اراء و مقالات

الأردن: «هجوم» على «نقابة المهندسين» والكل «متهم»

«لغز» تهشيم أعرق وأهم النقابات المهنية

عمان – «القدس العربي» : قد لا يجد المراقب الحصيف والحريص ما يمكن أن يقنعه بتلك الانحيازات الأجنداتية العبثية التي تقفز في ذهن شريحة المهندسين، تحديداً وهم يحاولون «خدش» نقابتهم العريقة بطريقة غير مفهومة، لا بل الإساءة لها، ولاحقاً الانسجام مع فكرة إخراج أعرق النقابات المهنية في الأردن عن سكتها ودورها المهم، ودون أسباب واضحة باستثناء جموح رغبة أطراف عدة نحو تجريف المحتوى السياسي والنقابي وبلا بديل.

«لغز» تهشيم أعرق وأهم النقابات المهنية

حجم الانقسام والتنابز وتبادل الاتهامات في أضخم وأعرق نقابات الأردن المهنية أصبح لغزاً، خصوصاً أن التحالفات عند التفاصيل تمضي أو تولد أو تذوب بالقطعة والتقسيط ودون مبادئ واضحة، وأيضاً بعيداً عن الصراع السياسي الإيجابي الذي كان له الفضل دوماً في تكريس تقاليد نقابية جعلت شريحة المهندسين مقدرة في الواقع الاجتماعي والرسمي والمهني.

حمى الاتهامات

مؤسف جداً رصد حمى تبادل الاتهامات والرغبة في الإعاقة بين المهندسين الذي يشكلون طبقة مثقفة وثقيلة خلافاً لأن نقابتهم تمثل أكثر من 120 ألف مهندس على الأقل لدى مؤسسة كانت دوماً بيت خبرة، ومعاوناً شرساً للدولة والحكومة، وقائداً لبقية النقابات المهنية. بصراحة، «يسيء المهندسون لأنفسهم بطريقة غير واضحة»، كما يقدر وليد مطر عضو النقابة منذ ربع قرن.
والخلافات بدأت بتجاذبات بين القائمة التي تمثل ميول وتحالفات التيار الإسلامي وقائمة أخرى مهنية أنهت سطوة الإسلاميين بعد ربع قرن قبل سنوات، وفي نسخة الانتخابات لفروع النقابة قبل أقل من شهر كانت أجواء الاحتقان كبيرة، ووثقت صوراً ومشاهد غير لائقة، وبرزت ممارسات غير مألوفة في السابق. وهنا احتج التيار الإسلامي وأعلن الانسحاب من مشهد الرقابة، برمته وفي توقيت حساس وبذريعة تدخُّل السلطات الخارجي عبر تحشيد مهندسي القطاع العام بشقيه العسكري والمدني بهدف التدخل لصالح قائمة محددة.
وهي تهمة إثباتها في الواقع معقد، وإن كان من المرجح أن التيار الإسلامي فيه اليوم فائض من الاحتقانات والإشكالات الداخلية تم تفريغ جزء منه عبر فوضى نقابة المهندسين. فكل ما يقوله الإسلاميون اليوم بخصوص مسألة المهندسين هو فقط تعليق المشاركة رداً على التدخل الرسمي، وقد استمعت «القدس العربي» للأمين العام لجبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة، وهو يقول متأسفاً بعدم الحرص على البقاء في تلك النقابة، فهي جسم ثقيل ومديون بعشرات الملايين من الدنانير، ومن يريد التدخل في انتخاب المهندسين الحر لممثليهم ستترك له الساحة لكي يتحمل المسؤولية.
النمط الذي يقترحه العضايلة يعكس نفسه أيضاً على انتخابات البلديات، لأن الأخير مصر على قناعة كوادر التيار الإسلامي بحصول تدخل واستهداف منظم.
لكن الزهد السياسي المنضبط في لهجة الشيخ العضايلة لا يظهر في الجملة التكتيكية أو اليومية وأحياناً التحريضية لنخبة التيار الإسلامي في مجمع النقابات المهنية، مما يوحي مجرد إيحاء بأن التيار لا يريد فقط الزهد بترك معركة انتخابية، لكنه يدخل في خط اشتباك غامض عبر بعض قياداته ونشطائه النقابيين بهدف عدم ترك الأمور مستقرة.
هل القصد من تصرفات بعض الإسلاميين في النقابات «التخريب فقط»؟
يطرح بعض المستقلين والخصوم هذا السؤال. لكن نقابيين بارزين من بينهم الناشط المهم ميسرة ملص، يردون التعبير عن الأسف لما يجري؛ لأن «نقابة المهندسين انتهت» وهي إجابة يرفض -رغم الإشكالات- نقيب المهندسين أحمد سمارة الزعبي، كما يفيد لـ«القدس العربي»، «التسليم بها أو الاستسلام لها».

سؤال محرج

الإجابة على سؤال «تخريب المهندسين جميعاً لنقابتهم» لا تبدو حاسمة؛ فالانطباع يشير إلى أن خصومة الأيديولوجيا مع اليسارين والقوميين والمدنيين وغيرهم في نقابة المهندسين أو غيرها، قد تدفع في اتجاه المنطق القائل بأن الإسلامي قد لا يمانع مستقبلاً من إفساد المشهد الحالي ضمن نقطة تقاطع مع أجندة رسمية خلفية معنية بإضعاف النقابة المهمة حتى يعود لاحقاً للثنائية القديمة التي استمرت لربع قرن، وعنوانها الإخوان المسلمون والدولة فقط.
تلك نظرية تحتاج إلى اختبار، لكن هل يمكن للخصومة الأيديولوجية أن تؤسس لمنطق من هذا النوع؟
سؤال محرج، فبراغماتية الإسلاميين مرصودة بين الحين والآخر، وزهدهم العلني بكل مساحات الانتخابات قد لا يكون أكثر من جملة مسيسة، والبقاء فقط في مستوى توجيه الاتهام للإسلاميين حصراً والتشكيك بهم دوماً لا يعني بأن خصومهم الأيديولوجيين في السلطة أو في النقابات المهنية هم دوماً الأدق أو الأصدق، دون أن يعني ذلك بطبيعة الحال أن «تصرفات» الإسلاميين نقابياً إيجابية أو بناءة، مع أن مسؤولياتهم أكثر وأكبر من غيرهم. لذلك، المشهد معقد فعلاً، والسلطة نفسها لا توضح للجمهور خلفية الأسباب التي تجعلها معنية بخشونة ملموسة بإضعاف نقابة مهمة جداً كانت دوماً رديفاً للدولة وتقوم بواجبات عملاقة في الإطار المهني وفي إطار الأعمال والمال.
وباختصار، الجميع يهجم اليوم على نقابة عريقة. والجميع يحاول تهشيم هذه النقابة وإضعافها، واللافت جداً أن هذه العملية التخريبية سواء تورط بها الإسلاميون أو الرسميون أو المعتدلون من أبناء تيار نمو أو بعضهم، سلاحها الوحيد واليتيم هو المهندس الأردني نفسه الذي يتحرك بلا صحوة ولا على التعيين اليوم.
لصالح الفوضى التي اجتاحت انتخابات المهندسين الفرعية حتى الآن وعبرت عن نفسها بشكل غريب، فقد ارتفعت فجأة تعبيرات الهويات الفرعية في مكان لا يناسبها إطلاقاً. وارتفعت معها تكتيكات الإسلاميين المتناقضة، وبالتوازي مع تفسخ لا أحد يعرف مصدره في تيار مهني مثير يحمل اسم نمو، ويبدو أن صوت السلطة يطرقه أحياناً أيضاً.
طبعاً، لا أحد يستفيد من هذا التهشيم إلا إذا كان المستفيد غامضاً ومجهولاً، والأهم أن الشرائح التي تزعم أنها مسيسة وحريصة على المهنة والنقابة هي نفسها معاول الهدم والتجاذب اليوم.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى