اراء و مقالات

الأردن العميق تحت «الانطباع نفسه»: محطات الوقود حركت بايدن للمنطقة و«دموعه الإسرائيلية» لأهداف «انتخابية»

عمان – «القدس العربي»: يبدو أن القراءة أو المقاربة الأردنية العميقة لتطورات المشهد الإقليمي في الأسبوعين الماضيين، وفي بؤرتها زيارة واجتماع الرئيس الأمريكي جو بايدن بالزعماء العرب، غادرت منطقة الأوهام والاستعراضات السياسية والدبلوماسية.
وبدأت تلك المقاربة تميل إلى التعامل مع الوقائع والحقائق على الأرض كما هي، وفقاً لأهم المصادر المطلعة على التفاصيل والحيثيات بعد تبادل المعطيات مع «القدس العربي». الأردن صورة واقعية عن الاعتبارات التي دفعت الإدارة الأمريكية للتحرك في اتجاه الإقليم والمنطقة، الأمر الذي يعني بأن عمان على الأقل لديها تصور واقعي لمسارات الأحداث، وهذا ما يلمح إليه رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة وهو يتعامل مع المعطيات في إطار دراسة معمقة للتفاصيل والحيثيات، أملت فيما يبدو مداخلته الإعلامية الأخيرة بعنوان «التهدئة» مع إيران و»المتابعة» في مشهد القضية الفلسطينية.
بالنسبة للبوصلة الأردنية، بدأت الاعتبارات من خلال فهم واقعي أكثر لاستعراضات الرئيس بايدن خلال زيارته الأخيرة لتل أبيب، حيث الاعتقاد راسخ بأن المسألة «انتخابية في المقام الأول، والاعتقاد راسخ أكثر بأن زيارة الرئيس بايدن للسعودية ولقاءه مع قادة دول الخليج ومصر والأردن هدفها الأعمق والأبعد حصرياً هو الحد من ارتفاع أسعار البنزين والمحروقات في محطات الوقود الأمريكية عشية انتخابات نوفمبر بصورة محددة، وهو ما قدره مبكراً في نقاش مع «القدس العربي» الناشط السياسي الفلسطيني الأمريكي الدكتور سنان شقديح.
ومن المرجح أن الانتخابات الأمريكية بدأت تطرق كل الأبواب، والخشية كبيرة من جهة الحزب الديمقراطي الحاكم بالتعرض لخسائر فادحة في انتخابات نوفمبر المقبل، ومن المرجح أيضاً أن نسبة التضخم الأمريكي التي بدأت تقارب 9.3 في المئة على المستوى المعيشي مع ارتفاع أسعار المحروقات من المبررات التي دفعت الرئيس الأمريكي لمحاولة تحريك المياه الراكدة على أمل السيطرة أكثر على أسعار المحروقات بصورة خاصة، والتي بدأت تسهم في رفع نسبة التضخم ووصوله إلى مستويات غير مسبوقة في المعدلات التي يتعامل معها الناخبون الأمريكيون عموماً وسط خشية من أن يؤثر ذلك بصورة محددة في كل تفاصيل المنافسات الانتخابية سواء في مجلس الشيوخ أو الكونغرس، وفي العديد من الدوائر التي تبدأ انتخاباتها في نوفمبر المقبل، وبعدها بالعادة تدخل الإدارة في حالة صمت تقريباً وقدرة محدودة على اتخاذ قرارات مهمة في السنة الثالثة للرئيس الأمريكي.
وهنا حصرياً تبرز القراءة التي تتميز بالعمق والواقعية لمسار الأحداث، فالانطباع في مركز القرار الأردني أولاً يشير إلى أن الرئيس الأمريكي لا جديد لديه إطلاقاً لا على صعيد عملية السلام ولا على صعيد حل الدولتين ولا حتى على صعيد المواجهة المفتوحة والمتعددة الأوجه مع الجمهورية الإيرانية في المنطقة.
وبالتالي، قرأت الزيارة الأخيرة لإسرائيل باعتبارها محاولة لمخاطبة على الأقل رأس المال اليهودي في الولايات المتحدة، تمهيداً للانتخابات المقبلة وسط تقاطعات وظروف على الأرجح معقدة بما يكفي.
ومن هنا المجاملات التي أظهرها الرئيس بايدن في إطار العزف على الأوتار السردية اليهودية خصوصاً، وأنه صرح علناً بأنه يؤيد حق إسرائيل في دولة يهودية.
وهو تصريح غريب وخارج المألوف في القاموس الدبلوماسي الأمريكي، إضافة إلى تلك الدموع التي ذرفها في المركز المتعلق بالهولوكوست والمحرقة.
ومن هنا على الأقل، عمان تميل إلى قراءة هذه التصرفات وهذه التصريحات التي واجهها، محاولة لملامسة شوق الفلسطينيين للحرية والعيش بكرامة عبر زيارة القدس الشرقية ومستشفياتها واللقاء المحدود جداً وقتياً مع الرئيس محمود عباس، وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن الأردن لا يجازف كثيراً بقراءة زيارة الرئيس الأمريكي وتأثيرها على ملفات المنطقة، وحصرياً الملف الفلسطيني الذي يحظى بالأولوية الكبيرة لدى القيادة الأردنية ومؤسسات الدولة الأردنية.
بعيداً عن ذلك وقريباً من بؤرة الحدث، الانطباع أكبر على الأقل داخل مستويات القرار الأردنية بأن الرئيس الأمريكي ليس لديه خطة من أي نوع لمواجهة عسكرية مفتوحة مع الإيرانيين، لا بل الحديث عن «إعلان القدس» والتزامه بالأجندة الإسرائيلية تجاه الملف النووي الإيراني مسألة دبلوماسية تنطوي على مجاملات أكثر من كونها خطة عمل محددة، خصوصاً وسط انطباع أجهزة الاستخبارات الأمريكية والغربية وبعض أجهزة المخابرات العربية بأن المشروع النووي الإيراني أصلاً انتقل إلى ملامحه وخطوطه الأخيرة.
وبناء عليه، الحديث في القراءة الأردنية العميقة للحدث عن ترتيبات إقليمية وترتيبات عسكرية أمنية إقليمية هو حديث خارج النطاق المنطقي والواقعي أيضاً، حيث لا مشاريع جديدة في هذا الاتجاه غيرت تلك المألوفة، وحيث اعتبارات لها علاقة فقط بملف الطاقة وأسعار المحروقات وإنتاج نحو مليون برميل نفط إضافي من قبل دول النادي الخليجي هو الأساس في أهداف التحرك الأمريكي، إضافة إلى تثبيت الوقائع وتسكين الملفات الساخنة والحيلولة دون غرق دول الخليج ومنظومتها في تفاصيل أي تفاهمات خارج السرب الأمريكي مع روسيا والصين.
ومن هنا يمكن القول بأن الأردن على الأقل يقرأ الأمور بواقعية أكثر، وبالتالي الإشارة بين الحين والآخر عبر تقارير إعلام فقط عن توحيد أنظمة الرادار وتوحيد أنظمة الدفاع الجوي بين الدول الحليفة في المنطقة بالتعاون مع إسرائيل هي ليست أكثر من أفكار ومقترحات موجودة على الطاولة أصلاً منذ سنوات طويلة وتحديداً منذ احتلال العراق، ولا جديد هنا على الإطلاق؛ لأن الأنظمة الأمنية والمنظومات العسكرية بين جميع الدول يعمل أصلاً بعضها مع البعض.
وتلك الأفكار ورقية حتى الآن، ولا يوجد فيها تحركات طبع أو خلفية سياسية. ومن هنا مال الأردن عملياً للتعامل مع الحدث ومحاولة العودة إلى الجلوس على الطاولة فقط والظهور بمظهر المتجاوب مع الأجندة السعودية، وتحديداً تحركات الأمير محمد بن سلمان في قمة جدة التي عقدت السبت.
ولذلك أيضاً، يمكن القول بأن الحكومة الأردنية بادرت إلى التهدئة وإرسال رسائل دبلوماسية ناعمة مع الجمهورية الإيرانية حصرياً، خصوصاً بعد الجدل الذي أثاره تصريح للملك عبد الله الثاني أشار فيه إلى أن بلاده مستعدة لمساندة أي حلف ناتو جديد على مستوى الشرق الأوسط.
وهو تصريح كان عبارة عن جواب افتراضي على سؤال افتراضي لمراسلة أمريكية ليس أكثر ولا أقل، وتجنباً لأن تفهم طهران الرسائل في غير سياقها الأردني على الأقل صرح عبر بي بي سي العربية رئيس الوزراء بشر الخصاونة بأن إيران بالنسبة للأردن لا تهدد أمنها القومي، وتحدث عن ملاحظات وصفها بأنها جذرية ولها علاقة بمحاولات تدخل إيران في بعض الدول الصديقة والشقيقة، لكنه عبر عن أمله في تطور العلاقات الأردنية الإيرانية في السنوات المقبلة، وبذلك يعبر الخصاونة عن أنعم رسالة دبلوماسية وسياسية وصلت إلى الإيرانيين منذ سنوات طويلة عملياً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى