اراء و مقالات

الأردن يبحث عن شبكة مصالحه وسط ألغام الحقل الفلسطيني المتفاعلة في كل الاتجاهات

عمان – «القدس العربي»: الأردن في عمق المشهد الفلسطيني يؤسس لمعادلة أو لفلسفة سياسية مستجدة تتعامل أو تحاول التعامل مع “الوقائع” كما هي، لكنها معادلة “مرنة” إلى حد يلاحظ سياسيون كبار أنه “قد يهدد” الثوابت.
في أي تحرك أردني باتجاه حقل الألغام الفلسطيني خطوة للأمام أحياناً وخطوتان للخلف في بعض التفاصيل وما يرصد “حالة الثبات” في مراحل محددة. تلك عموماً “إدارة” يمكن أن تكون صالحة للاستعمال في تبرير السلوك والتناقض والازدواجية في المعايير عندما يتعلق الأمر ببحث الأردن السياسي والإعلامي والنخبوي وحتى العميق عن شبكة مصالحه أو شبكة الأمان في عبور مصالحه وسط ألغام الحقل الفلسطيني المتفاعلة في كل الاتجاهات والفخاخ، التي يمكنها أن تنفجر بين لحظة وأخرى هنا أو هناك.
الأردن بلد لا يقيم حساباته استراتيجياً كما قال يوماً رئيس الوزراء الحالي بشر الخصاونة لـ “القدس العربي” بناء على أوهام لا على الصعيد الإسرائيلي ولا على أي صعيد آخر. والدولة الأردنية كما أكد أيضاً يوماً لـ “القدس العربي” وزير الخارجية أيمن الصفدي، تؤمن بالسلام والأخلاق وسيادة القانون. لذلك درج العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في موقفه المتقدم في الاشتباك على التحذير من “انهيار الوضع القانوني في الضفة الغربية”.
من جانب آخر، وجود “كتلة ديمغرافية ضخمة جداً” من المكونات الفلسطينية في عمق تركيبة المجتمع ومكونات الدولة بقي طوال الوقت مستنداً يحكم القرار والتوجه في كثير من التفاصيل، خصوصاً الداخلية والسياسية. والأخير عنصر أساسي في خلفية المشهد والقرار، يبرر برأي ما هو معتمد في غرف القرار القناعة بأن “هوامش الحركة” الأردنية في الملف الفلسطيني والإسرائيلي والأمريكي مقيدة ولا تصلح للمقايسة بمواقف دول عربية أخرى. هنا حصراً يتحدث مسؤولون كبار من بينهم المخضرم رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، وأحياناً رئيس الوزراء الخصاونة، عن طبيعة توازنات المصالح والفارق في المسؤولية بين “الموقف والتصرف”.

«ترتيبات ناضجة»

يتحدث آخرون من كبار الساسة عن “ترتيبات ناضجة وغير انفعالية” يمكن ببساطة أن تقدم خدمة مجانية للموتورين في اليمين الإسرائيلي، وخصوصاً من طبقة من يصفهم المخضرم أيضاً علي أبو الراغب على هامش نقاش مع “القدس العربي” بـ “البلطجية” الذين استقطبوا وأصبحوا وزراء وأصحاب قرار في الهرم الإسرائيلي. سأل أبو الراغب: كيف لدولة تزعم أو زعمت أنها ديمقراطية ويدعمها الغرب أن تقبل بفكرة تسليم القرار في الأمن القومي والمالية مثلاً لمثل هؤلاء الذين جلبهم نتنياهو لمواقع الصف الأول؟
لا جواب على ذلك بصيغة محددة، لكنه حصل ويحصل. والأردن يفرض إيقاعات تحدّ مقلقة على مؤسسات صناعة القرار الأردني، زادت إيقاعاتها ومعدلاتها بوضوح بعد معركة “طوفان الأقصى” التي يقر الفايز مثلاً بأن ما قبلها يختلف فعلاً عما بعدها، وأنها “أعادت إنتاج الواقع الموضوعي” وبدلت في المعطيات وكشفت الكثير من أسياسيات المشهد سواء الإسرائيلي أو الدولي عموماً بطريقة تجعل الاعتدال والإيمان الأردني هو السلاح الأفضل في إدارة الاشتباك.
يستذكر كبار الساسة أن الأردن دولة تؤمن بالسلام، وأن ذلك الإيمان ينسجم مع “طبيعة وتركيبة وهوية” الشعب الأردني “المسالم عموماً” برأي الفايز، وإن كان “لا يقبل الضيم” لا للأردني ولا للفلسطيني. ويستذكرون بأن الولايات المتحدة هي “الممول المساعد الأكبر” للمملكة، وسياسية الاستثمار في تبديل مواقفها السلبية أحياناً هي الأفضل والأكثر إنتاجية.
عملياً، تلك “المحددات” كما يصفها دوماً الدكتور أمين محمود، أساسية في مشهد قرار السلوك والتصرف، لكن ليس للحد الذي يسمح بـ”التساهل” في الجانب الأخلاقي أو بأي تسهيلات وتنازلات بملف “الثوابت” خصوصاً في القضية الفلسطينية.
لذلك تكرست بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر إمكانات الأردن الدبلوماسية والسياسية، ووضعت بين يدي “الشعب الفلسطيني” ضمن إطار متوازن يندد بالعدوان ويشتبك معه في المحافل الدولية، ويقدم المساعدات ويبني المستشفيات في الوقت ذاته في الضفة الغربية وقطاع غزة معاً خلافاً لتقديم النفط والقمح والأدوية لمن يحاصرهم الاحتلال تأسيساً لمنطق “التهجير” الذي صرح الأردن علناً بأنه سيعتبره فوراً “إعلان حرب”.
في المقابل وبعيداً عن محترفي الشكوك والتشكيك وإثر تداعيات الطوفان في غزة، وجدت عمان نفسها في سياق تحديات أساسية وتفصيلية أخرى وأسئلة يلح المحلل السياسي الاقتصادي الدكتور أنور الخفش على وجوب طرحها وطنياً، وبعضها ينبغي أن يحاول الإجابة على هوية الأطقم التي تدير الأمور وبأي اتجاه.

«مقاربة أردنية»

تفصيل اليوم هو الأساس في تشكيل وتكوين “مقاربة أردنية” فعالة في المشهد الفلسطيني لا تستسلم لتراثيات الماضي الإسرائيلي والفلسطيني.. ذلك يثبته بكفاءة وجود أسماء خمسة من رؤساء الوزراء السابقين أردنياً في قائمة الأسماء التي وقعت على وثيقة النداء الفلسطيني، والتي تلخصها الدعوة إلى “إعادة بناء الشرعية الفلسطينية بحيث تضم فصائل المقاومة”.
بدا لافتاً جداً للنظر بأن شخصيات مثل عبد الرؤوف الروابدة وأحمد عبيدات وطاهر المصري وعبد الكريم الكباريتي وأبو الراغب خلافاً لمئات السياسيين الأردنيين شكلت “الكتلة الحرجة الأهم” ولأول مرة في مساحة “إعادة تجديد الشرعية الفلسطينية”، الأمر الذي يعني ضمناً عدم الإقرار بأن “الرهان فقط على السلطة الفلسطينية”، هذا أولاً. وثانياً، البقاء بعيداً عن دلالات الطوفان والمقاومة لم يعد برأي عدد لا يستهان به من طبقة رجال الدولة الأردنية هو الخيار الأفضل “الضامن” لشبكة المصالح الأردنية المعقدة أمنياً واقتصادياً واستراتيجياً”.
هذا الصنف من الآراء والاعتبارات والمداخلات يعبر تماماً ليس فقط عن “القلق السياسي الوجودي” بقدر ما يعكس الإجماع النخبوي على مقاربة مختلفة ضامنة للمصالح بعيداً عن ثلاث مساحات تبدو اليوم مغلقة على “المصالح الحيوية الأردنية”، بعنوان التكيف الثلاثي مع “السلطة والخطة الأمريكية واليمين الإسرائيلي”. كيف يمكن التعاطي مع هذه الثلاثية المعقدة الآن؟ هذا هو السؤال المحوري الذي تغرق فيه صالونات ومجالسات عمان، لكن بثقة مسبقة بالقدرة على “ملاعبة الجميع” والمشي بأمان قدر الإمكان في حقل الألغام الفلسطيني تجنباً للكمائن والفخاخ.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى