اراء و مقالات

الأردن: الخصاونة والصفدي «معاً» في مشوار «فاتورة تبادل المجاملات»… و«كمين التواطؤ» يترصد الجميع

عمان – «القدس العربي»: قد لا تبدو مقايضة عادلة عندما يطمح بعض أعضاء مجلس النواب الأردني بتحسين امتيازاتهم المالية والتقاعدية في إطار مطالبة يرونها مشروعة مقابل الانسجام أكثر مع متطلبات واتجاهات مأسسة العمل التشريعي.
يضغط النواب بوضوح خلف الستارة والكواليس في مسلك قد يحتاج لتبرير وتفسير أمام الرأي العام على الأقل عشية نقاشات اللجنة المختصة بمشروع الميزانية المالية للدولة. وهو مشروع تأخر تقديمه وإدراجه ونقاشه وعرضه للتصويت بدون فهم الأسباب علناً على الأقل، وإن كان وزير المالية الدكتور محمد العسعس قد وضع بين يدي مجلس النواب مبكراً وثيقة المشروع منذ أكثر من شهرين.
بكل حال، ثمة روح جديدة تكثر من الحديث عن المؤسسية يبثها الحراك الديناميكي في أوصال المكتب الدائم والمجلس لرئيس النواب الجديد والصريح والشاب والنشط أحمد الصفدي. لكن بالمقابل، ثمة انطباع محدود وبدون أدلة وقرائن مباشرة على أن بعض النواب مهتمون مادامت الكتل رخوة عملياً وتعتمد على العلاقات الشخصية كما وصفها الصفدي نفسه، باقتناص ما يمكن اقتناصه على هامش النقاشات المالية تحت عنوان مشاورات ليست رسمية لإجراء بعض التعديلات المقترحة على أنظمة وقوانين التقاعد.

امتيازات ومخصصات

يشعر النواب في الأردن دوماً بأن الامتيازات والمخصصات المالية التي تنص عليها اللوائح لا تساويهم بالوزراء والأعيان، مع أن البلد يزداد فقراً، والاقتصاد في الارتباك، والديون تزيد، وهي مشاعر لا يمكن توجيه اللوم لها وسط معادلة التشريع والهندسة التي تثير الفوضى أحياناً في أغلب الملفات.
بكل حال، قد تكون مطالب النواب المالية حصراً محقة ومنصفة، لكن الشعب والرأي العام لن يتقبلها في ظل الظروف الحالية المعقدة حتى وهي تتسرب على شكل مشاورات وليس اجتماعات قانونية ودستورية، أو حتى وهي تتسلل على شكل توصيات واقتراحات، في الوقت الذي تنتظر فيه الحكومة بشغف إقرار ميزانيتها المالية بالحد الأدنى من التعديلات والتوصيات، الأمر الذي يشكل بالعادة تصويتاً جديداً بمنح الثقة بالحكومة القائمة.
عملياً، حضر العسعس درسه جدياً وفي الوقت المناسب، ولفت نظر “القدس العربي” مبكراً إلى أن السياسات الوطنية والمتزنة في مسألة الفارق بين الضرائب الاستهلاكية وغيرها كانت أساساً في جوهر وثيقة الميزانية.
وعملياً، واضح تماماً أن الحكومة لا تنشغل بشيء بقدر انشغالها بإرضاء النواب ومجلسهم تحت عناوين ليس التعايش بل الشراكة بين السلطتين، كما وصفها الصفدي وهو يشرح الأولويات لـ “القدس العربي”.
ولا يخفي على النواب والمراقبين اهتمام رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة بالتوافقات مع السلطة التشريعية وبإبقاء جبهة النواب هادئة في مواجهة الحكومة، مع أن انطباعاً بدأ يتشكل يشير إلى أن السلطة التنفيذية تبالغ بالاهتمام بالنواب على حساب بقية الانشغالات والملفات.
وأغلب التقدير هنا أن مجسات النواب ترصد ذلك الاهتمام الشديد كما ترصد حاجته إلى شعبويات وميكروفونات أحياناً، فيما ترصد مجسات الحكومة بالمقابل سعي بعض الخبراء من النواب في الاستثمار في اللحظة، مما شكل ضغطاً على المكتب الدائم، والرئيس الصفدي لا يعلن عنه المعنيون بالاشتباك تحت عنوان التوظيف الأفضل لحاجة الحكومة للنواب بطرح مسائل ستغضب الرأي العام على الأرجح، من بينها تحسين التقاعد والمخصصات المالية لممثلي الشعب والأمة، وإن كان ذلك سياسياً ووطنياً بحد ذاته سيؤدي إلى إقلاق راحة الرأي العام، وقد ينتج عنه حرق بعض الأوراق الخاصة بالسلطتين عند الشعب الذي يفترض أنهما تمثلانه.
حسابات الحكومة السياسية المرتبطة بالتوقيت مع إطلالة الربيع قد تشكل عنصراً أساسياً في بناء تفاهمات مع النواب على حساب بقية الملفات.
وحسابات النواب السياسية بالمقابل قد تشكل عنصراً فارقاً مع نمو السيناريو القائل بانتخابات مبكرة قبل نهاية العام 2023 لوضع اللبنة الأولى في جسد المشروع الذي يحمل اسم تحديث المنظومة السياسية.
المجاملات قد تتبادلها السلطتان هنا، لكن في الأثناء كمائن متعددة ومتنوعة يملك الصفدي والخصاونة كل الخبرات اللازمة للانتباه لها والحذر منها، مع أن حسابات الحكومة السياسية أيضاً المرتبطة حصراً بملف مسار التكيف مع اليمين الإسرائيلي والوضع الملتهب المفتوح في القضية الفلسطينية، انطوت على مجاملات أيضاً بين السلطتين.

الشراكة مع الإعلام

يتحدث الصفدي علناً عن الشراكة مع سلطة الإعلام، لكن بعض الاجتماعات التشاورية عقدت بمعزل عن ممثلي الإعلام؛ ما يوحي بأن استراتيجية إطفاء الكاميرات وإغلاق الميكروفونات قليلاً وأحياناً منتجة ومرضية للسلطتين حتى وإن شكلت منطقة تواطؤ بينهما مصلحية الدافع، وإن كان على حساب ما يسميه دعاة الحرية والإعلام الحر بالشفافية. وبكل حال، جامل النواب الحكومة في محطات مرصودة بتأجيل جلسات أو عدم انعقادها بسب قضايا ملحة وساخنة مثل البيان الشهير لوزارة الخارجية في إدانة عملية القدس الفدائية في بيت حنينا، وقد تجامل الحكومة قليلاً تلك المشاورات التي تعقد بعيداً عن القبة تحت عنوان مقايضة تبدو خارج التشكيك بشرعيتها أحياناً ومحترفة ومهنية أحياناً أخرى.
لكن وفيما تتفاعل الكيمياء بين السلطتين والرئيسين، يضغط الوضع المعيشي بشدة على طبقات وشرائح لا يستهان بها عند الشعب الذي يفترض أن السلطتين تمثلانه. بالخلاصة، يرتفع مستوى التنسيق الكيميائي على هامش نقاشات الميزانية المالية.
ذلك صحي ومطلوب بطبيعة الحال، لكن الاسترسال في التفاهمات التكتيكية على حساب الاستراتيجية قد يفهمه المراقبون من أبناء الشارع باعتباره مساحة تواطؤ مع أنه قد لا يكون كذلك. المواطن الأردني عموماً توقف عن مراقبة النخب والمؤسسات ولا ينشغل بها كثيراً.. تلك معلومة في غاية الإثارة، والصمت عليها وتجاهلها يؤذي الدولة في النهاية لأنها تعني الكثير عند الحفر في أعماقها.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى