اراء و مقالات

مضادات الربيع» و«شماغ وعقال»… «نتفلكس»: أين «روبن هود» السوداني؟ وتونس الخضراء على طريق «باي… باي»

«عترة وعقال» مع دشداشة، أو «شماغ»، إن شئتم، لكن مجددا على قناة «نتفلكس»، التي يمكن اصطياد شغف إنتاجها الفني، سواء الدرامي أو بتاع «الأكشن»، بالزج بالعرب والعروبة في إطار رمزي تعبيري محايد إلى حد القهر.
سبق لي أن رصدت نفس المشهد، قبل عامين، ضمن تفاعلات مسلسل عملاق باسم «القائمة السوداء».
لكن، وللحق، متابعة المشهد ثانية تجعل المتلقي أكثر حرصا على التدقيق في التفاصيل.
في اختصار: عتاة المجرمين و«كبار السفلة» مجتمعون معا في قاعة فندق فخم سرا في نيويورك.
بدأ كبار ممولي الجرائم واللصوص بتبادل العتاب على طريقة «المافيات» .
ما أزعجني للمرة الثانية، تلك «السلبية المقيتة» لممثلنا العربي، حيث شخص ما يرتدي «دشداشة خليجية» مع شماغ أحمر وعقال، ولا ينبز ببنت شفة، والقوم يتلاومون ويفتكون ببعضهم.
لا بل «العتل العربي» هنا – وهذا ما لم ننتبه له سابقا- وخلافا للقيم وقصص الجدات، كان «أول من حمل شماغه» وهرب، عندما هاجم الـ»أف بي آي» وفي الأثناء تحدث الياباني والألماني والإيطالي، وبقي رمز «عزتنا الإجرامي» وممثلنا في العالم السفلي، ليس محايدا وصامتا كالقبور فقط، بل مهووس بارتشاف كأس نبيذ، دون غيره، والكاميرا تصور الممثلين!
فقط «أبو شماغ» بقي ممسكا بكأس النبيذ طوال 6 دقائق من التصوير في المسلسل، تلك لن تكون إلا مؤامرة إنتاجية خسيسة تستهدف «هيبتنا القومية» وسمعتنا نحن العرب حتى في مجال الإجرام، مع أن أنظمتنا زاخرة للغاية ومفعمة وتتقيأ دوما عتاة في الإجرام والإفساد، خصوصا من المتشدقين الضاربين على طبول الوطنية والوطن و»السيد الرئيس»، قائد الأمة وملهمها!

تونس والباي باي

لذلك فقط ولأن «نتفلكس» تسلط الضوء على «حياد المجرمين ديالنا» في مسلسلات الأكشن، بطريقة مؤذية لا تعكس الحقائق، ندير الريموت كونترول أثناء ممارسة تراث الفرجة، والتلقي السلبي، على الشاشات الفضائية الإخبارية.
«الجزيرة» مثلا تابعت بشغف اعتقال ومداهمة الشيخ راشد الغنوشي.
ومن أصغى للفضائية التونسية، وهي تبث النبأ مع مقدمة «خشبية» باسم «الرئاسة الديكتاتورية»، بعنوان «أعداء تونس الذين يخططون بليل»، فهم مسبقا أن «تونس الخضراء» – حماها الله وجللها بالعز والسؤدد – بدأت تلتحق بـ»البمبو السوداني» – لا سمح الله طبعا – على طريق ودرب «الباي.. باي».
لسبب أو لآخر ما زلت أميل لقراءة ما يجري في تونس وليبيا واليمن والسودان، والأهم في مصر، على الأقل باعتباره نتيجة لـ»الثورة المضادة» للربيع العربي.
ورغم أن ربيعنا العربي يتحول إلى «موضوع مشكوك فيه» بأثر رجعي، الآن، و»يترنح تماما»، إلا أن «جماعات الضغط المضاد» مصرة على «إهانته» وإذلال فكرته بطريقة «عسكرية واقتصادية وإعلامية» لا تعاني من الالتباس.
الثورات المضادة للربيع العربي، تقاد بكفاءة وبمال وفير، وهدفها «تطهير ثم كي الوعي العربي»، بمعنى تطبيق شعار «أم بي سي مصر» القائل «ولا حتى تحلم فيها» أو شعار «روتانا سينما» القائل «مش حتئدر تغمض عينيك».
مجرد متابعة حوار الجنرالين السودانيين البرهان وحميدتي على «الجزيرة» توصلك إلى تلك القناعة التي تحذرنا جميعا، بعد الآن من مجرد التفكير بـ»الأنظمة البديلة» أو بالديمقراطية ومشتقاتها وأخواتها.
أحد ما في مكان ما يقول لنا جميعا: ستعلقون لعقود بعد الآن عقابا لكم أيها الشعوب على مجرد الحلم في المسلسل، الذي أعقب المقولة التونسية التاريخية «بن علي هرب» أو «هرمنا»!
نعم هؤلاء بتوع «الثورة المضادة» لفكرة الربيع العربي شاشاتهم مشغولة الآن بإبلاغنا أن من يحلم سيهرم، ثم يموت.

«روبن هود»

في صراع الديكة والبساطير والنياشين السوداني باسم الشعب، لا تستطيع حتى اللحظة، فهم من الذي هاجم الآخر، ولماذا حتى اللحظة؟!
طبعا، تلك «معركة» كان يمكن الاستغناء عنها، لو ركز الجنرالات قليلا على «تعبيد الأرصفة» في الشوارع الترابية، التي يعيش فيها وعليها أهلنا في الخرطوم، ولو على الأقل بـ»جزء صغير» من عوائد تجارة الذهب غير الشرعية.
لا يوجد «روبن هود» بنسخة سودانية سمعنا عنه.
ومشهد رئيس منظمة الصحة العالمية على شاشة «سي أن أن» الأمريكية، وهو يناشد «جنرالات الحرب» التوقف قليلا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من 80 مستشفى توقف العمل فيها مشهد تقشعر له الأبدان.
في الخرطوم، التي نحترم أهلها ونجلهم، لا يمكنك تناول قطعة بوظة أو فنجان قهوة حارة، بدون استنشاق غبار رصيف وتراب شارع .
كان الأولى تعبيد الشوارع قليلا، على الأقل لتأمين طريق صالح لنقل «الضحايا الأبرياء»، بعد سقوطهم في صراع لا علاقة لهم به، مع تجنب الاشتباك بجانب المستشفيات المتهالكة أصلا، بدليل أنك لا تزور عيادة طبيب متخصص في عمان، منذ سنوات طويلة إلا وترصد زبونا سودانيا برفقة امرأة ينتظر التشخيص والمتابعة.
أحدهم صادفته في عيادة جراح صديق، وأبلغني أنه جمع كل ما لديه ولدى أولاده من مال لإجراء عملية جراحية لزوجته في عمان. هؤلاء أولى بالحرب من أجلهم بدلا من تحويلهم إلى «وقود» لصراع داخلي، واضح تماما أنه مرتبط بـ«المضادات إياها للربيع العربي»!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى