اراء و مقالات

الأردن: «فتية» المعارضة و«لص البيارة»

استهداف المعارضة الراشدة في الصف الإسلامي وإقصاء الشخصيات الوطنية التي يحترمها الناس، ويقدرها المجتمع، حجة على الدولة والنظام، وعملية منهجية سيئة، انتهت بمن يرفعون السقف، ويجرحون كرامات ومؤسسات الأردنيين في الخارج

لابد من التركيز أكثر على التفاصيل.
بماذا تختلف المعارضة، بصرف النظر إن كانت خارجية «مدعية» أو داخلية لديها وجهة نظر أردنية، عن رموز السلطة والولاء المسموم عندما يكثف المايكروفون من خطاب الرفض والكراهية وإتهام الرأي الآخر والتشكيك به حتى بدون نقاش؟
شخصيا لا أؤمن بشيء اسمه معارضة خارجية، فمن يواصلون البث مزاودين على الشعب الأردني، مثل «لص البيارة» الصغير يخطف برتقالة فقط، وهو يأمن العواقب في الخارج، حيث لا أحد يواجهه ولا ذراع القانون تطاله.
معارضة الأردن الخارجية التي تنطق باسم شعب صابر ويشقى يوميا، ليست أكثر من «فتية» فاتهم القطار، وأغرتهم النجومية، وأغلبهم طيب ودود في حلقه غصة، لكن شحن الذات دوما بتكلفات النجومية، ومتابعة الجماهير، خصوصا على منصات التواصل، مسألة تخطف الألباب إلا من رحم ربي، وأعلم يقينا بأن بعض «الموظفين في الداخل» يعملون على تسمين وتسميم معلومات شباب الخارج، بكل ما تيسر من القصص والأحابيل، وأحيانا الأكاذيب دون أي تدقيق، وبصرف النظر عن المصداقية.
مجددا لدي دليل لمن يطلبه فقد إخترع أحد المعارضين الخارجيين، أن وثيقة قدمتها شخصيات باسم الحقوق المنقوصة للرئيس جو بايدن…كانت كذبة بامتياز، حيث لا وثيقة ولا شخصيات ولا تيار أصلا، يطالب بحقوق منقوصة، وحيث ورقة بحثية قانونية قدمت عام 2012 لأصحاب القرار، وليس لأغراض سياسية، وهي بالمناسبة منشورة على موقع باسم المبادرة للمواطنة.
نعم أعلم يقينا أنها كذبة باميتاز من الألف إلى الياء.
لكن تلك الكذبة يعاد انتاجها الآن، لغرض على الأرجح والأهم، أن حراكات الداخل سرعان ما تلقفت النبأ الكاذب، وبدأت تغوص في حيثيات زائفة، لا أصل لها، وتعاملت مع الوثيقة وكأنها حقيقة، مع أن بايدن غارق في العسل، ولا يهتم بكل العرب، وليس بالأردنيين والفلسطينيين فقط.
شهيتي مفتوحة فعلا لمعرفة الكيفية التي تدفع بعض الأشخاص لالتقاط فرية ما، ثم الإيمان بها، ولاحقا ترويجها على أساس أنها حقيقة، ومطالبة الجميع بالاحتكام لها… هذا طبعا تنميط خبيث ومزاجي ومختل، فرسالة المعارضة الخارجية عن رسالة الحقوق المنقوصة، تثبت بأن المعارضة عندما تفتري تشبه هؤلاء الذين يشوهون رموز المعارضة الوطنية والحراك المحترم باسم الولاء المسموم.

استهداف المعارضة الراشدة في الصف الإسلامي وإقصاء الشخصيات الوطنية التي يحترمها الناس، ويقدرها المجتمع، حجة على الدولة والنظام، وعملية منهجية سيئة، انتهت بمن يرفعون السقف، ويجرحون كرامات ومؤسسات الأردنيين في الخارج

لا يختلف الأمر إطلاقا عن ما يحصل في أقنية الأمن في الأنظمة التعسفية العربية، حيث المراوغة والافتراء والادعاء وفبركة الحقائق، ثم الاتهام والإدانة للرأي الآخر، وبدون حتى محاكمة عادلة لأي نص.
فاجأني فعلا مستوى الاستخفاف عند من يحملون مايكروفون المعارضين والحراكيين الذين يعلمون بأن ما يقولونه كاذب، ويصرون عليه لأنه يلقى هوى في أنفسهم أو يساعدهم في تحشيد حاضنة إجتماعية بائسة، هنا أيضا سلوك مختل تنتجه مصانع الأنظمة المستبدة أيضا.
أفهم بأن المعارض أو المناكف الوطني الحقيقي تعرض للاتهام والتشكيك والتخوين، واستهدفته السلطة، فقرر معاقبتها بـ«التباين» والصدق… التباين الأخلاقي مع القيم السلبية التي تحكم الاستبداد، وزعران الحكومات هو الأساس والمعيار، لكنه يسقط في المشهد الأردني، وللأسف الشديد رغم إيماني بالمقابل بأن الدولة لا تسير باتجاه الإصلاح الحقيقي، والفساد أصبح مؤسسة والتغيير واجبا.
أقولها بصراحة هنا ومن تجربتي الشخصية: مستوى وحجم الاتهامات التي ألقيت ضدي من أبشع صفات التشكيك عند بعض أوساط المعارضة، والحراك أكبر بكثير من منسوبها، عندما اختلفت مع السلطة كمواطن وككاتب صحافي.
السلطة تكتفي في الأردن عند الاختلاف بطردي من جنتها، وحرماني من امتيازات استطيع الاستغناء عنها والحمد لله، لكن عند الاختلاف مع أصغر حراكي أو معارض من إياهم، أصبح فورا إمبرياليا وصهيونيا، وأستحق أن تتجه الخيول لقطع رقبتي في عمان.
أعتقد شخصيا أن «التشوهات» التي طالت المعارضين الجدد في التجربة الأردنية أنتجت وبكفاءة في مفاصل رسمية وبيروقراطية وأمنية، فقد طورد ولوحق واستهدف العديد من أبرز رموز المعارضة الوطنية البناءة، وطبقة من أنبل وأشرف الأردنيين الملتزمين دستوريا ووطنيا، وحرم هؤلاء من حقوقهم البسيطة فكانت النتيجة «فراغات قاتلة» شغرها معارضون بخبرات سياسية بائسة يرفضون فكرة الحوار والرأي الآخر مع قهوة الصباح، ويتعاملون مع المعارضة وكأنها «فزعة» ويثيرون مناخا من التشكيك في كل مكان.
نعم استهداف المعارضة الراشدة في الصف الإسلامي وإقصاء الشخصيات الوطنية التي يحترمها الناس، ويقدرها المجتمع، حجة على الدولة والنظام، وعملية منهجية سيئة انتهت بمن يرفعون السقف، ويجرحون كرامات ومؤسسات الأردنيين في الخارج غالبا وأحيانا في الداخل، حيث لا حوار ولا رأي آخر ولا تباين، فقط إتهامات على طريقة جورج بوش الابن «من ليس معنا ضدنا ومع الفاسدين».
بإختصار المايكروفون الصاخب غير الدستوري القادر على اتهام الجميع أفقيا حل مكان الصوت الخافت الراشد الذي خنقته السلطة وطوال عدة عقود، ونحن اليوم نعاني وطنيا من تداعيات هذه العملية التي كانت أسوأ منتجات السلطة في الواقع.
لا مصلحة للحراك الشعبي المقدر ببقاء أصحاب الصوت المرتفع الاتهامي التقسيمي، ولا مصلحة للأردنيين بالاصغاء لأفلام ما يسمى بالمعارضة الخارجية أما مصلحة الدولة فهي المبادرة للإصلاح الأفقي الشامل العميق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى