اراء و مقالات

الأردن: هل يقطفها «الدغمي» بسهولة؟… زحام على أبواب رئاسة البرلمان و«المنظومة» في الاشتباك

عمان – «القدس العربي» : تصبح الخيارات الاستراتيجية كمخرج محتمل مسألةً في غاية التعقيد عندما تكون «يتيمه» أو أحادية أو لا بديل لها في السياق الأردني الداخلي.
الأمر يزداد تعقيداً عندما يتعلق الأمر بترتيب البيت الداخلي لمؤسسة البرلمان الأردني عشية ليس فقط إنعقاد الدورة العادية المقبلة للبرلمان في منتصف الشهر الجاري، لكن الأهم عشية العبور بالمشروع الوحيد سياسياً، الذي تتجول به المؤسسات الأردنية وتعتمده جميع مؤسسات وأجهزة الدولة مرحلياً، بعنوان تحديث المنظومة السياسية.
تتسبب الرغبة الحماسية بعبور آمن لتشريعات منظومة التحديث السياسي في الأردن في تراكم سلسلة من الأزمات على أكثر من نطاق ومساحة.
المأزق الأكبر يدفع البوصلة في اتجاه خيارات يبدو أنها قد تكون وحيدة وينتج عنها زحام غير محمود على مواقع الصف الأول في رئاسة مجلس النواب.
من جهة، لا يوجد على المستوى الرسمي المركزي في هذه المرحلة إلا مشروع واحد بعنوان التنمية السياسية، تم إبلاغ الرأي العام به ويخضع للتشكيك، مما يؤسس لحالة اختبار متجددة لنوايا وصدقية الدولة، خصوصاً أن وعود الإصلاح السياسي في الماضي كانت كثيرة وألحقت ضرراً بعلاقه الثقة بين المؤسسات الرسمية والشعب.
وهو ما لاحظه على هامش نقاش بحضور «القدس العربي» البرلماني والوزير الأسبق الشيخ عبد الرحيم العكور، وهو يجدد التحذير من صعوبة وتعقيدات فقدان المواطن الأردني لليقين -مجدداً- بالإصلاح والتحديث، حيث تجارب سابقة يعرفها جميع السياسيين انتهت بسلسلة من الوثائق المرجعية التي وضعت في ثلاجة الانتظار والتحنيط.
بعيداً عن المنطق الذي يلمح له الشيخ العكور، يمكن القول بأن انتخابات رئاسة مجلس النواب الوشيكة بدأت تتعرض لحالة من الاستقطاب الحاد، حيث مواجهة أقطاب وأوزان وفرص منفلتة لنحو ثلاثة أو أربعة من المرشحين لرئاسة المجلس في المرحلة اللاحقة، والتي توصف بأنها مرحلة مهمة ومفصلية وتتطلب ارتفاعاً كبيراً في منسوب الوعي والحرص الوطني والحرص على المؤسسات الدستورية، على حد تعبير النائب الدكتور عبد الرحيم المعايعة.
المعايعة ورفاقه بصدد خوض مواجهة انتخابية خلال أقل من أسبوع، ويبدو أن السعي لمرور تشريعات تحديث المنظومة السياسية بطريقة منطقية وآمنة وبدون ضجيج.
وباعتبارها المشروع المركزي على المستوى الاستراتيجي للدولة الآن قد ينتهي بمطالبات وضغوط خلف الستارة والكواليس لضمان ذلك العبور الآمن، مما يعني تلقائياً -وهنا يكمن المأزق التكتيكي وليس الاستراتيجي- أن الاعتماد على قوى الأمر الواقع المنفلتة في تمرير وثيقة أو تشريعات تحديث المنظومة السياسية، قد يكون رهاناً في غير الاتجاه السليم.
وذلك لا يعني، عملياً وسياسياً، إلا أن القوى ومراكز القوى الأساسية والمفصلية في الدولة ومؤسساتها والتي تؤثر بالعادة على مسار الأمور خصوصاً تحت قبة البرلمان، مضطرة للتدخل على أساس الضغط على النواب لحماية وتحسين مشروع تحديث المنظومة، خصوصاً أنه يحظى بدعم وإسناد ملكيين غير مسبوقين، والتدخل بحد ذاته مرفوض عندما يتعلق الأمر بزمن وتوقيت تحديث المنظومة السياسية.
لكن وفي طبيعة الحال، فإن مستوى التنظير خلف الكواليس للتدخل من أجل ضمان عبور آمن لتشريعات التحديث المشار إليها، وهي مهمة وتتعلق بعدة أطر تشريعية أهمها التعديلات الدستورية وقانونا الانتخاب والأحزاب ضمن نمط أو سياق من التعليق والتفاعل- يطالب الدولة بالتحرك لأول مرة في اتجاه تحديث المنظومة وسط حالة تشكيك على المستوى الاجتماعي عموماً، ووسط بروز محاولات لإعاقة المنظومة ووثيقتها من قبل رموز بارزة في الحرس القديم للدولة. بمعنى أو بآخر، توقيت وزمن المنظومة لا يحتمل التدخل، أو يفترض أن يظل مضاداً لفكرة التدخل الرسمي في مسار الأمور.
لكن ترك ذلك بعد هندسة الانتخابات وفي ظل تركيبة واتجاهات وانحيازات مجلس النواب الحالي لفكرة النضج الديمقراطي والإصلاحي – قد يؤدي إلى نزع الدسم من غالبية مخرجات وثيقة تحديث المنظومة السياسية، مما يؤسس لمفارقة جديدة يبدو أنها تمثل ضمنياً واحدة من كلف وفواتير الاتجاه نحو التدخل في الانتخابات الأخيرة عام 2020 وهندستها بطريقة غامضة الأسباب والمبررات حتى الآن.
والزحام المشار إليه على منصة رئاسة مجلس النواب، وبالتالي رئاسة السلطة التشريعية، يمكن ملاحظته ببساطة؛ فالاجتماعات الليلية تتكرر، وعملية التحشيد والاستقطاب في أوجها، والجميع بانتظار صعود دخان أبيض يحدد الخيارات، وبالتالي يعتقد وعلى نطاق واسع أو نخبوي واسع بأن ضمان مرور التعديلات الدستورية يتطلب وجود شخصية من وزن المشرع المخضرم عبد الكريم الدغمي على سدة الرئاسة، باعتباره الأكثر خبرة والأكثر قدرة في عملية التشريع.
لكن مع اعتبار آخر محسوب سياسياً، من المرجح أن أطرافاً في اللجنة الملكية نفسها التي صاغت الوثيقة تتبناه، وهو التأشير على أن وجود الدغمي على سدة الرئاسة أثناء عبور وتمرير المخرجات المشار إليها والجدلية أفضل بكثير لتلك المخرجات من وجوده تحت القبة وبين النواب، حيث تؤسس رئاسة مجلس النواب لبعض القيود في التشريع والمداخلة، وحيث يحتفظ الدغمي بقدرات كبيرة على إدارة الجلسات بالطريقة التشريعية.
وحيث – وهذا الأهم – قد تعتبر عودة الدغمي إلى موقعه الذي غادره من سنوات طويلة وبعد طول انتظار نمطاً من أنماط الترتيب أو الصفقة التي ستقود إلى مرور آمن لمقتضيات ومتطلبات تحديد المنظومة، مما يعني ضمنياً المجازفة بسيناريو عودة رئيس المجلس السابق عبد المنعم العودات، أو حتى الضغط على النائب الدكتور نصار القيسي، الذي يعتبر الأوفر حظاً بحكم النشاط والفعالية التي أظهرها في استقطاب أصوات الزملاء في الأسابيع القليلة الماضية، ما لم يحصل تدخل يعيد خلط الأوراق. تلك تجليات تشغل صالونات الأردنيين مرحلياً بظرف زمني محشور، وتدل دوماً على أزمة «الخيارات والبدائل».

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى