفعي لخسارة الملايين، فعلى أقل تقدير عليها أن تفعل ذلك باحترام يبدأ من شكل الكتابة على ورقة المخالفة بعيدا عن الطلاسم. وحتى أرتدع أنا وأمثالي من رجال المال والأعمال والاستثمار الأوغاد فلتتخذ القرار لجنة على الأقل من المختصين. طبعا لا نشكك بنوايا ودوافع المراقبين الموظفين لا سمح الله.
لكن تمكينهم من إغلاق منشآت قرار كبير ومهم وله آثار على قطاعات وليس على منشأة واحدة فقط، وسلطاتهم تقديرية قابلة للنقض أو النقاش في أي محكمة، لكن كل عمليات التجارة في المنشأة تكون قد فسدت إلى أن يثبت صاحبها بأن من يحررون المخالفات هم الذين خالفوا القانون.
سبق لي أن تورطت في قراءة لائحة تعليمات صحية طولها عدة أمتار وتخص حصريا كيفية تقديم المعسل والأرجيلة في المقاهي الشعبية، فالسلطات هنا تحديدا أصبحت فجأة خبيرة استثنائية في صنف المعسل ونوع البربيش وطبيعة الأرضية التي يوضع عليها الفحم، وكاد ذلك البروتوكول أن يحدد لصاحب كل مقهى صنفا بعينه من الفحم قد يشتريه من محل محدد ويحمله بطريقة أكثر تحديدا.
بكل حال الرقابة مهمة ولا أحد يناقش في ذلك.
لكن آن أوان توحيد أجهزة الرقابة وتحديد الفوارق بين موظف يتحرك للتفتيش وضبط المخالفات بدوافع المسؤولية الوطنية والحرص على الصحة العامة وبين زميل آخر له مزاجه مضطرب أو دوافعه قد لا تكون ذلك الحرص.
نصوت لتنظيم الأمور وللغرامة والمخالفة والإغلاق عندما يستلزم الأمر ونصوت بالتوازي إلى الإنصاف والعدالة ووقف الهدر الناتج عن إغلاق المنشآت والتركيز على تصويب الأعمال فيها بدلا من الاستمرار في توجيه الضربات.
لا بد من اخضاع الجميع للقانون.
بالمقابل الأطقم البيروقراطية التي تتولى هذه الجزئية في مراقبة الصحة العامة تحتاج لتأهيل وتدريب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى