اراء و مقالات

لأول مرة: هل للأردن مصلحة في «انتفاضة ثالثة» باسم القدس؟

مخيم الوحدات سهر حتى الفجر تفاعلاً مع مسار الأحداث في القدس والمسجد الأقصى

عمان – «القدس العربي» : سهر مخيم الوحدات للاجئين الفلسطينيين في العاصمة الأردنية عمان حتى فجر الإثنين في الشارع العام، تفاعلاً مع مسار الأحداث في القدس والمسجد الأقصى.
وبدأت السلطات الأردنية تستعد أمنياً وسياسياً للسيناريو الأسوأ، في الوقت الذي تزيد فيه دعوات تضامن الشارع الأردني مع أهل القدس، مع أن المؤسسة الحكومية في الأردن أبلغت غالبية الأطراف بأن الوضع المعقد في الملف الفلسطيني في طريقه لمزيد من التعقيد عبر انتفاضة ثالثة يمكن أن تؤدي إلى تغيير في المعطيات، خصوصاً أنها تحمل اسم القدس هذه المرة.

6 وقفات احتجاجية

خرجت اعتصامات في مخيم البقعة أيضاً، وشهدت 6 محافظات أردنية بالتناوب وقفات احتجاجية، كان أبرزها باسم الإخوان المسلمين وتحت يافطتهم قبالة المسجد الحسيني وسط عمان العاصمة بعد صلاة الجمعة الماضية. وبين الاعتصامات تجمع كبير سمحت به السلطات الأمنية لأول مرة في حي الرابية الأحد، حيث مكاتب سفارة تل أبيب، فيما بدأت أصوات التفاعل في الشارع الأردني تختبر التوجه عشية العيد إلى محيط مقر السفارة الأمريكية في عمان. عملية التفاعل مع ما يجري في القدس تتدحرج في الشارع الأردني، حيث متابعة جماهيرية واسعة لكل التفاصيل، وملايين الأردنيين يتابعون في بيوتهم منصات البث المباشر للمواجهات والأحداث في سلوك إعلامي اجتماعي لا يمكن التدخل به أو بروز أي محاولة للسيطرة عليه.
ثمة تحولات مرصودة في الساحة الأردنية على الأقل توحي بأن مخيمات اللاجئين في حالة استنفار تفاعلي هذه المرة، فالأمر يخص مدينة القدس مهوى القلوب وعنوان الكرامة، كما يؤكد لـ«القدس العربي» عضو البرلمان خليل عطية، وهو يشير إلى أن مسألة القدس أكثر حساسية من أي مسألة أخرى بالنسبة للشعب الأردني.

مخيم الوحدات سهر حتى الفجر تفاعلاً مع مسار الأحداث في القدس والمسجد الأقصى

بين المستجدات الملموسة توافق ضمني بقرار غير معلن من السلطات يسمح بيافطة الإخوان المسلمين التي تم التعامل معها في الماضي باعتبارها يافطة غير شرعية، إلا أن ما يجري في القدس أظهر قدرات الإخوان المسلمين على العودة في إطار التشبيك في الشارع الأردني مع القضية الفلسطينية، وسط مؤشرات على أن الحكومة الأردنية لا تمانع ذلك، ووسط قناعة مراكز القرار الأردنية بأن الهدف الأبعد لمحاولة ترحيل العائلات في حي الشيخ جراح وعسكرة حرم المسجد الأقصى، بمعنى تدنيسه بقوات الاحتلال -حسب النائب عطية- هي إجراءات من اليمين الإسرائيلي تحديداً تسعى لإحراج الأردن وتتسع باتجاه اختبار صعب ومعقد لدور الأردن في رعاية المقدسات ووصايته عليها.
إحراج سياسي كبير هنا، وخطوات دبلوماسية رسمية متسارعة تحت عنوان تمكين المستوطنين المتشددين في القدس من تأسيس حالة شعبية جديدة عشية عيد الفطر تلهب المشاعر الدينية وليس السياسية فقط، وتؤدي إلى اندلاع انتفاضة ثالثة قد تبدأ، لكن لا تعلم السلطات الإسرائيلية كيف تنتهي.
تحركات شعبية في القدس تضرب على وتر المشاعر الدينية، وفي شهر رمضان المبارك، تطور لم تستعد له دول السلام والتطبيع في النظام السياسي العربي. والسياسي الأردني البارز الدكتور ممدوح العبادي، في نقاش مع «القدس العربي» يجدد التأكيد على أن أي بوصلة لا تقود إلى القدس وتحريرها خائنة بالضرورة، معبراً عن قناعته بأن المكان الديني للقدس أكبر من أي عملية احتواء سياسي.
في الأثناء، يعتقد بأن التفاعل الشعبي الأردني مع القدس في طريقه للاستمرار والتواصل، ومستوى التأثر بمسار الأحداث أردنياً على الأقل خارج نطاق أي سيطرة، خصوصاً مع تنظيم وقفات احتجاجية في دول إسلامية مجاورة مثل تركيا.

إحراج الوصاية الهاشمية

بهذا المعنى، وإدراكاً لسلبيات اليمين الإسرائيلي المتشدد في مؤامرة جديدة ترهق المنطقة وتشغلها، بدأت ماكينة الوصاية الشرعية بالتحرك. وخلافاً لكل المرات، تتحرك البوصلة الأردنية اليوم في اتجاه رسمي لا يهدف إلى منع انتفاضة ثالثة باسم القدس، بل لإظهار قدر ممكن من الجمل التضامنية مع أهلها.
إستراتيجياً، تستقر لدى عمان القناعة بأن اليمين الإسرائيلي يخطط ومنذ أسابيع لإحراج الوصاية الهاشمية الأردنية وإظهار قدرته على تحديها أصلاً وإخراجها عن سكتها القانونية الشرعية، الأمر الذي حصل أو بدأ مع الترتيبات التي أعاقت قبل 6 أسابيع زيارة كان سيقوم بها للقدس وللأقصى ولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبد الله.
وفي المسار الاستراتيجي أيضاً ثمة تصور أردني بأن حراك أهل القدس هذه المرة لا علاقة له بالمرابطين فقط، ولا بالسلطة الفلسطينية، بل يوفر نوعاً أو صنفاً من الدعم للوصاية الأردنية، مما يدفع عمان في مساحة اشتباك إيجابية وفي سياق حسابات سياسية تقفز على الموضوع الأمني وتتغذى على عقم العلاقات والاتصالات والعلاقات مع اليمين المتشدد، وعلى أساس القناعة التي بدأت تترسخ في أوساط نخب عمان الآن بأن السماح لليمين بالإفلات سياسياً من قبضة الحراك الاحتجاجي لأهل القدس يعني الانتقال لاحقاً في ظل إدارة أمريكية جديدة تقرر عدم التحرك حتى الآن إلى مستوى الاشتباك لإضعاف الدولة الأردنية وفرض إملاءات عليها في الملف الفلسطيني بواسطة اليمين الإسرائيلي.
مستوى الحساسية السياسية الأردنية كبير جداً الآن، فالوصاية الأردنية على المحك وتواجه اعتداء صارخاً من شريك السلام الإسرائيلي في ملف طالما اعتبره الملك عبد الله الثاني أبرز خطوط الأردن الحمراء.
هل يعني ذلك سياسياً على الأقل بأن انتفاضة ثالثة تحمل اسم القدس قد تدعم أردنياً هذه المرة؟
سؤال في غاية الإرباك فرضته على عمان تلاعبات اليمين الإسرائيلي، فيما لا تقدم مستويات العمق في تل أبيب، وتحديداً في المؤسستين العسكرية والأمنية، للشريك الأردني في السلام أو لأي صديق عربي للتطبيع مخرجاً استراتيجياً آمناً من منزلق يحمل اسم القدس ويلهب المشاعر ليس في الجغرافيا المجاورة فقط ولكن في العالم الإسلامي أيضاً.
الاختبار هنا قاس وخشن، والذي يزور عمان هذه الأيام يلمس حجم التضامن الشعبي والاحتجاجي الكبير على المستوى الشعبي، ويلمس أيضاً حجم الارتباك في غرفة القرار. فعمان اليوم في سياق استراتيجي نادر يخالف تقاليدها ويحتاج إلى جرأة في قواعد الاشتباك، وعنوانها أن إحدى مصالحها الاستراتيجية العليا مرتبطة الآن بحراك شباب القدس وحي الشيخ جراح.
تلك منحنيات استراتيجية وتحولات صعبة ومربكة تحتاج إلى تحرك وإلى تأمل حتى لا تفلت الأوراق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى