اراء و مقالات

نقص «أطباء الاختصاص» تحول لـ «أزمة وطنية»: أين الملاذ دون خدش «البورد الأردني»؟… وهل يعيق النواب الحلول؟

عمان – «القدس العربي»: يمكن لأعضاء مجلس النواب الأردني تجنب العزف المنفرد وإثارة القلق، لا بل المناكفة فقط، والعودة إلى مناقشة النصوص والتفاصيل عندما يتعلق الأمر بمشروع الحكومة الطموح تشريعياً تحت عنوان تطوير التشريعات المرتبطة بالمجلس الطبي الأردني حصراً، وتوسيع مظلته قليلاً بصيغة تحاكي الاحتياجات والأولويات وتحاول تغطية نقص حاد حصراً في شريحة أطباء الاختصاص.

أزمة وطنية

نقص أطباء الاختصاص أصبح أزمة وطنية في الأردن. فلأول مرة، لا يتعلق النقص بالقطاع العام فقط لكن بالقطاع الخاص أيضاً، إما بسبب هجرة الكفاءات والمغريات التي تستقطب أطباء الاختصاص، أو بسبب افتقار عمليات المجلس الطبي الذي يمنح الإذن بتراخيص المزاولة لآليات تطوير مطلوبة، على حد تعبير الخبير الأبرز بيروقراطياً في ملفات الصحة العامة الدكتور هايل عبيدات. وإما بسبب القصور الذي اعترى وزارة الصحة على مدار سنوات في الماضي تحت عنوان التدريب والتأهيل.
صحيح أن أزمة فيروس كورونا التي استمرت عامين كشفت عن النقص الحاد في أطباء الاختصاص واستنزاف السوق في هذا السياق، لكن الصحيح أيضاً أن تلك الأزمة تسبق الفيروس كورونا من حيث التشكل والوجود ولحقت بها أيضاً، الأمر الذي جعل المهمة ليست سهلة إطلاقاً أمام وزير الصحة الحالي الدكتور فراس الهواري، الذي لاحقته مؤخرًا بعض التعبيرات البرلمانية لكن خارج السياق المطروح؛ لأنه وفريقه يحاولان معالجة تراكم الأزمات والتحديات وعلى رأسها اليوم نقص الكادر الطبي المختص.
فكرة الوزير الهواري هنا بسيطة جداً، وقد شرحها ببعض التفصيل أمام «القدس العربي» مؤخراً، ومضمونها فتح ملاذ جديد لتمكين المراكز الطبية والمستشفيات في القطاعين العام والخاص من استقطاب واستدراج كفاءات مهنية طبية أردنية في الخارج، حتى تساهم في تسجيل 3 أهداف في سلة واحدة، هي تعويض النقص المقلق اليوم، والمساهمة في نقل الخبرة والتدريب لاحقاً، ثم استعادة هيبة الكفاءة الطبية الأردنية ثالثاً.
أهداف كبيرة وراء ذلك الملاذ الذي دفعت به الحكومة وهي تحاول تصويب وتعديل بعض البنود في القوانين التي تنظم فعاليات المجلس الطبي الأردني، لكن بدا واضحاً للرأي العام أن أقلية من أعضاء مجلس النواب بصدد الانشغال بإعاقة هذا التشريع فقط دون التمحيص والتدقيق، وأحياناً -للأسف- دون التداخل في الموضوع والمضمون.
بكل حال، تحدي النقص في أطباء الاختصاص لا يستهان به، فآثاره حتى الاقتصادية والاستثمارية طويلة الأجل يمكن أن تؤذي المستثمرين الأردنيين في القطاع الطبي والطرح الحكومي، اليوم بين يدي مجلس النواب في جلسة صباح يوم الاثنين، الانطباع مبكر بأنها ستكون صاخبة.
يخشى التيار المحافظ في المسألة الصحية تقريباً من تعديل تشريعي يخدش السيرة الذاتية لشهادة البورد الأردني والمجلس الطبي دون أن يؤدي إلى الغرض المطلوب.
ذلك الخدش مجرد فكرة قد تكون وهمية، لكن بعض الأطباء الكبار لديهم وجهة نظر بخصوص تعديلات الحكومة المقترحة، وبعض الملاحظات مهنية ويمكن أن تؤخذ بالاعتبار، لكن غالبية الملاحظات لا تناقش صلب الموضوع، وتنطوي في بعض التعبيرات على إشارات بتحرك لوبي مناهض للتغيير والتجديد وتطوير آليات العمل حفاظاً على الوضع القائم بالمعنى الانتهازي السياسي، وبمعنى الخوف من أن تؤدي تعديلات الملاذ الجديد إلى المساس بمكتسبات الطبقة المهنية التي تكسب من بقاء الواقع كما هو.

إشكاليات

في كل حال، يطالب مخضرم مثل عبيدات بالتأني والتروي، ويقر بالحاجة إلى تطوير العمل وتفحصه بعد رصد مدخلات غير مهنية أحياناً في أعمال المجلس الطبي في الماضي، مع الانتباه لضرورة تجنب أي إساءة للمنجز وبالذات ما يلفت الوزير الهواري نفسه نظر الجميع إلى أن تصويب النص القانوني هنا ليس أكثر من محاولة للتأسيس في مشهد وطني عام يفترض أن تغلب عليه المصلحة العامة أي مصالح أخرى محدودة، مع الاحترام لرأي الجميع.
واحدة من إشكاليات التشريع عموماً في الأردن تتمثل في انفلات تعبيرات المشرعين النواب أحياناً وتغريدها خارج سرب الموضوع، فيما أحد أكبر المراجع التشريعية وهو الدكتور نوفان العجارمة، يصرح علناً بأن الدولة الأردنية لا يوجد لديها سياسة تشريعية.
لكن بالعودة إلى نقاشات البورد الأردني، يمكن رصد حالة الاحتقان والتفخيخ في النقاشات والهجمة على التعديل الخاص بقانون المجلس الطبي، إما من قطاعات مستفيدة أو من شرائح قلقة من خطوة في الفراغ تخدش قيمة وهيبة ومصداقية البورد الأردني.
وسط هذا وذاك، اتخذت الحكومة القرار، وبدأ الوزير الهواري يشرح لكل من يرغب في المناقشة.
التهمة التي تروج بأن المسألة مرتبطة بمخطط أوسع لخصخصة القطاع الطبي تبدو افتعالية، لأن ما تعمل عليه الحكومة اليوم حسب الهواري هو تأصيل وتجذير القطاع الطبي العام، وتمكينه لا بل تعزيز قيمة البورد الأردني أيضاً بفتح آفاق جديدة، مؤكداً أن صورة الأردن هنا لن تخدش، فالمملكة تترأس اليوم -كما يشرح الوزير- المجلس الطبي العربي برمه، وطوال الوقت كان الأردن وسيبقى إما رئيساً أو نائباً للرئيس عندما يتعلق الأمر بالبورد العربي، والمطلوب حصراً هو تخصيص مساحة تمكن القطاع الطبي الأردني من استقطاب أبناء الأردن الذين يخدمون في الخارج، وعلى أساس أن بلادهم أولى بهم.
وضع التصور الحكومي التشريعي مزايا وقيود في الوقت نفسه، بمعنى أن الإعفاء لأي كفاءة طبية مختصة بعد الآن بموجب التشريع إذا عبر من امتحان المجلس الطبي الأردني المثير للجدل مقيد بشرط عمل الطبيب لـ 3 سنوات متكاملة في نفس البلد الذي تخرج منه طبياً، مع وضع قيود يعرفها الجميع ضمن بروتوكول كحكم له علاقة بمعادلة الشهادات والاعتراف بها.

«فتح نافذة»

شرح الوزير الهواري بالخلاصة: نريد فتح نافذة أمل لنا ولأولادنا الأطباء العاملين في الخارج، ولدينا قناعة بأن استقطاب خبرات الأردنيين الأطباء مفيد لهم ولنا وللوطن، بطريقة حضارية وعلمية بعيداً عن تشنج الاتهامات. وحتى نتوقف عن إنكار وجود أزمة حقيقية اليوم باسم نقص الكوادر المختصة، وبالتالي وضع الحلول والمعالجات بدلاً من البقاء في التضجر والشكوى، فالخطوة يجب أن تكون لتطوير العمل، بتقدير الوزير الهواري، وليس لإعاقته، وإبقاء أبواب وزارته مفتوحة لأي نقاش تحت عنوان الحرص الوطني المسؤول. والقصة لا علاقة لها بشخص الوزير بقدر ما لها علاقة بوضع خطة محكمة بعدما أبلى النظام الأصلي الرسمي حسناً وأظهر قدرات على التعافي بعد أزمة كورونا، مما يتيح المجال اليوم لنقاشات هادئة.
بكل حال، التركيز على شخص وزير الصحة وترويج الشائعات، سلوك لا يعفي لا النواب ولا الأطباء في القطاع الخاص من العودة لمناقشة جذر المسألة والتفاصيل.. على الأقل هذا ما تفترضه الأوساط العلمية المعنية بتفعيل الرقابة والتشريع أو المهنية في تنميط النقاش.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى